إذا كانت مطالبة إدريس لشكر الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بالمساواة بين الأنثى والذكر في الميراث وتجريم تعدد الزوجات، تعبر عن قناعة صادقة وإيمان راسخ، وتجسد إرادة المرأة الاتحادية، لا المزايدة السياسية، وإرضاء الخواطر، وانتزاع التصفيقات. . .فعليه أن يقرن القول بالفعل وذلك بتقديم مقترح قانون في الموضوع عن طريق فريقه البرلماني بمجلس النواب. بالفعل لم تؤد مبادرته إلى فتح نقاش في مستوى مضمونها وبالأحرى الحوار الهادئ، وإنما إلى ردود أفعال، لكنها في نفس الوقت وهذا من إيجابياتها أنها أخرجت من جحورهم دعاة التحجر والتخلف والتكفير من جهة. وأفرزت من جهة أخرى ثلاث اتجاهات أساسية: 1-الاتجاه التكفيري: رغم ما يجسده هذا الاتجاه من تعصب وتحجر وكراهية وعدوانية . . . فإن من إيجابياته أنه يفضح ادعاء أهله بأن المسلمين ليس فيهم كهنوت. وهم يصدرون أحكام التكفير بحدة، أشد من محاكم التفتيش في العصور الوسطى. 2-الاتجاه النفاقي: لأنه يضع في قفص الاتهام كل من ادريس لشكر والتكفيريين، يعيبون على الأول أنه يسعى إلى تغيير نصوص قرآنية واضحة المضمون ومطلقة الدلالة، ولا تدعوا إلى جدال حسب رأيهم، لأنهم يفصلون النص القرآني عن سياقه التاريخي والحيتيات الاجتماعية التي ظهر فيه، ويخلطون بين التاريخي والزماني. فالتاريخي صيرورة والزماني لحظة. ويعيبون على الآخرين تعصبهم وتحجرهم. وهم بهذا لايختلفون على التكفيريين في المضمون بل فقط في درجة التعصب والتحجر والعدوانية. 3-الاتجاه التقدمي: على عكس ما يدعيه الإسلاميون. فإن هذا الاتجاه لا يسعى إلى إصلاح الإسلام، لأن الإسلام لا يشكو من عيب أو نقص، فهو صالح لكل زمان ومكان، وإنما إلى إخضاع موضوع الإسلام إلى قراءة جديدة في مستوى تحديات وإشكاليات العصر. وبهذا يكون هذا الاتجاه لا يتنكر إلى اجتهادات السلف، بل يعتبرها صحيحة وصائبة لأنها استجابت إلى إشكاليات عصرهم وزمانهم. فلا غرابة أنها أبانت عن محدوديتها في مواجهة واقعنا. وبقدر ما يدعو هذا الاتجاه إلى قراءة جديدة إلى الماضي لأنه متحرك وليس بجامد، بقدر ما يطالبون بضرورة تنزيل الدستور الجديد الذي ينص على المساواة بين المرأة والرجل، وعلى كونية حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها دوليا. فالأمر إذن واضح ولا يحتاج إلى المزيد من القيل والقال وردود الأفعال من جهة لأن الاتجاه الأول والثاني لا ترجى شفاعتهم. فهم على ملة واحدة، يستنجدون بالماضي ويحتمون بالتراث، ولأن النقاش من جهة أخرى لا يمكن أن يكون إلا مع من يريد النقاش، وليس مع الذي يزعم أنه يمتلك الحقيقة المطلقة، والذي يشهر ورقة التكفير والوعد بالقتل، ويفتخر بالتعصب والتحجر، ويضيفها إلى الإسلام. وهم بهذا يكونون قد حسموا في النقاش قبل أن يبدأ. قد يقال أن إدريس لشكر على حق، ولكن مبادرته لا تستوفي شروطها الاجتماعية، وأن الشعب غير مؤهل لقبولها، أقول لقد لاقت مدونة