«سألت الوزير ماذا سأقول في كلمتي. أجابني «شكرنا». أتقدم بالشكر الخالص لكل الناس الذين ساهموا في الكتاب الأبيض حول السينما» كان هذا ما استهل به مدير المركز السينمائي المغربي نورالدين الصايل كلمته، وهو يأخذ دوره في إلقاء الكلمات بندوة تقديم خلاصات الكتاب الجمعة الماضية بوزارة الاتصال. ندوة انعدم فيها أي نقاش مع الحاضرين، واقتصر فيها دورهم على «استمعوا لعلكم ترحمون»، مدير المركز السينمائي اعتبر أن الكتاب سواء كان أو لم يكن، لكن أن يكون خيرا من ألا يكون، لا يعدو كونه وقفة تأملية تلجأ لها كبريات الصناعات السينمائية الحقيقية عبر العالم كل خمس أو عشر سنوات كأمريكا وإسبانيا وفرنسا «وفي المغرب بكل وضوح لم تكن لدينا صناعة سينمائية» حسب الصايل، وفي المقابل انتهج خيار التوجه نحو الإنتاج، سياسة أثبتت السنوات أنها كانت جريئة وصائبة «لا كيان، ولا حياة للسينما إذا لم تختر أن تنتج، وأن تقف الدولة وراء إنتاجها» يوضح مدير المركز، وفند طروحات يروجها البعض أن أموالا عمومية تبددها الدولة مجانا عبر الدعم « لا وجود لإنتاج سينمائي دون أن تكون الدولة وراءه وممولته باستثناء الهند وأمريكا هاتوا بلاد أخرى الدولة ليس لها الدور الفاعل» وقدم نموذجا بفرنسا، تنتج ما يناهز 250 فيلما، تتدخل الدولة لفرض إنتاج بعضها على القنوات التلفزية. كوريا تنتج 180 فيلما، ويتحقق من خلال وقوف الدول على الإنتاج السينمائي ما سماه الصايل «الحضور الحقيقي للكيان الوطني للدول». وتبئيره على خيار الإنتاج كخيار صائب سار على منواله المغرب كان مرده كل توصيات الكتاب الأبيض تحوم حول هذا المحور الأساس، إذ لو لم تكن هذه السياسة لما تسنى اليوم أن تتشكل لجنة علمية لتتدارس إشكالات القطاع السينمائي، وتصوغ كتابا أبيض يستشرف آفاق المستقبل. وزير الاتصال مصطفى الخلفي أثنى على عمل اللجنة، وما بذلته من مجهود طيلة تسعة أشهر لبلورة مشروع وطني متكامل، «يعثر فيه الجميع على نفسه، ويشكل منطلقا لبناء سياسة عمومية حقيقية، تؤشر على إطلاق دورة ثانية من الإبداع تستند على الرصيد المتراكم، وتقدم المغرب للعالم بتاريخه وحضارته وكل إشكالاته استطاعت اللجنة أن تربح الرهان رغم طلب تمديد علمها لفترة زمنية أخرى، وبلورت عناصر لسياسة عمومية مطلوبة لصون المكتسبات واستيعاب المستجدات في ظل التطورات التكنولوجية المتسارعة» يقول الخلفي. ولم تكتف اللجنة العلمية بالاشتغال فقط على توصيات اللجن التسع المنعقدة أيام المناظرة الوطنية للسينما شهر أكتوبر الماضي، بل نظمت جلسات استماع طويلة لكل الفاعلين المهنيين والمتحركين في الفلك السينمائي. وأكد رئيسها عبد الله ساعف أن الانطلاق لم يكن من أرض قاحلة، بل ثمن المؤشرات الإيجابية المسجلة بمراحل سابقة من بينها ارتفاع ميزانية الدعم وتعدد أشكاله.بروز الهاجس الكمي بكل قوة. العلاقة الجدلية بين الكم والكيف...إذا كانت المرحلة السابقة مطبوعة بكل هذه المؤشرات الإيجابية لماذا إذا كتاب أبيض؟ يجيب ساعف أن المرحلة باتت مناسبة لانطلاقة جديدة « يجب على مجتمعنا ومؤسساتنا التي تهتم بالسينما أن تتهيأ للمرحل المستقبلية». هل سيشكل هذا الكتاب فعلا إنطلاقة جديدة أو دورة ثانية للسينما بالمغرب؟ التشخيص والحلول صدرت، ويبقى الأهم منها الانخراط في تفعيلها سيما أن الرسالة الملكية الموجهة للمناظرة الوطنية للسينما طالبت الوزراء المعنيين بالتنسيق في ما بينهم لتحويل توصياتها إلى واقع ملموس. « ليست هناك رياح حليفة لمن لا يعرف طريق الميناء» حكمة لفيلسوف لاتيني ارتأى الصايل أن يختتم بها كلمته الارتجالية، شارحا معناها أن سفينة السينما المغربية ستواصل الإبحار في طريقها مهما كانت الرياح لتوطيد الكيان الوطني