خطة «العدالة والتنمية» نحو التغول والاستبداد كشفتها خطاباتهم وخرجاتهم ورسائلهم المتبادلة! يحكى أن لصا قد شغل الناس في قرية صغيرة، حتى باتوا يضمون دجاجهم إلى أحضانهم خوفا من سرقته وهم عنه غافلون. فنادى حكيم القرية في الناس أن يجتمعوا لديه في الساحة الكبيرة. حضر كل سكان القرية من ضحايا لص الدجاج والخائفين على دجاجهم الذي لم يسرق بعد. اعتلى الحكيم كرسيا جعله يشاهد الجمهور الغفير الذي جاء بحثا عن حل لهذا اللص. قال الحكيم بعد أن جال بنظره في السكان إنه بات يعرف هوية اللص وإنه يرى ريش دجاج على رأسه، بسرعة قام شخص بتحسس رأسه لنفض الريش عنه، فأثار انتباه الناس وانفضح أمره. هذا هو نوع الخطاب الذي يروجه حزب العدالة والتنمية، والذي دفع معارضيه ومنتقديه إلى تحسس رؤوسهم خوفا من العثور على ريشة دجاجة عالقة. فالحزب اليوم أسس لنظرية جديدة في السياسة وهي: «إما أن تكون معي أو أن تكون من الفاسدين». والقضية هي أكبر من صدفة بل استراتيجية يقودها العدالة والتنمية للإفلات من الحساب إذا ما قدر الله وفشلت حكومته، والدليل على ذلك هو تقسيمه للأدوار بتنسيق مع قسم الإعلام والعلاقات العامة الذي يترأسه سليمان العمراني نائب ابن بنكيران الذي عرض في آخر لقاء للكتاب المجاليين «خطة» الحزب في تحديد مبررات مسبقة للفشل الحكومي الذي باتوا مقتنعين به، ماداموا لن ينجزوا شيئا أو «القليل» إلى نهاية 2016 حسب قول العمراني. ولعل من أبرز هذه المبررات هي ما سماه ثلاثي «الإجهاض والإرباك والاشغال»، أي قيام التماسيح والعفاريت بمختلف الأدوات ل«إجهاض التجربة وإرباكها وإشغالها»!!! ثم بعد ذلك يستخرج السلاح الفتاك الذي سيتم به مواجهة هذا الثالوث، وهو سلاح الهجوم عوض الدفاع بجعل كل من ينتقد أو يعارض حزب العدالة والتنمية في صفوف المفسدين، وبذلك لن يعارض أي أحد الحزب عندما يحاكم منتقديه أو يشنقه حتى! وهو ما يصفه العمراني بقوله: «انتهت مرحلة اليمين واليسار أو المعارضة والأغلبية، اليوم توجد حالة فرز جديدة، ليس الفرز بين اليمين واليسار أو الأغلبية والمعارضة... الذي يوجد الآن اصطفافات جديدة وفق جبهتين رئيستين: الإصلاح، والأخرى ضده». وتلك بمعنى آخر رسالة إلى من يهمه الأمر مفادها أن تكون معي أو يجرفك الطوفان. لقد ارتبط مصطلح الفاسدين لدى عامة الناس بثالوث ابن كيران: «التماسيح والعفاريت والجن»، وهي الكائنات التي يخاف منها المغاربة دون حتى أن يستطيعوا لمسها أو رؤيتها لأنه باستثناء التماسيح المعروفة بقدرتها «الافتراسية» والمحدد مكانها جغرافيا، فإن العفاريت والجن توجد في كل مكان حسب الذهنية المغربية التي تحتفظ لها بحكايات وأساطير تصف قوتها الخارقة وقدرتها غير المحدودة على الشر. وقد نجح هذا الخطاب بالإضافة إلى تجربة الحكومات السابقة التي لم تستطع محاربة الفساد واستشرى في ظلها في القطاعات الأساسية التي تمس حياة الناس من عدالة وصحة وجماعات، في تلميع صورة الحزب في عيون فئة من المواطنين البسطاء الذين يرون فيه منقذهم من الفقر والتهميش والإقصاء ومحاربة المفسدين، نظرا لأنه يتكلم