الدستور الجديد يعد بملكية برلمانية أو ذات طابع برلماني، يكون فيها الملك دستوري وديمقراطي واجتماعي، يتولى دور الحكم بين الفرقاء والمؤسسات الدستورية في القضايا الاستراتيجية، خاصة داخل المجلس الوزاري، الذي فتح الدستور الجديد أمام رئيس الحكومة الباب لرئاسته من خلال التفويض الملكي أو التماس ذلك مباشرة من الملك، في الوثيقة المقبلة الدولة ستكون مدنية، والشأن الديني ضمن المجال الخاص لمؤسسة إمارة المؤمنين التي تتولى الإشراف على تدبير الحقل الديني، وضمان حرية ممارسة الشعائر الدينية لجميع المغاربة، والأحكام القضائية ستصدر باسم جلالة الملك والقانون. نظام الحكم : ملكية برلمانية الدستور الجديد يمتد تطوير المؤسسات الدستورية فيه، إلى دور المؤسسة الملكية وطبيعتها، فدستور 1996 كان ينص على أن الملكية في المغرب هي نظام ملكية دستورية ديمقراطية واجتماعية، والدستور الجديد يعد بتطوير نظام الملكية إلى ملكية برلمانية، رفعت اللجنة الخاصة لمراجعة الدستور إلى جلالة الملك مقترحان الأول باللغة العربية يتضمن صيغة أن نظام الحكم في المغرب نظام ملكية دستورية ديموقراطية اجتماعية وبرلمانية، وصيغة بالفرنسية تتحدث عن أن نظام الحكم في المغرب نظام ملكية دستورية اجتماعية ديموقراطية ذات طابع برلماني a vocation parlementaire. وإن كان جلالة الملك وحده من سيحسم في الطريقة التي سيصاغ بها الحديث عن الملكية البرلمانية، فإن مصادر من داخل الآلية السياسية للتتبع والتشاور تتفاءل بما سبق أن نقله لها الأستاذ والفقيه الدستوري عبد اللطيف المنوني من أن الملك سيكون أكثر جرأة في تبني الإصلاحات الضرورية لتطوير التجربة الديموقراطية المغربية. فالملك الدستوري سيحمل في الوثيقة الدستورية المقبلة صفات، رئيس للدولة وممثلها الأسمى لها، ويمارس كل صلاحياته وفق الدستور. من موقع الملكية البرلمانية يعمل الملك على السهر على صيانة الخيار الديموقراطي، وحماية حقوق المواطنين، ولعب الدور التحكيم بين كافة الأطراف وفي القضايا الكبرى و الاستراتيجية. أما المجال العسكري فيتولاه الملك من خلال المجلس الأعلى للأمن الذي يضم المسؤولين الكبار والمؤسسات الأمنية بالإضافة إلى تمثيلية باقي المؤسسات الدستورية المنتخبة، خاصة البرلمان والحكومة. لطالما طرح ورود لفظة قداسة شخص الملك في الدستورالحالي تساؤلا حول مدى انسجام هذا المعنى مع متطلبات العصرنة، ويبدو أن هذا النقاش سيصبح ثانويا، فالقداسة ستم نزعها عن شخص الملك من خلال تغليب فلسفة الاحترام الواجب والتنصيص على عدم انتهاك حرمة قائد البلاد. شرعية الدولة : مدنية وليست دينية الدستورالمقبل سيحمل إشارات واضحة تضع الدين الإسلامي ضمن خانة المشترك بين جميع المغاربة، فتم تعويض صيغة «المملكة المغربية دولة إسلامية» كما هي في الدستور الحالي، بعبارة المملكة المغربية بلد مسلم. والدولة المغربية وفق الدستور الجديد هي دولة مدنية، لايمكن للدين أن يكون فيها من أسس الشرعية، أما الشأن الديني فهو من اختصاص إمارة المؤمنين، التي تتولى ضمان وحماية ممارسة الشعائر الدينية، فيما سيتم دسترة المجلس الأعلى للعلماء. رئيس الحكومة : يمكنه اقتراح حل البرلمان رئيس الحكومة في الدستور المقبل، بالإضافة إلى تطويره إلى حداعتباره مؤسسة داخل الدستور، من خلال دسترة المجلس الحكومي، فالرجل ستكون له صلاحيات واسعة، تصل إلىحد اقتراح حل البرلمان. هذا المقترح وإن كانت عليه انتقادات من طرف بعض الأحزاب السياسية، لما فيه من تناقض في حال تم تفعيله فرئيس الحكومة لا يقود الحكومة إلا بعد حصوله على تأييد أغلبية مجلس النواب. طرح في عدد من مذكرات الأحزاب السياسية حول الدستور الجديد، تحديد آجال دستورية لرئيس الحكومة في تشكيل أغلبيته، أو إمكانية تعيين الوزير الأول من التكتل الحزبي الذي حصل على المرتبة الأولى، هذه المقترحات لم تأخذ بها اللجنة الخاة لمراجعة الدستور، فرئيس الحكومة يعين من قبل جلالة الملك من الحزب الأول في انتخابات مجلس النواب، وليس أمامه أي أجال دستورية لتشكيل الأغلبية. قائد الأغلبية سيكون مسؤولا عن اختياراته في تشكيل حكومته، لذلك سيمنحه الدستور