ما تعليقكم على قرار حزب الاستقلال الداعي إلى الانسحاب من الحكومة التي يقودها عبد الإله ابن كيران؟ بداية، لا بد من الإشارة إلى أن هذا القرار الذي اتخذه حزب الاستقلال والقاضي بالانسحاب من الحكومة التي يقودها عبد الإله ابن كيران يبقى قرارا سياديا، لأن من اتخذه هو حر في ذلك، و في أية قرارات أخرى قد يتخذها . إن اهتمامي بهذا الموضوع يأتي أساسا من زاوية الظرفية التي تعيشها بلادنا، وخاصة ظرفية تفعيل الدستور الجديد. وبناء عليه، سأحاول قراءة هذا القرار الذي أعلن عنه حزب يشارك في الحكومة من خلال الملاحظات التالية: الملاحظة الأولى: لا شك أن من حق حزب الاستقلال – ولو أنه ملزم بالتضامن الحكومي-، أن تكون له ملاحظات على التشكيلة الحكومية، وعلى السياسة المتبعة من طرف رئيس الحكومة. هذا الأخير كان عليه أن يقر بمشروعية مطالب الحزب المنادي بالانسحاب.. ولو حدث ذلك، لاستطاع رئيس الحكومة ربما أن يقنعه بضرورة انتظار الظرف الملائم لتلبية مطالبه وتعديل ما يجب تعديله. علما أنه جرت العادة في ظل أعرق الدول الديموقراطية، أن تقوم الحكومات بتعديلات داخل تشكيلاتها؛ إن التعديل الحكومي ليس شيئا رهيبا من شأنه أن يثير كل هذا التشنج وهذا التوتر. الملاحظة الثانية: إن الطريقة التي أراد بها حزب الاستقلال تصريف موقفه، أي من خلال اللجوء إلى التحكيم الملكي، ليست في محلها، لأنه من الأجدر بحزب حميد شباط أن يضع المؤسسة الملكية خارج هذا المشكل الذي ليس سوى مشكلا داخل نفس السلطة التنفيدية وليس بين سلطتين أو ثلاث... بحيث لا يوجد مجال للتحكيم الملكي في هذه القضية المثارة حاليا، بل إن هذا التوجه إلى الملك من شأنه أن يلغي شهورا من المكتسبات الديموقراطية. أتمنى من كل قلبي أن يصحح حزب الاستقلال المسار، وأن يتراجع عن اتباعه لهذه المسطرة تاركا الأمر للحكومة وأغلبيتها دون اللجوء إلى أية سلطة أخرى، لفض مشكل لا يحتاج إلى كل هذا التهويل . لذلك أتمنى من الطرفين معا تغليب منطق التوافق والاهتمام بالقضايا الأهم، ثم التشاور فيما بينهما قصد الوصول إلى الحل الذي يرضي كل طرف وإعفاء بلادنا من التوترات الزائدة التي لا حاجة لها بها. فنحن أمام تحديات ذات بعدين: تحديات اجتماعية واقتصادية وتحديات دولية. وفي هذا السياق أشير، على سبيل المثال، إلى قضية ضمان استمرار السيادة المغربية على الأقاليم الصحرواية التي تستوجب التركيز عليها، بدل الغوص في الخلافات الجزئية البسيطة كتوزيع الحقائب الوزارية أو تفاصيل هذه السياسة أو تلك. هل ما قام به حزب الاستقلال يعود حقا إلى المطالبة بمزيد من الحقائب الوزارية ؟ ليست لي معلومات مضبوطة بخصوص مطالب حزب الاستقلال... وإذا كان هذا الذي تردده الألسن وتكتبه الأقلام صحيحا، فإنه ليس عيبا. من حق أي حزب داخل أي تحالف حكومي أن يطالب بمناصب وزارية أكثر، إذا كان له ما يبرر به ذلك. و من بين ما تناهى إلى مسمعي أيضا أن حزب الاستقلال غير متحمس لإلغاء صندوق المقاصة، وأنه ضد أي إجراء يؤدي إلى ارتفاع الأسعار. هنا أجد نفسي مجبرا على التصريح بأن النقاش حول صندوق المقاصة لم يفتح بعد؛ إنه من الملفات التي يجب أن ينصب حولها النقاش التقني وليس السياسي.. فمنذ أول حكومة تناوب، كان الجميع واعيا بضرورة إصلاح صندوق المقاصة، إن لم يكن إلغائه.. غير أن المشكلة التي ظلت تواجه الجميع تكمن في السؤال التالي: ما البديل؟ هل هو توزيع مقادير من المال على ذوي الدخل المحدود الذين كان من المفروض أن يستفيدوا من صندوق المقاصة؟ أم أن البديل هو توزيع بطاقات للحصول على مواد غذائية من المتاجر الكبرى؟ أو غير ذلك؟. للأسف، ليس في علمي، إلى حد الساعة، أن حزب العدالة والتنمية وحلفاءه في الحكومة يتوفرون على مقترحات ملموسة لإصلاح أو إلغاء هذا الصندوق.. نحن أمام صراع للنوايا أكثر مما نحن أمام صراع حول برامج حكومية مؤسسة على معطيات مضبوطة واجتهادات جدية.. فحتى إحصاء من هم معنيون بالدعم من طرف الدولة، غير متوفر، بل لا يوجد إجماع حوله سواء داخل أو خارج الحكومة. من أجل تجاوز الصراع الهولامي حول النوايا، من الأجدر أن نجعل من موضوع صندوق المقاصة موضوع حوار وطني حقيقي عوض إبداع وافتعال "حوارات وطنية" مكررة، من قبيل الحوار حول العدالة. إن بلادنا تتوفر على طاقات جبارة في الإدارة وخارجها، قادرة على بلورة النقاش الحقيقي والعلمي والتقني حول الملفات التي تحكم الحاضر وتتحكم في المستقبل القريب اجتماعيا واقتصاديا. وبمشاركة هذه الطاقات، يمكننا إيجاد السبل الكفيلة بوضع مصير صندوق المقاصة في السكة الصحيحة. ماهي السيناريوهات الممكنة إذا أصر حزب الاستقلال على الانسحاب من الحكومة ؟ السيناريوهات واضحة جدا، والدستور الجديد يقول بإمكانيتين اثنتين: أولاهما قيام رئيس الحكومة عبد الإله ابن كيران بتشكيل أغلبية حكومية جديدة، تواصل مهام الحكومة الحالية والمشكلة منذ حوالي السنتين. وثانيهما، الذهاب إلى الانتخابات السابقة لأوانها من أجل إبراز خريطة سياسية جديدة. معنى هذا أننا، والحالة هاته، أمام احتمالين لا ثالث لهما. أي سيناريو يرى الأستاذ حرزني هو الأقرب لمعالجة الوضعية التي دخلتها حكومة ابن كيران؟ أخشى من مزاج الأخ عبد الإله ابن كيران أن يفضي به إلى تفضيل السيناريو/الاحتمال الثاني[انتخابات سابقة لأوانها]. بعض الأحزاب عبرت بصراحة عن عدم مشاركتها في حكومة ما بعد قرار انسحاب حزب الاستقلال... في غياب إمكانية تعويض حزب الاستقلال أو أية أحزاب أخرى، سيصبح الذهاب إلى انتخابات سابقة لأوانها أمرا حتميا.. وفي اعتقادي، هذا الخيار سيكون عبثيا.. لماذا؟ لأن مثل هذه الانتخابات ستؤدي إلى نفس الخريطة السياسية التي أفرزتها آخر انتخابات تشريعية ببلادنا، مع بعض التعديلات البسيطة والجزئية ربما. وعلى العموم، فإن انتخابات سابقة لأوانها ستؤدي إلى نفس التقسيم الانتخابي والحزبي الذي ساهم في تشكيل حكومة عبد الإله ابن كيران، وبالتالي فإننا سنجد أنفسنا ندور في حلقة أزمة حكومية لا منتهية. هل لهذه الأسباب فقط، أنت متخوف من انتخابات سابقة لأوانها ؟ شخصيا، لست متخوفا من أي خيار. غير أني أرى، بالنظر للظرفية التي تعيشها بلادنا، وبالنظر للتحديات المحيطة بها، فمن العبث، بل ومن الاستهتار أن نقود المغاربة إلى مثل هذه الانتخابات السابقة لأوانها.. لاحظوا معي كيف أن الأنجدة الانتخابية كانت مكدسة : استفتاء على الدستور؛ انتخابات تشريعية؛ انتخابات جزئية، ناهيك عن الانتخابات الجماعية التي لازالت تنتظرنا. ثمة احتمال ثالث سبق أن تحدثت عنه في كثير من المناسبات، وأذكره من باب الحنين لا غير: إنه احتمال حكومة وطنية موسعة؛ فالمغرب ومنذ الاستقلال كان يحتاج فعلا إلى حكومات وطنية موسعة. غير أن الطبقة السياسية الوطنية تفضل شيئا آخر، ألا و هو تنظيم "التباري الديموقراطي" من حين لآخر بين الأحزاب. ومع ذلك، وفي ظل ماهو قائم، واستنادا إلى المعطيات المتوفرة، فإن أخف الأضرار في هذه