قضت الحركات الاسلاموية أكثر من عقد من الزمن، تبحث عن الطرق الممكنة للوصول إلى السلطة، والاستيلاء عليها، لكنها حين وصلت قدمت كل الممكنات لفشلها. ومرد هذا الفشل إلى غياب مشروع حقيقي تحمله هذه الأحزاب الدينية؛ وليس مؤامرة ضد وصولها إلى السلطة، لأن الإيمان بالديمقراطية يفيد أن السلطة ليست حقا لأحد؛ بل تؤخذ عن طريق الانتخابات لمن هو أهل لها. وقد أبانت هذه الأحزاب الدينية ( الإخوان في مصر، النهضة في تونس، العدالة والتنمية في المغرب ) عن وجود فقر كبير لديها في امتلاك مشاريع إصلاحية، تسعى إلى تغيير ما هو قائم، وحل الاعضالات التي تعيشها مجتمعاتها. لقد ظلت تفكر في كيف تحكم، لكنها لم تفكر في كيف تستديم هذا الحكم، ولذلك حينما أخفقت في كل شي، وقادت بلدانها إلى أزمات سياسة،واقتصادية، واجتماعية، أدت إلى احتقان كبير، تولدت حركات تمرد في خضم هذه الأزمة رافضة لهذا الحكم، ليس لأن الحكم ديني بالأساس، ولكن لنتائج هذا الحكم المفلس سياسيا واجتماعيا واقتصاديا، والذي لا يملك تصورا واضحا للأشياء. والأنكى من ذلك أن هذه الأحزاب الإسلامية لم تمارس فعلا صحيا بأن عالجت أخطاءها، وبحثت عن تجاوز حالة العقم في عملها؛ بل واجهت الحركات التمردية الغاضبة من نتائج حكمها بأشكال العنف، وتجييش أتباعها لممارسة الترهيب على المعارضين لها ( كما الحال في مصر وتونس ) ، وقمع أبان عن عدم تملكها لمفهوم السياسة الذي يختلط عندها بالممارسة الدينية، حيث لا يستطيع الحاكم التمييز بين وظيفة رئيس الدولة وبين رئاسة الحزب التي تقوم أساسا على الولاء للزعيم. إن مشكل هذه الأحزاب، هو غياب رؤية واضحة للأشياء، ولما يجب فعله، ولتخطيط مستقبلي، أو مشروع تحمله. وهو أمر توضح في عمل حزب العدالة والتنمية بالمغرب، الذي لا يستطيع تحديد تصوراته للأشياء: الملكية، الدستور، الاقتصاد، المجتمع. حيث غير كل شيء. فأنت لا تعرف من هو هذا الحزب الذي يحكم، بين المعارضة وبين وصوله إلى السلطة. وهو يفيد أنها ممارسة انتهازية تطغى على عمله، بحيث تقتضي كل مرحلة التلون بلوانها من أجل خدمة مصلحة البقاء قبل خدمة المجتمع. بل الأخطر من ذلك أنه دخل في تناقض صارخ مع ما كان « يدعيه « فترة معارضته، ومع ما صار « يدافع « عنه فترة حكمه. وقد أبان هذا التناقض عن غياب « مشروع إصلاحي « يحمله الحزب، جاء إلى السلطة لكي يطبقه؛ بل دخل في عشوائية كبيرة جعلته بعيد عن يكون حزب سياسي له أجهزته، ومن يخطط له…لأنه لم يستطع أن يدير كل المشاكل والأزمات التي تواجهه، واحتمائه بالمؤسسة الملكية يقيم الدليل عن عجزه، واختلاقه لفكرة التماسيح والعفاريت يبين خوفه من تحمل المسؤولية، وتبرير لفشل واضح في عمله. لا يكفي، إذن، حمل شعار « الإسلام هو الحل» للحكم. فهذه عبارة فارغة من الدلالة. لأن الممارسة السياسية تقتضي بالأساس وجود مشروع يحمل تصورا واضحا للأشياء، وما يجب فعله. والحل لن يكون غير الديمقراطية، والإيمان بمشروع حداثي. والدليل على ذلك أن هذا الشعار لم يجب عن مشاكل الفقر والتنمية والفساد… بل شعار « انتهازي» حُمل لفترة من أجل الوصول إلى السلطة، وظل يردد كلما شعرت هذه الأحزاب بخطر يهددها، آت من عدم نجاعة فعلها، في حين أن في المجتمعات الديمقراطية يصوت الأفراد للمشاريع الواضحة التي تجيب عما يريدون، وليس التصويت عن شعارات فارغة المحتوى.