مليار درهم هو الحجم التقريبي للأموال المختلسة في سنة واحدة بسوق الجملة للخضر والفواكه بالدار البيضاء، أي في الفترة المتراوحة ما بين أبريل 2002 ومارس 2003 دون الحديث عن الفترة السابقة ولا اللاحقة، وهي الإختلاسات التي استند عليها قاضي التحقيق لمتابعة 26 متهما أحيلوا على الجنايات بعد وضعهم تحت المراقبة القضائية، في وقت لا يزال البحث فيه جار عن متهمين آخرين في حالة فرار. فوضى وسيبة هي السمة السائدة في سوق الجملة للخضر والفواكه بالدار البيضاء، ذلك ما توصل إليه التحقيق الذي أنجز من طرف الضابطة القضائية وأيضا قاضي التحقيق، وهو الملف الذي أحيل على محكمة الإستئناف بالدار البيضاء ومن المنتظر أن يشرع البث فيه نهاية الشهر الجاري. وحسب مصدر قضائي، فإن التحقيق كشف أن «هناك مربعات بالسوق لا يتم تسجيل بيانات الكشوفات التي ترد عليها، وبالتالي اختلاس مبالغ مالية لفائدة مصلحة الجبايات، وهي المربعات 1 و2 و3و9و12و20، لكن الوكلاء رفضوا أداء المبالغ المالية المستحقة عليهم باستتثناء صاحب المربع رقم 18 ». رغم عدم قانونية تواجدهم في السوق، فإن عملية مقارنة أوراق الكشف المسجلة بدفاتر حسابات الوكلاء مع المعطيات المدمجة في النظام المعلومياتي للسوق تبين وجود 8377 ورقة كشف مسجلة في النظام المعلومياتي وغير مضمنة في سجلات الوكلاء وتهم الفترة المتراوحة ما بين أبريل 2002 ومارس 2003. شهر كامل استمرته عملية جرد جميع أوراق الكشف غير المسجلة، وتم خلالها التوصل إلى تحديد الرسوم التي كان يتعين على وكلاء المربعات تأديتها لفائدة وكالة المدخيل وهي ما يقارب المليار درهم. وهو ما أخبر به وكيل المداخيل رئيس المجموعة الحضرية ومدير السوق بقصد اشعارهم بالإختلاسات المذكورة وإيقاف نشاط الوكلاء بقصد ارغامهم على أداء ما بذمتهم، لكن دون جدوى. قاضي التحقيق حسب المصدر ذاته، اعتبر في قراره «تواجد الوكلاء بالسوق واستمرارهم في امتلاك المربعات بغير القانوني»، ف «الفصل الأول من قرار وزير الداخلية لشهر ماي 1962 بشأن وضع نظام أساسي لوكلاء أسواق الجملة للخضر والفواكه بالجملة وأسواق بيع الأسماك فإن الجماعات الحضرية هي التي تحتكر استغلال تلك الأسواق»، وأن «الفصل الثاني من النظام الداخلي للسوق يحدد الوكلاء أنه يتم تعيينهم عن طريق المبارة لمدة ثلاث سنوات فقط يمكن تمديدها أو تجديديها بقرار لوزير الداخلية أو نائبه». قاضي التحقيق اعتبر أن استنادا لتلك القواني والأنظمة فإن تواجد الوكلاء بالسوق غير قانوني لانتهاء مدة انتدابهم في 30 يونيو 1986 ولم يتم تمديدها أوتجديدها، لذلك قال إن « وجود هؤلاء الوكلاء في سوق الجملة أصبح بدون سند قانوني»، ليس ذلك فحسب بل إنه «خلافا للقانون جرى تحويل صفة الوكيل، كما أنه ضدا عن القانون فإن الوكلاء يستحودون على 75 بالمائة من المربعات الموجودة في السوق في حين أن مقتضيات الظهير الشريف المؤرح في فبراير سنة 1962 يحدد النسبة في 50 بالمائة فقط»، وبسبب الفوضى أيضا فإن صفة الوكيل تستفيد منها ثلاث جمعيات ذات نفع عام دون تحديد من تكون ولا طريقة استفادتها من مداخيل السوق، لكن «قاضي التحقيق لم يتخد أي إجراء لتوجيه الإتهام للجهة الحقيقية المسؤولية عن استمرار تلك الفوضى والسيبة في السوق والتي تقاعست عن اتخاد الإجراء الضرورية لحماية المرفق العام وهي سلطة الوصاية من عمال وولاة وأيضا المسؤولين بوزارة الداخلية أنفسهم بل ورئيس الجماعة الحضرية للدار البيضاء العمدة محمد ساجد». ونظرا للإختلاسات التي توصل إليها التحقيق، تقرر إحالة 26 متهما على الجنايات بعد متابعتهم بجناية المساهمة في اختلاس أموال عمومية موضوعة تحت يده بحكم وظيفته وجناية الإرشاء بالنسبة لرئيس مقاطعة حضرية والمشاركة في الإرشاء لآخرين وتبديد أموال عمومية، وحررت مذكرة بحث في حق اثنين من المتهمين في الملف والمتواجدين في حالة فرارو وسقوط الدعوى العمومية في حق متهمين أيضا بسبب وفاتهم، مع استمرار وضع 22 متهما تحت المراقبة اقضائية وسحب جوازات السفر منهم ومنعهم من ومغادرة التراب الوطني، مع وضع حد لتدبير الوضع تحت المراقبة القضائية لمتهمين اثنين. ملف سوق الجملة الذي أحيل على المحكمة منتصف الشهر الجاري، اقتصر على الإختلاسات التي وقعت بسبع مربعات وفي سنة واحدة فقط، ولم يمتد التحقيق للفترة السابقة أي مباشرة بعد نقل السوق، وإن كان ينتظر أن ينتهي قاضي التحقيق بالغرفة الثالثة نور الدين داحين، تحرياته في ملف ثان على صلة بالأول لدى ومن المنتظر أن يتم فيه تسطير المتابعة في الأسابيع المقبلة بعد الإنتهاء من التحقيق التفصيلي، وينتظر أن يكشف عن الملايير التي يتم اختلاسها في السوق والتي كانت السبب في الإثراء الفاحش لموظفين ومنتخبين بيضاويين لكنها أفقرت الساكنة البيضاوية.