في بحر السنة المنصرمة وضع صندوق النقد الدولي أصبعه على مكمن الداء عندما قرر أنه من الأولويات التي يجب على حكومة ابن كيران الاهتمام بها هي ضرورة إصلاح أنظمة التقاعد وصندوق المقاصة. بدوره سار المجلس الأعلى للحسابات في نفس الاتجاه بل أكد أن إصلاح صناديق التقاعد أكثر استعجالا من إصلاح صندوق المقاصة. هذا التنبيه بطبيعة الحال يشكل ضغطا على الحكومة من أجل ضمان استقرار ماليتها والخروج شيئا فشيئا من العجز الذي ينخرها، بل أيضا لضمان مستقبل متقاعديها وفقرائها الحقيقيين المحتاجين للدعم. ابن كيران سعى إلى ذلك ولوح بمقترحات من أجل إصلاح هذه الصناديق التي بدأت تخيم بظلالها على الميزانية وتثقل كاهلها، إلا أن اتخاذ قرارات حاسمة لا تتثقل كاهل المواطن ليس أمرا سهلا. المعارضون لمقترحات الحكومة ورئيسها حول إصلاح صناديق التقاعد والمقاصة لهم حجج سياسية وتقنية في الآن ذاته، الأولى تقول بأن ابن كيران تخلى عن شعاراته المتعلقة بالسياسة التشاركية وهو بذلك لم يتشاور مع الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والنقابيين قبل أن يقدم على وضع مقترحه للإصلاح ما يجعله فاقدا للإجماع الذي من شأنه أن يسرع عملية الاصلاح هاته، هذا بالاضافة إلى اتهامه بمحاولة دعم شعبيته وتوسيع قاعدة حزبه من خلال الخطة المطروحة لإصلاح صندوق المقاصة. وتقنيا هناك من يرى أن المقترحات المطروحة غير كافية للنهوض بهذه الصناديق، والدليل على ذلك أن رئيس الحكومة همش دراسات مهمة تم إنجازها سابقا واقترحت حلولا ناجعة في حين وضع مقترحات على «مقاسه» بأسلوب «ضرب وقيس» قد لا تصل سفينتها إلى بر الإصلاح كما ينشده عامة المغاربة، على اعتبار أن الرفع من سن التقاعد ولو تدريجيا غير كافي لوحده لإنقاذ صندوق التقاعد من الإفلاس. إذا ظلت كرة الإصلاح هاته محط أخذ ورد بين الطرفين فلا يمكنها إلا أن تؤجل العملية برمتها، وتؤخر تسجيل الأهداف التي يرجوها المواطن وينتظر ثمارها في الأفق القريب. الإصلاح ليس شعارا انتخابيا، تربح به الاستحقاقات ثم تضعه جانبا في انتظار الانتخابات القادمة أو تقص ثوبه على مقاس حزب سياسي معين. ثوب الاصلاح لا يمكن إلا أن يكون على مقاس المواطن المغربي بالشكل الذي يضمن له الكرامة عبر وضع اجتماعي ومادي مقبول يسمح له بالقيام بدوره في التنمية وتطور البلاد، لا سلعة تباع وتشترى مع كل حملة انتخابية.