الأزمة التي تولدت في المغرب عن العفو الملكي الذي استفاد منه مجرم إسباني محكوم عليه بثلاثين عاما على مغادرة المغرب،هذه الأزمة كشفت ثلاث حقائق لها ارتباط بمكانة عبد الإله بن كيران كرئيس حكومة في المشهد السياسي وكذلك الدور الذي تضطلع به مختلف جمعيات مجتمع المدني وكذا دور التلفزيون في إخبار أو عدم إخبار المغاربة مما يجري في بلادهم. بالنسبة لرئيس الحكومة عبد الإله بن كيران فقط لاحظ الجميع غيابه عن المشهد السياسي حيث لم يعلق على الحدث ولم يدل بأي تصريح في الموضوع كما لو أن لاعلاقة للحكومة بقضية خطيرة كان من الواجب أن تكون محورا من انشغالات كل الوزراء بهدف تطويق تداعياتها. لهذا أكدت أزمة الوحش الإسباني أن الحكومة الحالية رغم ما قيل عن توسيع صلاحياتها الدستورية بالمقارنة مع سابقاتها...أن هذه الحكومة لا يمكن للمغاربة أن يعتمدوا عليها في مواجهة القضايا الكبيرة أوالصغيرة. أما جمعيات المجتمع المدني فقط كانت الأزمة مناسبة لمعرفة من هي الجمعية التي تعتمد عليها السلطات العمومية لملء الواجهة وعند الحاجة إليها يفضل أصحابها أن يختفوا عن الأنظار اعتقادا منهم أن المخزن يستطيع وحده حل المشاكل والأزمات، بينما هناك جمعيات أخرى ينزل أصحابها إلى الميدان بما في ذلك الخروج إلى الشارع لتغيير المنكر بالتعبير عن المواقف الشجاعة ولو تطلب الأمر التظاهر في الشارع. لهذا ففي غياب الأحزاب السياسية جاء الوقت ليعرف المغاربة ما هو الفرق بين جمعيات المجتمع المدني التي لها وجود فعلي وتأثير حقيقي والجمعيات الأخرى التي تصلح فقط للديكور. أما التلفزيون المغربي فقد فضل الالتزام بمقولة: إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب، ولهذا فطوال أربعة أيام بلياليهالم يكونوا في قسم الأخبار بمحطات التلفزة المغربية على علم بقضية المجرم الإسباني الذي استفاد خطأ من عفو ملكي وهو محكوم عليه بثلاثين سنة سجنا بسبب اغتصابه لأحد عشر من الأطفال القاصرين. كانوا في مختلف محطات التلفزة يعتقدون أن المغاربة لا يصدقون من الأخبار إلا ما تبثه قنوات التلفزة المحلية،ويتصورون أن لا وجود لفضائيات أجنبية وشبكات التواصل الاجتماعي والدور الكبير الذي تضطلع به في مثل هذه المناسبات. وبطبيعة الحال لم يكونوا في التلفزيون على علم بمظاهرة شارع محمد الخامس أمام مقر البرلمان غير بعيد عن زنقة البريهي. وبطبيعة الحال كذلك، لا علم لهم في مختلف محطات التلفزة المغربية بضحايا القمع الذي واجهت به الشرطة هذه المظاهرة السلمية. وفقط تم في الجريدة الرئيسية للتلفزة المغربية بث بلاغ الديوان الملكي مساء السبت 3 غشت حيث علم المغاربة أن ملكهم لم يكن على علم بالصفات الحقيقية للمجرم الإسباني وبأن تحقيقا سيتم فتحه لاستجلاء الحقائق. منذ تلك اللحظة فقط بدأت محطات التلفزة المحلية تهتم بتطورات هذا الحدث الخطير وتقدم بشأنه المزيد من التفاصيل حتى أنه في ليلة الإثنين كانت القناة الأولى ومحطة دوزيم تتسابقان لاستضافة ندوتين في الموضوع مباشرة بعد نشرات الأخبار الرئيسية. والحق يقال كانت الندوتان على جانب كبير من الأهمية حيث تم شرح الظروف والملابسات التي صاحبت استفادة المجرم الإسباني من العفو الملكي. كما أن الندوتين تطرقتا للعمل المطلوب مستقبلا لتلافي الوقوع في مثل هذا الخطأ. وهكذا فلولا بلاغات الديوان الملكي لربما كانت محطات التلفزة المحلية ستستمر في تجاهل حدث خطير هز المجتمع المغربي .