حق اقتراح إنهاء مهام واحد أو أكثر من الوزراء، كما أن اقتراحاته على جلالة الملك المتعلقة بتشكيل أعضاء الحكومة ستكون نافذة. البرلمان : الحصانة لأعضائه في الرأي والعمل البرلماني مع الدستور الجديد، سيتم وضع حدود لمفهوم وتمثل الحصانة البرلمانية، فهي مكانة يخولها المشرع الدستوري للبرلماني لأدائه مهامه البرلمانية، والتعبير عن آرائه بكل حرية، دون أن تكون وسيلة لبعض البرلمانيين للإفلات من العقاب في بعض القضايا التي لا علاقة لها بمجال أداء مهمة تمثيل الأمة. إلى جانب ذلك اختصاص البرلمان بمجال التشريع ولوحده، وانتقال صلاحيات البرلمان من تسعة مجالات إلى 40 مجالا، والحرص على استقرار الخريطة البرلمانية من خلال الإقرار في الدستور الجديد بعدم جواز الترحال البرلماني، فالبرلمانيون الراغبون في تغيير أحزابهم، عليهم أولا وانسجاما مع الدستور الجديد التخلي عن صفة البرلمان التي حازوها باسم الأحزاب الراحلين عنها. المجلس الوزاري: مؤسسة للقرار في القضايا الاستراتيجية في الدستور الجديد سيكون هناك تحول في طبيعة اشتغال المجلس الوزاري، فهو من بين المؤسسات التي سيترأسها جلالة الملك، ويمكن أن يفوض رئاستها لرئيس الحكومة، غير أنه سيتولى الحسم في القضايا الاستراتيجية، في مقدمتها مراجعة الدستور، والعفو العام، وإشهار الحرب، وإعلان حالة الطوارئ. داخل هذا المجلس يمكن لرئيس الحكومة أن يمارس اختصاصاته في مجال اقتراح السفراء على جلالة الملك، وداخله سيتم تعيين مسؤولي المؤسسات العمومية الاستراتيجية، فوالي بنك المغرب، أو المدير العام للمكتب الشريف للفوسفاط، لن يقودا هذه المؤسسات إلا إذا حصل على تأشيرة المجلس الوزاري. القضاء: الأحكام باسم جلالة الملك والقانون على قضاة محاكم المملكة أن يودعوا إلى غير رجعة لازمة «باسم جلالة الملك نفتتح الجلسة»، فالدستور الجديد سينص على أن الأحكام القضائية ستصدر باسم جلالة الملك والقانون. أمام المجلس الأعلى للقضاء فسيعوضه المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وتوسيع لتركيبته لتشمل بالإضافة إلى القضاة والقاضيات المنتخبون من طرف زملائهم، أعضاء من مؤسسة الوسيط، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان. المجلس الأعلى كدرجة ثالثة من التقاضي سيتحول إلى محكمة للنقض، فيما سيتحول المجلس الدستوري إلى المحكمة العليا الدستورية وإمكانية المواطنين باللجوء إليها مع توسيع تمثيلية النساء داخل هذه الهيئات القضائية. القضية اللغوية: مجلس وطني للغات والثقافة المغربية الدستور المقبل سيضع مقدمة نحو مأسسة اللغات بالمغرب، من خلال إحداثه للمجلس الوطني للغات الوطنية، والثقافة المغربية، داخل هذا المجلس سيتم الاهتمام بكل اللهجات المغربية خاصة الدارجة، هذا إلى جانب التنصيص على أن اللغة العربية والأمازيغية لغتان رسميتان، وفي انتظار صدور القانون التنظيمي المنظم للاعتراف الدستوري بالأمازيغية كلغة رسمية. الإعدام : غير موجود في الدستور الدستور الجديد لم ينص على دسترة حذف عقوبة الإعدام، في المقابل نص علي الحق في الحياة. وفي مقابل ذلك فسرت اللجنة الخاصة لمراجعة الدستور، ماورد في الخطاب الملكي ليوم التاسع من وجوب دسترة «التوصيات الوجيهة» لهيئة الإنصاف والمصالحة، بأن التوصيات الوجيهة تعني كل التوصيات، لذلك ضمنت في مقترحها المقدم إلى جلالة الملك دسترة كل توصيات الهيئة، والتي من بينها حذف عقوبة الإعدام، في نظر مصدرنا إن هذا الأمر إذا تم استثماره إلى جانب عدم تطبيق المغرب لهذه العقوبة، من خلال النقاش في المستقبل، فالوثيقة الدستورية قد تكون منطلقا أساسيا للدفع في حذف هذه العقوبة، وحتى إذا كان التوافق يقتضي الإبقاء عليها ففي بعض الجرائم فقط. الرجال والنساء : المناصفة حققت النساء مكسب إدماج مقاربة النوع الاجتماعي في الدستور المغربي،لكن لجنة مراجعة الدستور، تقترح أن لا يكون ذلك متعارضا مع مبادئ المساواة الأخرى المنصوص عليها داخل الدستور نفسه بين الرجال والنساء في تحمل المسؤوليات والتمتع بالحريات.لهذا سيكون المجلس الوطني للمناصفة المضمن داخل الدستور الجديد فضاء لتبادل النقاش حول ذلك.