يظهر أن «جدبة» رئيس الحكومة في «حلقة» المساءلة الشهرية أصبحت طقسا من طقوس الجلسة. فبعدما ظن المتتبعون ل«تمرين» الأربعاء الماضي أن الأمور تسير بشكل جيد، وأن هناك مجلس مستشارين يقوم بعمله المطلوب ورئيس الحكومة يسايره في نفس الإتجاه، عاد «الحال» لبنكيران لينتفض مرة أخرى في وجه الجميع. وإذا كان من حق بنكيران أن يدافع عن نفسه في مجال البوليميك السياسي وبالصورة التي يراها تخدمه وتخدم حزبه،فإن بعض الكلام الذي قاله في جدبته تلك يسترعي بعض الإهتمام. قال رئيس الحكومة بأن الشعب يعرفه ولا يحتاج إلى أن يتكلم، وأن هذا الشعب صوت لصالحه ويحبه، وغيره مما يمكن أن تجود به لحظة «ترمضينة» من أقوال. كلام بنكيران عن معرفة الشعب وحبه له، فيه تعميم كبير وإطلاقية لا تستقيم مع الواقع. صحيح أن حزب رئيس الحكومة تبوأ الصدارة في الإنتخابات،لكن لا طبيعة القانون الإنتخابي ولا تركيبة النظام الحزبي يمكن أن تخول لأحد أن يتحدث باسم الشعب بهذا الشكل المطلق. ينضاف إلى هذا عامل عدد المصوتين في الإنتخابات الأخيرة، من عدد المسجلين أصلا في اللوائح الإنتخابية. إذن فالحديث عن الشعب هنا فيه مبالغة كبيرة. وفرضا أننا تجاوزنا كل هذا وانطلقنا من الإقتراع كتقنية ديموقراطية وسلمنا بأن الأغلبية من الأصوات حصل عليها حزب «العدالة والتنمية»، فهل هذا التصويت لا مقابل له وأن الحب هو لوجه الله؟ طبعا هذا أمر يكون في قصص الحب وليس له مقام في عالم السياسة، حتى يكون عند السيد بنكيران الحكم المطلق بأن الشعب باق على عقيدته الأولى عند انتخابات 25 نونبر . فالتصويت في الإنتخابات مرتبط بتعاقد، وهو تعاقد لا يمكن الجزم بأن السيد بنكيران أوفى به بالشكل المطلوب. فالمغاربة لا يذكرون لرئيس الحكومة من إنجاز سوى الزيادة في الأسعار، ولاشئ آخر غير ذلك، مع أن الحكومة قاربت السنة الثانية من عمرها وبالتالي فالواقع يفيد بأن حزب «العدالة والتنمية» لم يقدم أية قيمة مضافة للتدبير الحكومي كما يعرفه الناس في المغرب منذ سنين. فنفس السياسة الإقتصادية متواصلة، ونفس الواقع اليومي يعانيه الناس في الإدارة وفي المرافق العمومية والخاصة. ومناخ الإستثمار يضيع في طقوس البوليميك السياسي كل فصل. والبطالة ما تزال ضاربة الأطناب وكل مظاهر الفساد مازالت مستشرية، والمواطنون يتجرعون المرارة والحسرة و«الحكرة». فهل هذا هو الشعب الذي يقول بنكيران بأنه يعرفه ويحبه ؟ وهل هذا هو الشعب الذي يركب بنكيران الغرور به لأنه صوت على حزبه ذات انتخابات؟ وهل الكلام و«الجدبة» تشغل العاطل أو تأوي المحتاج أو ترفع النمو أو تزيل «الحكرة» عن الناس؟ نعم، للرد على الخصوم السياسيين منطقه، لكن الحديث مع المواطنين يتطلب تجنب الإستبلاد.