الأزمة السياسية، هو محاولة إنقاذ الحكومة الحالية، وذلك بالتخلي عن روح التبارز والتحلي بروح التفاهم والتوافق. ماذا لو حصل حزب الاستقلال على حقائب وزارية جديدة ؟. يجب حسم هذا النقاش قبل أن يتفاقم ويأخذ أحجاما غير متحكم فيها؛ وعلى طرفي النقاش ألا يلجآ إلى سلطة خارج الحكومة لتسوية هذا الخلاف؛ فكل سلطة يجب أن تبقى في حدود المسؤوليات المنوطة بها دستوريا. مفاد هذا الكلام أنه يجب ترك السلطة الملكية تركز على القضايا الاستراتجية والسيادية، وعدم استدراجها لمعالجة أمور ذات أولوية ثانوية. هل نفهم من قرار حزب الاستقلال أنه يسير في اتجاه:إمام تعديل حكومي أو الانسحاب من الحكومة؟ لماذا لا يكون تعديل حكومي؟.. إن رئيس الحكومة مثل سائق حافلة في جبل، أمامه كثير من المنعرجات: الضيقة و الواسعة.. الطويلة والقصيرة… إنه يتمتع بكل الصلاحيات التي تخول له إجراء التعديل إن هو وجده مناسبا للحفاظ على انسجام حكومته. لقد مر المغاربة من أزمات سياسية صعبة للغاية، واستطاعوا في كثير منها أن يحققوا انتصارات عديدة؛المطلوب هو العمل على مواصلة هذا التقليد المغربي بالتفاوض المستمر والتسامح والتوافق و أن نعفي أنفسنا من مشاكل وهمية. أليست هذه القضية من مخلفات المشاورات التي أدت إلى تشكيل الحكومة؟ الشيء الذي أدكى نار التعقيد في تشكيل هذه الحكومة هو أن الذين بدأوا مشاوراتها ليسوا هم من تحمل مسؤولية الحقائب الوزارية، ولهذا فربما هناك اختلاف في طريقة التفاوض، في السقف الذي حدد للمطالب. أنا في اعتقادي أنه مادام أن القيادة الجديدة لحزب الاستقلال هي قيادة شرعية، فيجب تفهمها والتعامل معها بشكل إيجابي. أي تأثير لهذه الأزمة السياسية على الوضع الاقتصادي لبلادنا؟ إذا استمر هذا التوتر داخل هذه الحكومة، فإن ذلك سيمنعها من القيام بما نطالبها به، ألا وهو تفعيل مضامين دستور 2011 ثم اتخاذ القرارات الرئيسية التي ننتظرها منها فيما تمت الإشارة إليه من قبل، من صندوق مقاصة وغيره من القضايا الاقتصادية والاجتماعية. هذه الأزمة سيكون لها أيضا تأثير على الاستثمار الخارجي.. فالمستثمر لا يمكنه أن يقوم بمجهودات استثمارية إن لم تتوفر له ضمانات فيما يخص الاستقرار الحكومي والسلم الاجتماعي. أخيرا، لماذا تنادي وتدافع دائما عن خيار حكومة وطنية موسعة؟ كان المغرب محقا لما منع مبكرا الحزب الوحيد.. أنا مع التعددية، لكن مع تعددية ليست بالضرورة على الشكل الذي نعيشه.. وعندما أنادي بحكومة وحدة وطنية فلأن المغرب مازال يواجه تحديات كبرى ذات طابع وطني وليس فئوي: تحدي الوحدة الترابية، تحدي بناء دولة حديثة، تحديات التنمية… إذا تأملنا وضعية بلادنا تأملا عميقا، سنجد أنها تحتاج فعلا إلى مثل هذه الحكومة وليس إلى تعددية مطلقة أو تعددية على الطريقة المغربية.. وفي ذهني نموذج ما هو قائم بجنوب إفريقيا، حيث إطار الوحدة الوطنية الذي يحكم البلاد، وداخله تيارات تتصارع فيما بينها في ظل الوحدة الوطنية. أحلم لو أن المغرب تبنى هذا النموذج، ولو أن الحركة الوطنية وبعدها حزب الاستقلال لم يصبهما داء الانفصال.. تأمل جيدا ومن أي زاوية شئت، هذا التاريخ، ستجد أن الخلافات الشخصية كانت بمثابة حطب فرن الانفصالات. وماذا جنينا من هذا التاريخ..؟!! إن أسباب قيام حكومة وحدة وطنية مازالت قائمة. ولكن دعنا نترك للسياسيين ما للسياسيين عساهم فقط لا يزيغون أكثر من اللازم عن مصلحة البلاد وعن أولوياتها الحقيقية. حاوره لحسن وريغ