اعتقال «فريفرة» من طرف الفرقة الوطنية للشرطة القضائية، يعيد للواجهة موضوع الفارين والمبحوث عنهم، المنتشرين بمدن الشمال المغربي وحياتهم الشبه العادية، دون مطاردات لا كمائن تذكر من لدن المصالح المختصة محليا وإقليميا. عشرات من الأسماء منهم الكبيرة والصغيرة من المبحوث عنهم في قضايا مختلفة، غالبيتها مرتبطة بتهريب المخدرات بمختلف أنواعها والاتجار فيها، بل إن جلهم من أبناء المنطقة أصلا ولهم مأوى وشاليهات ومنازل فخمة تأويهم، تنتشر عبر الشواطئ التطوانية والطنجاوية، خاصة بين الفنيدق حتى كاب سبارتيل بطنجة، وهي منطقة لها خصوصيتها المجاورة للبوغاز المفتوح الذي يسمح له بوضع قدم في اليابسة وأخرى في البحر. كم عدد المبحوث عنهم الكبار في قضايا الاتجار في المخدرات؟ تلك الأسماء الوازنة التي يعرفها الكبير والصغير بالشمال المغربي، منهم من اختار تسليم نفسه مبكرا، ومنهم من اختار الفرار للبلد الجار المضياف لكبار تجار المخدرات، وعدد لا يستهان به اختار أن يبقى ب«البلد» بين الأهل والأحباب، فذلك بالنسبة له أكثر أمانا وأدفأ حضنا من الفرار للخارج. هجرة وعودة سرية عدد من المبحوث عنهم ينتمون للمناطق الشمالية. قلة قليلة يوجدون ظاهريا بالديار الإسبانية، خاصة بمنطقة «كوسطا دي صول»، لكن هذا لا يمنع من ولوجهم بشكل متقطع إلى التراب المغربي، بطرقهم ووسائلهم الخاصة. يعبرون البوغاز في يخوت وقوارب، تربط بين الضفتين دون عناء ولا مشاكل تذكر. وفي ذلك تأكيدات وحجج كثيرة لبعض الأسماء البارزة التي تصل إلى موانئ معروفة بالمنطقة، حيث يملكون منازل وشاليهات، كحال مرينا أسمير وقصر الرمال وغيرهما على مستوى الشاطئ التطواني، وكلاهما يضمان شاليهات لأسماء معروفة، كالشعايري و«دوناطوس». منذ بضعة أسابيع شاع خبر تمكن الشعايري من الفرار من قبضة الأمن، خلال ترصد به بميناء مرينا أسمير، حيث كان يقيم في أحد الشاليهات التي اعتاد التواجد بها. الفرار سمة معتادة أصبح العمل بها جاريا، حتى أن المتتبعين لهاته القضية يعرفون مسبقا أنه كلما حل أو وجود المعني بالمنطقة، إلا وسمع حديث عن فشل محاولة اعتقاله، والتي غالبا ما تتم من طرف المصالح الأمنية للمنطقة، بناء على معلومات تردهم من هنا أو من هناك. في كل مرة كان المتهم يغادر قبل وصول الشرطة لاعتقاله، ما يسمح له بالتجول بسلام بفضل توفره على شبكة من «الأوفياء» الذين يوفرون له معلومات مهمة عن احتمال تعقبه ومطاردته. الفرار سمة أساسية فالمتهم لا يوجد دائما بمرينا أسمير بل بمناطق متفرقة بالفنيدق وضواحيها، وله مجموعة مشاريع يديرها أقاربه المقربون منه جدا، حتى أن العامل السابق للمضيق الفنيدق والي تطوان الحالي، كان يرفض تسليم بعض سكان مجمع سكني يعود للشعايري، وثائق الإقامة والتزود بالماء والكهرباء، حيث يستغرب الطريقة التي تدار بها أموره واستثماراته بالمغرب، من أموال معروف مصدرها لكن بطريقة «تدليسية» عبر بعض أفراد أسرته. وهو أمر يقوم به جل المبحوث عنهم و«التائبين» كما يسميهم البعض. الأخوان «دوناطوس»، كانا معروفين في السوق خلال بداية الألفية الجديدة، لكن انفجار قضية منير الرماش في غشت 2003 عجلت برحيلهم خارج التراب الوطني، حيث تمكنوا بطريقة غير مفهومة من الخروج عبر باب سبتة حينذاك، والتوجه للاستقرار بإسبانيا وبالضبط بماربيا حيث يتوفرون على شاليهات