رأينا سابقاً محطتين في عداء المسلمين للغرب: محطة الحروب الصليبية ومحطة الاستعمار الغربي في موجته الأولى، المحطة الثالثة في عداء المسلمين للغرب هي الاستعمار الغربي في موجته الثانية اليوم. الغرب الغازي يحاول اليوم الإجهاز على ما تبقى من مقومات الهوية الحضارية عند المسلمين. في كتابه (1999 - نصر بلا حرب) قال نيكسون: +يجب على روسيا وأميركا أن تعقدا تعاوناً حاسماً لضرب الأصولية الإسلامية؛. توهمت الأمة العربية والإسلامية أنها بعد تمكنها من طرد المستعمر الغربي من بلادها في منتصف القرن الماضي أن المستعمر الغربي لن يعود مرة ثانية. لكن الغرب يفاجئها بغزوة استعمارية ثانية تحت شعار العولمة. غزوة تريد تفكيك المفكك وتجزيء المجزأ، وتجهز على ما تبقى من أركان الهوية الإسلامية، وما تبقى من أدوات إنتاجها الحضاري الخمس وهي الرسالة أو عقيدة الإسلام. بعد أن أجهزت على الحكومة الإسلامية ووحدة الأمة والوطن ووظائف اللسان. فبعد أن نجح الغزو في إبعاد الإسلام كشريعة من قلب الدولة وأجهزتها في الغزوة الأولى يريد الغزاة اليوم إبعاد الإسلام كعقيدة من قلب وعقل المسلم. والعملية تجري اليوم تحت شعار مزيد من العلمنة للمقررات التربوية في بلاد المسلمين ومزيد من العلمنة للحقل الثقافي، وللمنظومة الحقوقية والقانونية المؤطرة للمجتمع المسلم، ومنظومة القيم. وتحت شعار مزيد من الحريات الفردية المتسيبة في ممارسة الشهوات والملذات التي تبغي نشر ثقافة الإباحية والخلاعة الفكرية والسلوكية وسط الشباب والنساء. فالغرب الغازي اليوم لبلاد المسلمين يريد تحقيق هدفين كبيرين، الأول: تعميم قيم الحداثة الغربية باعتبارها في زعمهم قيماً كونية، وما هي بالكونية في الواقع إلا في مساحة محدودة. والأمر الثاني: تهجير صناعة القرار السياسي من الدولة القُطرية إلى مؤسسات أجنبية أهمها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التجارة العالمية والشركات العابرة للقارات ومجلس الأمن الدولي. وهده المؤسسات حوَّلت الدول الغربية من دول استعمارية متنافسة ومتصارعة في الغزوة الأولى إلى دول استعمارية متحدة ضد المستهدف في الغزوة الاستعمارية الثانية الجارية اليوم. إنها غزوة جماعية ضد بلادنا بامتياز. وآليات الغزو اليوم أربع: إما بالسلعة أي الغزو الاقتصادي، وإما بالفكرة أي الغزو الثقافي، وإما بالدبابة أي الغزو العسكري لأفغانستان والعراق والصومال، وإما بالسلطة السياسية عن طريق مجلس الأمن الدولي. باختصار: الغرب الغازي يريد تدمير كل ما تبقى من مقومات للنهضة في المستقبل. وهو مزيد من الإساءة لكرامة المسلمين. وهذا أمر أصبح يدركه المسلم المتعلم والأمي على السواء، من خلال ثورة الإعلام. وهو أمر سيرفع من درجة الحقد والعداء للغرب من طرف المسلمين. بل ويدفعهم للانخراط في مشاريع للمقاومة قد تنتهي بممارسة العنف غير المشروع لا شرعاً ولا قانوناً وهو الإرهاب كما سنرى. إن الغرب الغازي وليس الإنساني يمارس عنفا على المسلمين. فهو يفرض عليهم أحادية النط القيمي والنمط الاستهلاكي والنمط الاقتصادي والنط الاجتماعي. ومع الأسف غير جاد في فرض +النمط السياسي؛، أي النظام السياسي الديمقراطي، بل رفضه في كثير من المحطات في بلاد المسلمين كما حدث في الجزائر وفلسطين. ويرفض بشراسة مواضيع ثلاثة في الإسلام: نظامه السياسي غير العلماني، تطبيق الشريعة، باب الجهاد. فيسهم مباشرة في إغلاق أبواب الحوار الحضاري مع المسلمين. لكن ما السر في ممارسة الغرب للعنف على المسلمين المتعارض تماماً مع التواصل والحوار؟ في نظري أن السر كامن في المرجعية الثقافية والفلسفية التي ينهل منها العقل السياسي الغربي القائد للحضارة اليوم، والتي أسهمت في بناء أركانه العامة. وهي خمسة أركان. بدايةً ننبه إلى كون المسلم المبصر يميز بين عقل غربي غازٍ قائد للحضارة العالمية اليوم، وبين عقل غربي إنساني ليست له القيادة اليوم. وعلاقتنا مع الغرب الإنساني لن تكون إلا علاقة حوار بل +تعارف؛ بالمضمون القرآني للكلمة. فالتعارف من الفرائض الشرعية على المسلم. وفي المقابل فعلاقتنا مع الغرب الغازي لن تكون غير علاقة تدافع وجهاد، باعتبارهما أيضاً من الفرائض الشرعية على أمة الإسلام. إن إدراكك للطبيعة العنيفة للعقل الحضاري الغربي القائد، اتجاه البشرية عموماً واتجاه أمتنا الإسلامية بالخصوص، غير متأتٍ من دون القيام بحفريات معرفية توصلك إلى هيكله الداخلي، فتتعرف على أركان هذا العقل وهي: أولاً: الغاية تبرر الوسيلة، والسياسة لا تخضع للأخلاق. والمنظر لهذه العقيدة السياسية الخطيرة ميكيافلي في كتابه (الأمير) فهو شيخ كل الساسة في العالم، بمن فيهم الساسة العلمانيون اليوم بدار الإسلام. ثانياً: البقاء للأقوى والأصلح. وشيخ هذه العقيدة (داروين). والأصلح في معتقدات الغرب فساد بمنظور عقيدة الإسلام. ثالثاً: المحرك للتاريخ البشري هو الصراع الطبقي التناحري. فالعلاقة بين أطراف الخلق في الطبيعة والمجتمع والتاريخ علاقة عدوان وصراع تناحري لا تعاون وتدافع، وشيخهم في هذا (كارل ماركس). رابعاً: إن الدين والأخلاق والثقافة حقد المستضعفين على الأقوياء، وأغلال تكبل الغريزة التي هي أصل التطور، فعلى البشرية إزالة تلك الأغلال عن طريقها. ومن شيوخهم في صياغة هذه العقيدة اللاآدمية (نتشه وفرويد). إن المشترك بين هذه الأركان العداء للدين والأخلاق، وتقديس الصراع والتناحر وتبجيل القوة وعبادة الشهوة والغريزة. خامساً: إن الغاية من الوجود في فلسفة الغرب وفي عقله المهيمن الحديث هي عبادة الشهوة وتحقيق ملذات الجسد، عكس الغاية من الوجود في عقيدة الإسلام التي هي عبادة الله عز وجل +وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون؛. فكانت النتيجة العملية لهذا العقل المتطرف هو ممارسة العدوان وبكل الوسائل لتحقيق شهوة المال والفرج والبطن والشهوة والسلطة والتحكم في العالم منذ بداية العصر الحديث إلى اليوم. لكن النصيب الأكبر من هذا العدوان كان بدار الإسلام القديمة وحتى اللحظة.