بجرأة توازي جرأته في تقريره حول السجون وآرائه الموضوعاتية، ومن بينها ذاك الخاص بالمحكمة العسكرية، وجه المجلس الوطني لحقوق الإنسان رسالة قوية لحكومة عبد الإله بن كيران وخاصة ثلاث وزارات بعينها لإنقاذ وضع مأساوي تعاني منه فئة من الطفولة ببلادنا حكم عليها الإيداع في مراكز الحماية. بعيدا عن الجدالات السياسية وبعد تشخيص موضوعي لوضعية تلك الفئة من الطفولة المحتاجة لحماية، دق المجلس جرس الإنذار لمجال ظل بعيدا عن أولويات السياسيين رغم أنه يتعلق بمجالات تظل الدولة المغربية مطالبة باحترام التزاماتها الدولية تجاهه. تقرير المجلس الأخير وضع الحكومة أمام محك ملاءمة المعايير المحددة في الاتفاقية الدولية الخاصة بحقوق الطفل وواقع الأطفال المودعين بمقتضى مقرر قضائي فيها. وكأنما يعطي للحكومة خارطة طريق لمعالجة الوضعية المزرية التي يعيشها أطفال مراكز الحماية، دعا المجلس الحكومة بشكل استعجالي إلى الإسراع بإجراء تقييم للوضعية الحالية للأطفال المودعين في مؤسسات من أجل المبادرة بمراجعة لقرارات القضاء لتمكينهم من الاستفادة من الضمانات التي ينص عليها القانون، وتقييم وضعهم الصحي وتمكينهم من العلاجات اللازمة، والقيام في أسرع وقت، بالأبحاث العائلية المتعلقة قصد تقسيم الأوضاع والروابط العائلية بهدف تمكين القضاة من مراجعة قرارات الإيداع وإعادة إدماجهم في أسرهم، إلى جانب تنظيم مؤتمر وطني حول مراكز حماية الطفولة لوضع سياسة عامة وشاملة ومندمجة يشارك فيها كل الأطراف المنخرطة في مجال حماية الطفل. خلاصة التقرير الأسود الذي قدمه المجلس الوطني لحقوق الإنسان أول أمس الإثنين ،بنى دعوته الحكومة لتبني برنامج استعجالي على النتائج التي توصل إليها بعد بحث ميداني شمل 17 مركزا خلال الفترة الممتدة من 15 إلى 29 نونبر 2012. المجلس قال بصريح العبارة إن ««غياب سياسة شاملة لعدالة الأحداث، وضعف القدرات المؤسساتية، وعدم وضوح الأدوار والمسؤوليات وسبل التنسيق بين مختلف القطاعات، ونقص الموارد البشرية والمالية، تشكل عوامل تعوق الحماية والتكفل المناسبين والمتلائمين مع التشريعات ذات الصلة بحقوق الطفل». التقرير خاطب وزارات بعينها وهي وزارة الشباب والرياضة ووزارة الأسرة والتضامن ووزارة العدل والحريات. فبناء على تشخيص واقع مراكز حماية الطفولة، أوصى المجلس بوضع سياسة وطنية مندمجة لحماية الطفولة، ترتكز على تنفيذ المبادئ العامة لاتفاقية حقوق الطفل ومقتضياتها، وألح على أن تشمل هذه السياسة عدالة ملائمة للأحداث، وبرامج التكفل الشامل وللتتبع سهلة الولوج من لدن الأطفال في تماس مع القانون، سواء كانوا ضحايا أو شهودا أو مرتكبي فعل جرمي أو في وضعية صعبة، وأيضا برامج للدعم الأسري، وأيضا الوقاية، إضافة إلى التدابير البديلة للحرمان من الحرية والإيداع في المؤسسات. وأوصى التقرير بتمكين هذه السياسات العمومية من الموارد البشرية والمادية اللازمة ومن آليات التتبع والتقييم ومن الاعتمادات، وأيضا تعيين واضح وبشكل جلي لهيئة يناط بها تنسيق إعمال وتتبع السياسات الوطنية المندمجة لحماية الأطفال، وتوضيح أدوار ومسؤوليات أهم الوزارات والقطاعات المعنية ولاسيما وزارة العدل والحريات ووزارة الشباب والرياضة ووزارة التضامن والأسرة والمرأة والتنمية الاجتماعية ومؤسسة التعاون الوطني. وعلى مستوى التكوين وتقوية القدرات، أوصي التقرير بضوع استراتيجية للتكوين لفائدة العاملين المتدخلين لدى الأطفال في تماس مع القانون من ضباط شرطة ودرك وقضاة والطاقم التربوي ومديري المراكز والمساعدات الاجتماعيات والباحثات الاجتماعيات والمحامين. وخاطب التقرير وزارة العدل والحريات، وأوصاها بعدم اللجوء إلى الإيداع في المؤسسات والحرمان من الحرية إلا كملاذ أخير، وتفضيل عملية التكفل بالأطفال في وضعية صعبة في الوسط المفتوح على الإيداع في مؤسسة، وإعمال الوسائل المادية والموارد البشرية الضرورية لتأمين التطبيق الفعلي للقوانين والإجراءات القضائية لضمان حق الأطفال في الاستماع إليهم وإخبارهم والحق في المساعدة القانونية المناسبة والحق في الحماية وفي تكفل ملائم ذي جودة، وضمان تتبع وتقييم منهجي لتطبيق القوانين. وأوصى أيضا وزارة الشباب والرياضة بمراجعة شاملة للإطار القضائي والإداري لمراكز حماية الطفولة ووضع معايير مطابقة لتلك المعمول بها فيما يتعلق بحقوق الطفل ووضع نطام مركزي موثوق منهم، من أجل تتبع تطور أوضاع وإعداد الأطفال المودعين في