أكدت الأزمة التي تعيشها الأغلبية الحكومية منذ إعلان حزب الاستقلال قرار الانسحاب منها، الصورة التي كانت لصيقة بالطبقة السياسية المغربية: عقم سياسي، فقر في إنتاج أفكار جديدة، وغياب الشجاعة والجرأة السياسيتين. قد يتهم هذا الوصف بالقساوة. لكن كيف نفسر، إذا سلمنا بذلك، الحالة التي تعيشها البلاد منذ أكثر من شهر؟ أغلبية عاجزة عن الحسم في أزمتها متسببة للبلاد في المكوث في حالة انتظار خطيرة على الاقتصاد الوطني في هذا الظرف الصعب، ومعارضة تؤكد، يوما عن يوم، عدم قدرتها على اقتراح بدائل تحظى بالمصداقية، وتعطي الانطباع أنها تتهرب من مواجهة رئيس الحكومة. وبينما تزداد الأوضاع تأزما، انشغل الفرقاء الأساسيون بالتراشق بالاتهامات والتعابير المستقاة من لغة الشارع، وصاروا ينتظرون تدخل جلالة الملك لحل أزمة صنعها من أوكل لهم الدستور الجديد وصناديق الاقتراع، سلطات واسعة لتدبير شؤون البلاد. أعطت الأطراف الأساسية التي تشكل الأغلبية الحكومية عن نفسها صورة الفاعل المتخوف، غير القادر على اتخاذ القرارات الحاسمة، والسير في تنفيذها إلى النهاية. فحزب الاستقلال أعطى الانطباع أنه غير مصمم على مغادرة كراسيه الحكومية، وحاول الزج بالمؤسسة الملكية في صراعه مع رئيس الحكومة، متمنيا، ربما، صدور قرار ملكي ينصره على خصمه، أو يمنحه مبرر الاستمرار في شغل منصبه داخل الأغلبية. أما رئيس الحكومة، فبدا مشلولا وغير قادر على مباشرة المبادرات السياسية الملائمة لحل الأزمة مع حزب الاستقلال. أكثر من ذلك، فقد استبدل هذا العجز بالمجادلات البولميكية مع حميد شباط، وزج هو الآخر بالمؤسسة الملكية في مواجهة حليفه وخصمه في نفس الوقت، عندما صرح أنه يتمتع بالثقة الملكية، ناسيا السلطة التي يمنحها الدستور الجديد للبرلمان في تنصيب ومراقبة الحكومة. عماذا يكشف هذا المشهد السياسي؟ إنه يكشف عن كون الثقافة السياسية السائدة وسط نخبتنا السياسية لا تزال تقليدية ومحافظة، لذلك تبدو غير جريئة في تعاملها مع الدستور، وغير قادرة على الاعتماد على نفسها. ربما كان يجب أن يبدأ تفعيل الدستور الجديد، أولا وقبل كل شيء، في الأذهان والسلوكات قبل أن يتبلور في قوانين. التخوف المشروع، على ضوء كل ما جرى إلى حد الآن، هو أن تفشل طبقتنا السياسية في تفعيل الدستور تفعيلا ديمقراطيا وحداثيا، فتسجنه في قوانين تنظيمية وممارسات سياسية تعود بالبلاد إلى الوراء.