عمليات ذبح، قلي للأطراف البشرية في الزيت.. سلخ الجلد عن العظم، أو وتحويل اللحم إلى «كفتة».. تقطيع جثة الضحية ورمي أشلائها في الخلاء.. أو حرقها ونثر رمادها في الآبار ودفن الجمجمة والعظام.. عمليات إجرامية محملة برائحة الموت الثقيل. عمليات تنتهي بحوادث مؤلمة، لتعرف بعدها الجثت طريقها نحو مختبرات الطب الشرعي من أجل فك طلاسم ملابسات جريمة اجتهد الجاني بكل ما أوتي من مكر إجرامي في إخفاء معالمها أو تشويهها. خبرات إجرامية تفتح الباب أمام وقائع محيرة، تفرض نفسها بفصولها التشويقية والمأساوية، على محققي الأمن والقضاة أطرافها مجرمون وضحايا. استل من جيبه سكينا من النوع الكبير، أمسك قبضته الحديدية ووضعها على عنق غريمه وهو منهمك في الحديث مع رفيقه، في رمش عين وبجرة واحدة من شفرة السكين الحاد ومن شخص تعود على استعمال هذا السلاح، سقط الضحية أرضا مدرجا في دمائه، ليهرب القاتل، و يجر ورائه عشرات الباعة ومعارف الضحايا الذين تطوعوا للحاق به لإيقافه، فيما صعق البعض وهم يرون صديقهم الخمسيني مضرجا في دمه بعدما تعرض للذبح. المكان: مدينة وجدة، الزمن: الساعة الثانية زوالا من الثلاثاء 12 أكتوبر الماضي، كان أحد بائع في الخمسينات من العمر، يجلس أمام «فراشته»، وسط المدينة على مقربة من سوق مليلية الشهير، بالمكان المعروف لدى سكان وجدة ب «الجوطية»، بعدما عاد توا رفقة أحد أصدقائه من مهمة تجارية خارج فضاء السوق ، في اتجاه المكان الذي كان يعرض فيه بضاعته التي كانت عبارة عن حواسيب مستعملة وقطع غيارها، هناك كان ينتظره ابنه الطالب بجامعة محمد الأول بوجدة، الأخير دأب على مساعدة والده في تجارته في أوقات فراغة، ليكون له عضدا في مهمة إعالة الأسرة المتكونة من 7 أفراد، لهم متطلباتهم ومصروفاتهم التي لا تنتهي. كان البائع الخمسيني، منهمكا في الحديث مع رفيقه لا يلوى على شيء، قبل أن يباغته «التونسي»، من ذوي السوابق العدلية المعروفين بخطورتهم وسط «الجوطية»، استل سكينا كبيرا من جيبه، أمسك قبضته الحديدية، ووضعا على عنق الضحية الخمسيني، ليجرها بسرعة فائقة، سقط الضحية غارقا في دمائه على إثرها، ليطلق ساقيه للريح، وهو يخترق زحام «الجوطية» هربا من مسرح الجريمة، بسرعة البرق، لحق به بعض التجار والمارة من الشباب والشياب لإيقافه، لكنه نجح في الإفلات من قبضتهم والهرب من بين أيدهم، قبل أن يقع في أيدي الأمن بعد دقائق معدودات، في جريمة قتل ارتكبت وسط الشارع العام بطريقة بشعة وفي واضحة النهار وأمام الملأ، والتي كانت مسرحها«الجوطية»، المحور التجاري المهم وسط المدينة يستقطب شرائح واسعة من الساكنة طيلة الأسبوع باستثناء يوم الجمعة الذي جعله التجار يوما للراحة للابتعاد عن جو وصخب السوق. دوافع الجريمة، ظلت غامضة إلى أن أماط عنها التحقيق مع الجاني، هذا الأخير والضحية، اختلفا قبل سنوات حول الأسبقية في امتلاك المساحة التي يعرضان فيها البضاعة، الجاني الملقب في «الجوطية» ب«التونسي» اعتدى على الهالك وقت سابق خلال سنة 2009، وجه له طعنة بواسطة السلاح الأبيض على مستوى البطن، جرت وراء القضبان، شهرين حبسا بالسجن المحلي بوجدة، قبل أن يستفيد من تخفيف بخصوص العقوبة المدان بها من طرف القضاء، حينما استطاع أن ينتزع تنازلا من الضحية الخمسيني، وتعود الأمور إلى سابق عهدها، لكن «التونسي» كان يكن لغريمة في «الفراشة» الحقد والضغينة، بعدما رآه سببا في انقطاع رزقه، وعدم استفادته منها، هذا الحقد والضغينة، سرعان ما تحول إلى جريمة قتل ترجمتها مدية «التونسي» الكبيرة التي تحوزها لتنفيذ جريمته في حق غريمه الخمسيني. أجواء من الحزن والألم خيمت على منزل الضحية، أفواج بشرية من العائلة وأقارب الضحية، وزملائه من التجار، وبعض الشهود الذين حضروا الجريمة، كلهم حضروا لتقديم العزاء للعائلة ورجلها الجديد، الإبن البكر للضحية. أيات بينات من القرآن الكريم يتلوها فقهاء، يصل صداها إلى بعض من شباب الحي، هؤلاء فضلوا الابتعاد عن الزقاق في مكان مظلم للكلام بصوت خافت واسترجاع تفاصيل الجريمة التي أودت بحياة راح جارهم، اختلفت الروايات ولكن المعطى واحد: معيل ورب أسرة فارق الحياة غدرا وذبحا. أبناء الضحية كانوا مصدومين، وتجرعوا مرارة الفقدان، بعضهم كان يتقبل التعازي، ويحبس الدمع من مقلتيه، غير مصدق بعد أنه رزء في والده. رب الأسرة الجديد الابن البكر، لم يستطع منع مقلتيه من ذرف الدموع، وأطلق لها العنان، بعدما انزوى في مكان لوحده يندب حظه ندما لكونه لم تتح له الفرصة للذوذ عن والده من مدية «التونسي». كان يسترجع شريط الحادث أمامه عينه، سيما أنه كان شاهدا في اللحظة التي كان فيها والده يحتضر، وبين ذراعيه في السوق والدماء تنزف من عنقه، وهو يرى والده ورفيق دربه في التجارة يصارع الموت من أثر ضربة السكين، إلى أن أسلم روحه إلى بارئها، وهو يعرف الجاني كبير المعرفة، الذي حوله بجرة سكين إلى يتيم رفقة أشقائه. زوجة الضحية، يوم الجنازة كانت مستسلمة للبكاء والنواح، تتذكر اللحظة التي نزل عليها خبر مقتل شريك حياتها، كالصاعقة، كانت حينئذ بالمطبخ، منهكمة لإعداد وجبة الإفطار لزوجها الذي كان صائما يوم مقتله، صور أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها أليمة، عاشتها أسرة الضحية، التي لم تكن لا تتصور ولا تنتظر أن ينحر والدهم، ويضيع منهم بسبب «فراشة»… أنس بن الضيف