لغتهم ويشتكي كما يشتكون لكن دون أن يقدم حلولا واقعية، وعندما يسأل عن سبب غياب الحلول يكون الرد هو أن العفاريت لا يريدون الإصلاح!! دون أن يتقدم في ملفات الفساد التي بدأ التحقيق فيها قبل انتخابه لقيادة الحكومة، ودون أن يضع الأسس القوية لبناء إدارات خالية من الفساد، ودون أن يمر إلى الفعل بعد سنتين من الخطاب حول الإصلاح ومثلهما من الكلام حول تفعيل الدستور، استطاع حزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة أن يكسب تعاطف بعض الناس فقط بكلامه السابق حول التماسيح والعفاريت والجن. الخطاب الذي نفذ إلى عقول فئات من المجتمع ورفضته أخرى، مازال حزب العدالة والتنمية مقتنعا بفعاليته، خاصة أنه استطاع أن يشغل منتقديه عن متابعة التدابير المتخذة من طرف الحكومة لتسيير الشأن العام، ودفعهم إلى تحسس رؤوسهم كما حصل مع اللص الذي وقع في فخ حكيم القرية. قوة حزب العدالة والتنمية تتجلى اليوم في كونه استفاد من درسين: الأول يخص الحكومات السابقة، والثاني يخص الاتحاد الاشتراكي. الدرس الأول الذي يحمل عنوان «لغة الخشب»، استفاد الحزب الذي يقود الحكومة اليوم من تآكل هذا الخطاب الذي دفع الناس إلى فقدان الثقة في العمل السياسي، وهو خطاب ظل ينهل من الأسطوانة المشروخة «العام زين»، وكان المسؤولون يأتون إلى التلفزيون ليقولوا لا شيء، ولم يكن المتلقي يخرج من كلامهم بشيء يفيده، ويحس بأن المسؤول صاحب الذي يلقي هذا الكلام بعيد عنه وعن قضاياه. تلقف حزب العدالة والتنمية هذا الأمر فجاء خطابه بلغة دارجة مستوحاة من قاموس المواطن وهو خطاب يلقى دائما بانفعالية تكون مبالغا فيها في بعض الأحيان، ما يعطي الانطباع لدى الناس أنه يتكلم بصدق وبتأثر، ومثل هذا الخطاب يكون نافذا متلاعبا بحماسة المتلقي. الدرس الثاني هو «تبني خطاب المعارضة» (الملاحظ هنا سواء في الدرس الأول أو الثاني أن الحزب يشتغل فقط على مستوى الخطاب). إذ رغم قيادته تحالفا حكوميا مهمته هي تسيير شؤون البلاد ودعم القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، لم يتخل عن خطاب المعارضة ووجه ضد كل من ينتقده وبالتالي أصبح يلعب داخل الرقعة السياسية بقناعين، أحدهما يخفي نقط ضعف الآخر. غير أن قوة الحزب ستتحول إلى «تغول» إذ أن سياسته الحالية هي تغطية على ضعف أعضائه وحكومته وتكريس في نفس الوقت للهروب من المساءلة والمحاسبة، بتعليقه مشجب الفشل على العفاريت والتماسيح. وبلغة الأرقام فقد حصل حزب العدالة والتنمية في انتخابات 25 نونبر 2011 على 107 مقاعد من أصل 395 مقعدا بمجلس النواب وهو ما يعطيه قوة تنظيمية داخل البرلمان من أجل الدفاع عن توجهات الحزب من داخل الأغلبية الحكومية، وبالرغم من ذلك فالحزب لم يستكن إلى لغة الأغلبية بل ظل فريقه يتبادل الأدوار في الهجوم على منتقدي ومعارضي الحزب وأصبحوا لسان المعارضة الجديد من داخل التحالف الحكومي، ما دعم قاعدتهم مستفيدين من الدرس الثاني المذكور في السابق (درس الاتحاد الاشتراكي). لكن، منذ 20 فبراير 2011 انضاف إلى رقعة اللعبة السياسية مكونان آخران هما