خصصت نهاد بنعيكيدة إحدى حلقات برنامجها التلفزيوني «قصة الناس» الذي تبثه قناة «ميدي 1» يوميا باستثناء نهاية الأسبوع، لموضوع خاص تعلق بنماذج لفنانين مغاربة تذوقوا مرارة الإهمال وتجرعوا علقم النسيان من خلال استضافة كل من سلوى الجوهري ومحمد خدي والفكاهي السفاج، إلى جانب حفيظ الخطيب باعتباره صاحب مبادرة إطلاق صفحة عبر موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، للتحسيس بوضعية الفنان المغربي وتسليط الضوء على معاناة فئات عديدة من الفنانين المغاربة والتذكير بصعوبة أوضاعهم الاجتماعية.. طرح قضية معاناة بعض الفنانين المغاربة ضمن برنامج «قصة الناس» مسألة إيجابية، لأنها تهم أساسا فئة لا تنتمي فقط للمجتمع المغربي بل تعتبر فاعلة ومؤثرة فيه من خلال الأدوار التي تقوم بها من داخله، والتي تحفظها الذاكرة الشعبية في الوقت الذي قد تسقط من اعتبارها العديد من الأسماء السياسية والحزبية والاقتصادية.. لهذا، فإن مبادرة نهاد بنعكيدة تستحق التنويه والشكر، الموجه إليها وإلى باقي أفراد طاقم إعداد «قصة الناس» لحلقة مماثلة، اهتمت بتسليط الضوء على وضعيات بعض الفنانين المغاربة الصعبة وتصحيح كل المعلومات المغلوطة العالقة بأذهان الجماهير المغربية التي قد تعتقد أن كل فنانيها ينعمون في الترف والجاه والبذخ، وأنهم في منأى تام عن كل مظاهر قلة الحيلة وضيق الحال الذي تصل إلى وضعيات مزرية وتسول مقنع في العديد من الأحايين.. فيما أن حقيقة الأمر، هي أن الحديث عن الوضعيات الاجتماعية للفنانين المغاربة يعني أننا أمام مفارقة يوضع بموجبها فنانون في خانة الأثرياء وأصحاب المشاريع العقارية والتجارية والاقتصادية، في الوقت الذي يصنف آخرون في خانة الفقراء المعوزين..وهو ما يطرح العديد من التساؤلات التي تهم كيفية تفسير أن يعيش فنان أو فنانة مغربية في ظروف مادية مريحة تؤهله للعيش بترف وكفاف عن الناس، بل تمكنه من إيفاد أبنائه إلى الخارج للتكوين المعرفي والدراسة العليا والاستثمار في مجالات تجاربة مختلفة.. وكيف توجد حالات فنانين آخرين يعيشون في وضعيات مزرية، يعجزون معها عن أداء مستلزمات الحياة ومتطلباتها اليومية على غرار واجبات الكراء وفواتير الماء والكهرباء والتطبيب وغيرها من الاحتياجات الأساسية.. ولتجنب الحديث عن الفنانين الذين استضافتهم نهاد بنعكيدة ضمن «قصة الناس» بشكل خاص، فإنه لا بد من الإشارة – وربما في محاولة للجواب على سبب المفارقة الكبيرة المتعلقة بتباين وضعية الفنانين المغاربة- أن العديد من الفنانين الذين يعيشون حاليا المعاناة وظروف الحياة الصعبة، عاشوا سابقا سنوات المجد الفني والشهرة الواسعة وحققوا بالتالي مكاسب مالية محترمة، على نحو آخرين جايلوهم، لكن الفارق بين هؤلاء وأولئك يتمثل في أن بعضهم وضع في الحسبان أن دوام الحال هو من المحال وأنه لو دامت لغيره لما وصلت إليه وأن الزمن قد يدور لغير صالحه، في الوقت الذي اعتقد فيه آخرون أن الزمن لن يكشر أبدا عن أنيابه وأن «الوقت غادية تبقى ديما زينة».. والكلام السابق لا يضع المسؤولية كاملة على الفنان المغربي الذي لم يضع نصب عينه تقلبات الزمن من باب السذاجة وحسن النية، فإنه لا بد من التأكيد على ميزة الممارسة الفنية في المغرب الفوضى والفراغ القانوني وعدم تكافئ الفرص بين مختلف المشتغلين في القطاع، وإسناد الأمور إلى غير أهلها وتجاوزات وخروقات أخرى يحفل بها المشهد الفني الوطني، لا يمكن معها أبدا انتظار مشاهدة الفنان المغربي وهو موضوع في برج عاجي نتخيله فقط هنا في المغرب… إكرام زايد [email protected]