هناك، لكن مستقرهم لم يكن ثابتا بالمدينة الساحلية لكوسطا دي صول. ويحكي البعض عن دخولهم المتكرر للمغرب بطرق مختلفة، إما عبر باب سبتةالمحتلة أو عبر البحر وووجودهم بقصر الرمال، حيث يتوفرون على شاليهات هناك، بل إن أحد الشقيقين كان قد كسر حاجز الأمن بمعبر باب سبتة، بعد شكوك حامت حوله خلال محاولة المغادرة، إذ كاد شرطي بالحاجز أن يوقفه غير أنه اخترق الحاجز ومر سريعا. ويقول بعض المهتمين بالموضوع، إن الشقيقين يديران مجموعة مشاريع لهم بالفنيدق أساسا، عن طريق شقيقهم الأصغر والتي تذر عليهم مداخيل مهمة لتدبير شؤونهم بالمغرب. منافذ ومسالك وسراديب تحسبا لعمليات الفرار لا يخفى على الكثير من أبناء الفنيدق الوجود المستمر لأحد المشتبه بهم في تجارة المخدرات بالمنطقة الذي يتجول باستمرار على متن سياراته الفارهة التي تحمل ترقيمات مختلفة، أحيانا لوحده وأحيانا كثيرة برفقة يده اليمنى المعتقل مؤخرا «فريفرة»، بل إنه حسب رواية الشهود من عين المكان، فقد كان يمر تحت عيون بعض العناصر الأمنية هناك، سواء ممن يعرفونه أو ممن لا يعرفونه، حتى يخيل للجميع أنه غير مبحوث عنه لكثرة تجواله. الشرطة القضائية لتطوان كانت قد وضعته على رأس لائحة المبحوثين لديها وكانت صورته بالأبيض والأسود، دائما موضوعة على مكتب رئيس الشرطة القضائية الولائية السابق، لكن بعد فترة انتقل المسؤول السابق للعمل بالرباط، فيما بقي المتهم المبحوث عنه يتجول ويتحرك بحرية مفضلا البقاء داخل التراب الوطني عكس آخرين ممن هاجروا إلى الضفة الأوربية طلبا للأمان. المناطق النائية هي الأسلم والأسهل بالنسبة للبعض، ومن بين الذين اختاروا دفئ الوطن وحنان الأسرة، «طريحة» وبعده «ستيتو» المعروفان بمنطقة باب برد، هذا الأخير المستعصي اعتقاله على الشرطة والدرك، فمحاولات توقيفه تكررت عشرات المرات، لكنه في كل مرة ينجح في الفرار. المنازل التي يشيدونها على شكل قصور ينجزون لها مسالك تؤدي إلى منافذ يعلمونها جيدا وتسهل لهم كل عملية فرار. وكانت مصالح الدرك قد قامت السنة المنصرمة بواحدة من أشهر حملاتها مكنت من اعتقال أحد كبار المطلوبين، كما اعتقلت وأوقفت دركيين ثبت تواطؤهم مع أحدهم أيضا بمنطقة الجبهة. وتحتضن منطقة باب برد وعدد من مناطق الريف الغربي بعض المبحوث عنهم والمطلوبين للعدالة، ممن يتحصنون في «قلاعهم» الحصينة، المتمثلة في فيلات خاصة شيدوها خصيصا لهذا الغرض، حيث تم اختيار الأماكن المناسبة لهذا الغرض، بين الأشجار وفي قمم الجبال، فيلات أقرب ما تكون للقصور، تتوفر على كل الاحتياجات بل وحتى على منافذ وسراديب تسهل فرار من فيها أو اختبائهم فلا يستطيع أحد العثور عليهم... تتوفر كل فيلا فخمة من قصور المتهمين على حرس خاص يحيط بها من كل جانب، حيث ينشر أصحابها خلال إقامتهم بها، مجموعة من الحراس يتجولون هناك، ويمنعون أيا كان من الاقتراب أو الوصول إليها، كما أن موقعهم يؤهلهم لمراقبة الطريق ومنافذها، وبالتالي يكونون على علم بما يجري بمحيطها، وإخبار مشغلهم بأي شبهة، خاصة عند وصول عناصر الأمن أو الدرك الملكي. وتؤكد بعض المصادر العليمة، أن اختيار تلك الأماكن لإنشاء تلك القصور ليس فقط للاحتماء والاختباء، بل أيضا لسهولة ممارسة أعمالهم المختلفة، وخاصة منها تهريب المخدرات، حيث يسهل تخزين الكميات الكبيرة، وتسريبها شيئا فشيئا، وذلك لخصوصية