العدل والإحسان والسلفيون. المكون الأول شكل نواة للحركة في الشارع والثاني استطاع بعد سلسلة العفو على شيوخه أن يستقطب عائلات المدانين في قضايا الإرهاب ويشكل قاعدة اجتماعية تتعاطف مع قضيته بعد أن ارتدى لباس الضحية. كلا المكونين، وإن كانا يختلفان شكليا مع حزب العدالة والتنمية، إلا أنهما جميعا يلتقيان فيما يصطلح عليه بالهدف العام ل«الإسلام السياسي»، وهو القطع في النهاية مع كل القوانين التي تسير بها الحياة والشأن العام في إطار دولة الحق والقانون والدخول في حالة من الفوضى وفقدان الثقة ليبدو الحزب وحلفاؤه في النهاية بمثابة المخلص من الجحيم، وهذا الجانب من الخطة موكول لدعاة «حركة التوحيد والإصلاح» وشيوخ السلفية. الأزمة التي تمر منها الحكومة حاليا، تعتبر الانتخابات التشريعية السابقة لأوانها أحد مخارجها الدستورية. حزب العدالة والتنمية كان دائما -بالرغم من قيادته الحكومة- يعبر عن استعداده للنزول إلى الشارع في إشارة إلى توفره على قاعدة مجتمعية واحتياطي مهم من المتعاطفين الذين باستطاعتهم أن يقلبوا كل الموازين إذا ما فشل الحزب سياسيا، ولعل هذه الفكرة قد كبرت في عقول أطر الحزب وتوسعت بتعبير السلفيين مؤخرا عن استعدادهم للعبة السياسية واندماجهم في حزب النهضة والفضيلة وهي نفس الخطوة التي خطاها «مناضلو» العدالة والتنمية في أول مشوارهم السياسي باندماجهم في حزب عبد الكريم الخطيب الذي عبد لهم الطريق نحو صناديق الاقتراع. هكذا وبعد زوال الاختلاف حول الموقف من السياسة والانتخابات بين البيجيديين والسلفيين، أصبح من الممكن الحديث عن تحالف ممكن في إطار انتخابات سابقة لأوانها، لكن ما هي باقي نقط الالتقاء الأخرى؟ لقد كان سياسيو العدالة والتنمية في كل خرجاتهم يحسبون ألف حساب، لرقابة «حركة التوحيد والإصلاح»، وبدا ذلك في مهاجمة عدد منهم للمهرجانات والحريات الفردية، وبالرغم من الالتفاف حول الموضوع بلغة سياسية محتالة إلا أنهم منذ «القرصة» الأولى لصقور الحركة التي لاموا فيها سياسيي الحزب انخراطهم الكامل في العمل السياسي وابتعادهم عن الاشتغال بالدعوة عادوا مجددا إلى اللعب على الحبلين. ومن بين هذه «القرصات» انتفاضة الحركة في وجه الحزب بعد دعوة هذا الأخير للإسرائيلي عوفير برانشتين للجلسة الافتتاحية للمؤتمر السابع للحزب، الذي اعتبرته اختراقا صهيونيا، ودفعت الحزب إلى الاعتذار عن هذا الخطأ. لقد شكلت مظاهر الحياة التي يحب المغاربة الاحتفال بها وعيشها ببساطتهم المعهودة نقطة تؤرق المتأسلمين والمتطرفين على السواء نظرا لأنها تصرف الناس عن خطابهم المتطرف، لكن بعد أن ولج هؤلاء إلى عالم التكنولوجيا الرقمية وصاروا من أوائل مستخدميها أصبحت مهمة مهاجمة الفنون والجمال والتعليم المختلط وحقوق المرأة وحرية التعبير واللباس والعمل، هينة بعد أن وصلوا إلى شريحة واسعة من الناس وكانت عملية غسل الدماغ هاته مبهرة. التحالف المتأسلم إذا ما نجح في انتخابات سابقة لأوانها سيجعل هذا الهجوم يطال مختلف القطاعات بقوة «القانون»، وسيحول المغرب إلى أفغانستان ثانية. محمد أبويهدة