لعلها الصدفة التي جعلت سلفيين اثنين يعبران في يوم واحد عبر حوارات صحفية، عن رأي كل واحد منهما في الحوار بين «الإسلاميين» و«العلمانيين». دعا أبو حفص الذي اختار خوض غمار العمل السياسي، إلى حوار بين الإسلاميين والعلمانيين من أجل وضع «ميثاق للعيش المشترك الذي يمنع كل تشنج وتوتر». أما الحدوشي الذي يرفض العمل السياسي، فلا يعارض مبدئيا هذا الحوار، لكنه يضع له شروطا تكاد تكون تعجيزية حين يربطه بما سماه «الضوابط الشرعية». يظهر الخلاف بين الرجلين جليا. إذا كان الإحساس بوجود نوع من المرونة ملموسا في كلام أبي حفص، فالواضح أن التبرم والتطرف يطبعان موقف الحدوشي. لكن مجرد التعبير عن قبول الحوار (إذا كان ذلك صادرا عن حسن نية) تقدم يستحق التسجيل والأخذ بعين الإعتبار. لماذا؟ لأنه بداية اعتراف هؤلاء بأن العلمانية (أو اللائكية) ليست كفرا، ولا إلحادا، ولا عداء للدين. ما يجهله، أو يتجاهله، الإسلاميون أن كثيرا من العلمانيين يمارسون دينهم (كانوا مسلمين أو غير مسلمين) باقتناع وصدق، يؤدون فرائضه بانتظام، دون تباه أو تبجح. الفرق بينهم وبين الاسلاميين أن العلمانيين لا يخلطون بين الدين والسياسة. الدين يوحد المؤمنين، والسياسة تفرق بين الناس. الدين يحكم علاقة الإنسان بالله سبحانه وتعالى. السياسة تعنى بالشؤون الدنيوية، وتترجم في رؤى وبرامج يختلف بعضها عن بعض، وتتصارع فيما بينها. الإسلاميون ينصبون أنفسهم أوصياء على الدين، وأوصياء على المؤمنين. يمارسون أبويتهم حتى في القضايا السياسية، مع العلم أن إمارة المؤمنين وحدها تملك شرعية الجمع بين الدين والسياسة. ما بينته مختلف التجارب، أن الإسلاميين يسخرون الدين في معاركهم للوصول إلى السلطة، ثم يسخرون السلطة لفرض هيمنتهم على المجتمع. إنهم لا يؤمنون، إيمانا صادقا، بالديمقراطية. لا يعترفون بها إلا عندما يقتنعون بأن العنف لن يحقق لهم أهدافهم. وحتى في هذه الحالة، لا يأخذون منها سوى الجانب الانتخابي عندما يحسون أنه في صالحهم. وعندما يملكون زمام السلطة، يغتالون الديمقراطية. نعم للحوار. لكن هل نثق، ثقة مطلقة، في الدعوات المناديةبه؟ للأسف من الصعب التأكد من صدقيتها، ومصداقيتها ونزاهتها، لسبب بسيط، هو أنه لا وجود لنموذج في العالم الإسلامي يبرهن على تحول الاسلاميين إلى ديمقراطيين حقيقيين.