يعتبر إحداث المحاكم الإدارية بمثابة إضافة لبنة من أهم لبنات القضاء المغربي وواجهة مبرزة لدولة الحق والقانون وتكريس حقيقي لمبدأ حقوق الإنسان وذلك بسن قوانين خصصت لحماية المواطن الذي يعتبر الطرف الضعيف عند مواجهته للإدارة ونعني بالإدارة هنا معناها الحقيقي وهو كافة الإدارات العمومية وأشخاص القانون العام بما فيهم الوزارة الأولى وباقي الوزارات وكافة المرافق العمومية التابعة لها وذلك في ظل إحقاق الحق وإرجاع الأمور إلى نصابها القانوني دون تحيز أو استثناء مما يعدل الكفة بين المواطن والإدارة أمام القضاء الإداري. وكانت النتيجة من إحداث هذه المحاكم هي صدور أحكام قوية جريئة وقانونية بالخصوص, تعيد الاعتبار للمواطن الذي اصبح يتجرأ على رفع دعوى في مواجهة هذه المؤسسات العمومية دون الشعور بكونه الطرف الضعيف الذي سوف لن يصمد أمام هيلمانها واصبح القضاء الإداري المغربي يضاهي في جرأته القضاء الإداري الفرنسي, مثال [حكم عدد 1327 صادر بتاريخ 23-09-2010 في الملف عدد 427-13-2008 والقاضي بالحكم على الدولة المغربية (وزارة الداخلية) بأدائها لفائدة المدعي تعويضا إجماليا عن الأضرار اللاحقة به جراء امتناع والي جهة الشاوية ورديغة عن تنفيذ قرار قضائي نهائي بحسب مبلغ (100.000 درهم) مائة ألف درهم . وتحميلها الصائر ..] المؤيد بمقتضى قرار محكمة الاستئناف الإدارية بالرباط عدد 2811 المؤرخ في 27 أكتوبر 2011 ملف عدد 51/11/6 (والأمثلة كثيرة) . غير أن الإشكالية المطروحة هي مواجهة هذه الأحكام غالبا بتعنت الإدارة (بعد الحكم) عن التنفيذ لهذه الأحكام وهو ما يشكل بالفعل إعاقة لهذه الجهود الجبارة التي تبدلها المحاكم الإدارية بواسطة قضاتها . بل النقطة التي تثير الاهتمام هي أن كافة الحكومات المغربية المتعاقبة قد أجمعت على خطورة هذه المسؤولية وتعمل على تفعيل مسؤولية الإدارة في هذا الصدد وحثت على تنفيذ الأحكام والقرارات النهائية عن طريق الدوريات والمناشير وعلى رأس ذلك الظهير الشريف المحدث لمؤسسة الوسيط كمؤسسة دستورية من بين مهامها الدفاع على الحقوق في نطاق العلاقات بين الإدارة والمرتفقين (الظهير المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5926 بتاريخ 17 مارس 2011) والذي تنص المادة 32 منه على أنه (إذا اتضح أن الامتناع عن تنفيذ حكم قضائي نهائي صادر في مواجهة الادارة ناجم عن موقف غير مبرر لمسؤول أو موظف أو عون تابع للإدارة المعنية أو إخلاله بالقيام بالواجب المطلوب منه من اجل تنفيذ الحكم المذكور قام الوسيط برفع تقرير خاص في الموضوع إلى الوزير الأول بعد إبلاغ الوزير المسؤول أو رئيس الإدارة المعنية لاتخاذ ما يلزم من جزاءات لازمة ومن إجراءات في حق المعني بالأمر كما يمكنه أن يوجه إلى الإدارة المعنية توصية بتحريك مسطرة المتابعة التأديبية. وان اقتضى الحال التوصية بإحالة الملف على النيابة العامة لاتخاذ الإجراءات المنصوص عليها في القانون في حق المسؤول أو الموظف أو العون الذي تأكد له أنه المسؤول عن الأفعال المذكورة وفي هذه الحالة يخبر الوسيط الوزير الأول بذلك) . غير أن التنفيذ في مواجهة الجماعات المحلية يواجه صعوبات كثيرة رغم صدور الأحكام (بالأداء أو القيام بعمل أو الامتناع عن عمل) تحت طائلة غرامة تهديدية لإجبار المحكوم عليها على التنفيذ وذلك تطبيقا لمقتضيات المادة 448 من ق م م واللجوء إلى التنفيذ عن طريق طلب الحجز على أموال الجماعات المحلية بين يدي الخزنة والقباض الجماعيين المسيرين لميزانيتها (كمحليين عموميين) غير أن هذه الإمكانية أيضا يواجهها عطل قانوني ألا وهو الخزنة و القباض لا يعتبرون غيرا حتى يمكن تطبيق مسطرة الحجز لدى الغير عليهم وصدر بذلك قرار عن محكمة النقض قضى بعدم اعتبارهم غيرا (قرار عدد 650 الصادر بتاريخ 29-09-2004 في الملف الإداري عدد 197-2-4-2004 و ألغى الحكم الصادر عن المحكمة الإدارية بالدار البيضاء بالمصادقة على حجز فائض ميزانية بلدية ثلاثاء لولاد بين جدي قابض بن احمد بتاريخ 25-03-2004 ملف عدد 04-569 س . غير أن المرسوم رقم 2-09-441 في المادة 88 منه أجاز إجراء الحجز بين يدي الخزنة أو القباض الجماعيين بل واكثر من ذلك حصر مسطرة الحجز لدى الغير بين أيديهم دون غيرهم تحت طائلة البطلان غير أن المادة 89 من نفس المرسوم تنص على انه لا يمكن إجبارهم على القيام بالتصريح الإيجابي (وهو تصريح الخزنة والقباض بأن المبالغ المراد الحجز عليها متوفرة لديهم بل يتمسكون بكون أن الاعتمادات ليست حسابات أو مبالغ مالية بل هي مجرد توقعات مدرجة بالميزانية السنوية ولا تتوفر عليها بكيفية ملموسة ويتمسكون أيضا بضرورة إصدار أوامر بالأداء من طرف الأخيرين بالصرف وذلك طبقا للمادة 77 من نفس المرسوم رغم صدور أحكام في مواجهة نفس الأمرين بالصرف ورغم التذييل بالصبغة التنفيذية مما تبقى معه مقتضيات المادة 88 من المرسوم حبرا على ورق في انتظار آلية جديدة لمواجهة الوضع . سعاد أرسلان (*) (*) نائبة رئيس المحكمة المدنية الابتدائية بالبيضاء