ذلك البناء المتميز، حيث المستودعات والمخابئ، والممرات السرية التي تمكن من استخراج الكميات المرغوب فيها والاحتفاظ بالأخرى. غالبية تلك الفيلات، تستعمل الطريق المؤدية لها، كمهابط للطائرات الخفيفة، والتي تهرب المخدرات في اتجاه أوربا، كما أن هناك من استعمل تلك الطائرات للفرار للخارج، خلال مراحل يشتد البحث فيها عنهم، أو يكون من الصعب عليه السفر للخارج بالطرق التي عهدها، خاصة عبر باب سبتة، ومن تم يلجأ لاستعمال تلك الطائرات الخفيفة، كحالة بلحاج الذي كان متابعا في جريمة قتل، فاختار الفرار عبر طائرة خفيفة، وهو نفس الأسلوب الذي انتهجه غيره .. اعتقالات مفاجئة لمتهمين آمنين خلال الحملة الأمنية الأخيرة بالفنيدق، كان لابد للفرقة الوطنية للشرطة القضائية أن تدخل على الخط لاعتقال أحد المطلوبين، وهو الملقب ب«ولد الباتول» وأحد المبحوث عنهم المعروفين بالمنطقة، والذي سقط سريعا بداية ماي المنصرم. يقول بعض المقربين منه: «دارو فيه خير ملي شبروه»، فهو نفسه كان في عدة مرات يكاد يسلم نفسه للشرطة، لكونه كان يخسر على تستره وفراره الكثير من المال، فقد كان يوجد بمنطقة قروية سهل الوصول إليه، ولذلك كان على وشك الإفلاس الكلي، فقد كان ثمن تخفيه وفراره كبيرا جدا. اعتقل «ولد الباتول» لتتوج الحملة الأمنية بالفنيدق وتنتهي في تلك الحدود، لكن الفرقة الوطنية حققت مع المعني واستمعت لأقواله، ولحد الساعة لا تتوفر أية معطيات عن التحقيق أو عن ظروف اختبائه طوال هذه المدة، في وقت كانت الضربة القوية التي قصمت ظهر البعير، هي اعتقال «فريفرة» اليد اليمنى ل «الليموني» الذي بقي في منأى عن أية متابعة أو ترصد لسنوات، قبل أن يسقط في يد الفرقة الوطنية للشرطة القضائية التي لم تمهله، وتعمدت العمل بسرية تامة في هذا الملف المتشعب. يتذكر الكثيرون كيف وقع كبار المهربين، وحتى ممن كانت لهم «شعبية» خاصة بمحيطهم، كحال «الطاحونة» الذي أوقفته الفرقة الوطنية للشرطة القضائية بتنسيق مع «ديستي» بأحد المنازل بطنجة، فيما أشهرهم الملقب ب«الشريف بين الويدان» الذي تم توقيفه بمقهى معروفة بالقصر الصغير وهو يفطر ذات صباح ربيعي. الرجل كان يقيم بشاليه الخاص غير البعيد عن المقهى، مر عبر حواجز الدرك هناك وأمام أعين أعوان السلطة، قبل أن يصل إلى مقهاه الاعتيادي حيث يأخذ فطوره صباحا، لكن قبل أن يأتي النادل لأخذ طلباته، كان رجال شرطة بزي مدني يقفون على رأسه ويطالبونه بمرافقتهم، ليتبين أنهم عناصر الديستي الذين اعتقلوه وسلموه للفرقة الوطنية، في غفلة تامة وكما العادة عن المصالح الأمنية المحلية. الشريف كان يتمتع بتعاطف العديد من سكان منطقته هناك وكانوا يحموه بأنفسهم لأنه كان يقدم لهم المساعدة والدعم، وكانت له مكانة متميزة لدى أهالي منطقته وهو ما جعلهم يحمونه ويعيقون اعتقاله عدة مرات. «بيلوكا» اسم بارز كالشمس والقمر بتطوان، استمر فراره سنوات طوال قبل أن توقفه عناصر «الديستي» ذات صيف بمرتيل، بل بمقهى تابع له على طريق المضيق، حينما كان يجالس محاسبه لمراجعة بعض الحسابات وتدقيقها. لم يكن يعبأ كثيرا لما يحدث بجانبه بل كان مطمئنا بشكل كبير، كما أنه كان يتنكر بوضع «باروكة» وهي التي جعلته يلقب ب«بيلوكا»، قبل أن توقفه أيضا عناصر الفرقة الوطنية للشرطة القضائية هو ومحاسبه الذي تم إخلاء سبيله فيما بعد لأسباب غير معروفة.