الأسرة نفس الاعتراض، كما أنه عندما كان التقدميون يطالبون بالديمقراطية وبحقوق الإنسان، كان يقال لهم أن الشعب غير مؤهل لها لتعليل القمع السياسي. بل كان من يكفرها على اعتبار أنها في نظره بضاعة غربية. وعندما داسهم التاريخ، أصبحوا يطالبون بها لا كمضمون ولكن كوسيلة للوصول إلى السلطة. وعندما هبت ريح حقوق الإنسان توسلوا إلى الدين وقالوا إنها وجدت في الإسلام منذ أربعة عشر قرنا، فكان الإعلان الإسلامي لحقوق الإنسان . قد يرفض الاقتراح ولكنه سيفتح نقاشا رسميا داخل الأحزاب وتحت قبة البرلمان. فعلى سبيل المثال عندما تقلدت منصب رئيس لجنة العدل والتشريع بمجلس النواب سنة 2006 وجدت مقترح قانون اتحادي يسعى إلى تمتيع الأطفال من جنسية أمهاتهم المتزوجات بأجانب. وكلما حاولت طرحه للنقاش على أنظار اللجنة، كنت أواجه برفض الحكومة، أربع سنوات فيما بعد أقره البرلمان بمبادرة من محمد السادس. خلاصة القول أن مواجهة التكفيريين والمتحجرين لا يجب أن تنحصر في القول بل يجب أن تنتقل إلى الفعل، لأن تحجرهم يحجب عليهم أحوال الناس، ولأن النقل يريحهم من عبء الاجتهاد، ويعفيهم من استخدام أفضل ما وهب به رب الكون الإنسان ألا وهو العقل، فكم من حاجة حرموها بالأمس وحللوها اليوم مثل الديمقراطية، وكم من حاجة حرموها وانغمسوا فيها دون حرج أو ندم مثل الأبناك. فحرية المعتقد لا توقفها التشريعات مهما بلغت قسوتها. وهكذا ورغم شدة سلطة الفقهاء في إيران الروحية والسياسية فإن 35% من ساكنته ملحدة، مما دفع برئيس جبهة الملحدين بفرنسا إلى الإشادة بالثورة الإيرانية. إن عجلة التاريخ لا يوقفها التكفير بقدر ما يحركها التفكير. ولقد عرت عجلة التاريخ على عورة فقهاء الماضي، وهكذا يقولون أن الإسلام ليس فيه كهنوت وفي نفس الوقت يصدرون أحكام التكفير مثلهم في ذلك مثل محاكم التفتيش في العصور الوسطى. يفتخرون بأن تاريخ الإسلام لم يعرف سلطة دينية مثل سلطة الكنيسة، ويتجاهلون أنهم هم أنفسهم أقاموا بالفعل سلطة لا تقل شراسة وتخلفا عن سلطة الكنيسة في العصور الوسطى يفعلون ذلك حين يزعمون أنهم يدافعون عن "حقوق الله" ويفعلون ذلك وهم يصرون على ضرورة وجود سلطة سياسية ترعى شأن الدين وتفرض ثقافة سلطة الدولة على الأفراد "حامد أبو زيد – دوائر الخوف.ص 12)، على الكاتب الأول إذن أن يتمم بالفعل ما بدأه بالقول لأن مشروعية المبادرة لن تقرها إلا مشروعية الأداء. وإلا سيكون قد فجر زوبعة في فنجان وجر عليه وعلى حزبه مجانيا وبال فقهاء الماضي التكفيريين منهم و"المعتدلين" وأضفى على لغطهم ونعيقهم مشروعية الجدال حول كلمة حق نطق بها هي من جوهر الإسلام بالحجة والدليل حسب عدة مفكرين، وارتدى لباس الجبن والتراجع في مرحلة هي في أمس الحاجة إلى الشجاعة والإقدام. لزعزعة واقع أكثر ما طال، خصوصا أن الدستور يشد عضده ويؤازر مطلبه لأنه ينص على المساواة وكل المساواة بين النساء والرجال دون قيد أو شرط من نص أو حديث.