المراكز. ولحماية الأطفال ضد جميع أشكال العنف وسوء المعاملة والتعسف والاستغلال، قال التقرير إنه من اللازم وضع وإعمال آليات للتظلم لفائدة الأطفال تكون مستقلة ويسهل الولوج إليها وميسرة لجميع الأطفال بدون تمييز وتضمن حماية المصلحة الفضلى للأطفال. تأتيس تلك التوصيات بعد أن انتقد التقرير التنفيذ الفعلي للقوانين الجاري بها العمل، وأعاب على الجهات المعنية اللجوء إلى الإيداع والحرمان من الحرية أول إجراء قضائي يتم اتخاذه، وانتقاده لغياب ضمانات لسلامة الأطفال بالمراكز والاكتظاظ بالعديد منها وعدم توفر ظروف العيش في المراكز (الإقامة، التغذية، النظافة) وهو ما فسر به حالات الفرار منها. التقرير قام بتشريح لأسباب إيداع الأطفال في مراكز حماية الطفولة، والتي تستدعي اتخاذ التدابير الوقائية الملائمة، وقال إن الحرمان من المحيط الأسري الحمائي والإدمان على المخدرات وجنوح الأحداث من الأسباب الأساسية للإيداع. ومن أهم تلك الأسباب غياب سياسة دعم أسري وصعوبة الحصول على كفالة وغياب مقتضيات مقننة لأسر الاستقبال، مضيفا أن الأطفال المتعاطين للمخدرات يعاملون كما لو أنهم جانحون ويودعون في مؤسسات غير مؤهلة للتكفل بهم، وأيضا اللجوء إلى إجراء الحرمان من الحرية حتى بالنسبة للأطفال الذين ارتكبوا جنحا بسيطة، وذلك بسبب عدم وجود تدابير بديلة وبرامج وقائية من الانحراف. إعداد: أوسي موح لحسن ******************** نزلاء بحقوق قانونية وصحية وأمنية وغذائية غير كافي «مازال هناك الكثير مما يجب القيام به في ما يخص التكفل ومتابعة الأطفال في دور الحماية بالمغرب» تلك كانت أهم خلاصات تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان الصادر أول أمس الإثنين. في الدورة ال17 المخصصة لرعاية الصغار، كانت الملاحظات شديدة الانتقاد فيما يتعلق بكل محاور الرعاية المتوجب أن تتوفر لنزلاء المراكز. التقرير إذ يدق ناقوس الخطر، يهيب بالجهات المسؤولة بضرورة التدخل السريع فيها، في محاولة لتحسين الظروف الصحية والقانونية والتربوية والأمنية للصغار المقيمين، والتحقيق الفعلي لكل الاتفاقيات التي وقعها المغرب دوليا، التي تعنى برعاية الأطفال. «شروط حياة غير كافية وتفتقد للكثير من الضروريات» … كانت أولى ملاحظات التقرير الوارد في أزيد من 60 صفحة، حول ظروف إقامة النزلاء. فباستثناء مركز عبد الكريم بناني، سجل التقرير أن المراكز ال16 المتبقية تتوفر على عنابر نوم تجمع مابين 20 و 40 سريرا، ما يفتح المجال أمام الجمع بين فئات سنية مختلفة. الأسرة وغطاءاتها لا تستبدل بصورة تسمح بضمان نظافة عادية. في نفس السياق، سجل التقرير أن نزلاء مركز مراكش لا يلجون «الدوش» سوى مرة أو مرتين شهريا، فيما تظل الأدوات المرتبطة بالنظافة البدنية للنزلاء دون المستوى أو خارج الخدمة في باقي المراكز. وضع يفسر استيطان طفيليات كالقمل والسيبان لدى العديد من النزلاء، في ظل توزيع قليل أو شبه منعدم لمنتوجات التنظيف لديهم. وبالرغم من أن وزارة الشباب والرياضة تخصص ميزانية محدودة جدا لإلباس النزلاء، إلا أن الملاحظ هو أن المراكز التي تستقبل ملابس من الجمعيات الخيرية هي التي تقوم بهذه البادرة، ما يرسخ لدى الصغار إحساسا عميقا بالدونية. قياسا على النظافة، سجل التقرير نقائص عديدة في تغذية الأطفال في دور الحماية، بالرغم من أنها تسطر برامج للتغذية تفتقر للكثير من الإمكانيات. حالات بعض المطابخ وصالات الأكل تفتقر لأبسط التجهيزات، وأحيانا يطلب من الصغار تحضير الأكل بأنفسهم، في ظل تعيين موارد بشرية غير مختصة أو ضعيفة التكوين في الطبخ. صحيا، توقف التقرير عند جملة من النقائص أجملها بخلاصة «الحق في الصحة لدى الأطفال النزلاء غير مضمون بصورة كافية». 103 أمراض وإصابات وإعاقات وقفت عليها زيارات المجلس أثناء إعداد التقرير من مجموع 742 نزيلا في كل المراكز، بالإضافة إلى الوقوف على حالات للإدمان على المخدرات وتشويه الجسد بالأسلحة البيضاء. ستة مراكز فقط تتوفر على صالات للعلاج والطبيب المتعاقد لا يزور المرضى إلا في الحالات المستعجلة. لا يستفيد النزلاء من الفحص الطبي عند ولوج المراكز، وغالبا ما يقرر القائمون عليها وفق اجتهادهم الشخصي، إمكانية إحضار الأطباء. وباستثناء مركز عبد السلام بناني الذي يوفر أخصائيا نفسيا متطوعا، فإن نزلاء باقي المراكز لا يستفيدون من أية متابعة نفسية. أمنيا، جاءت أولى الانتقادات بخصوص الجمع العشوائي للأطفال من سن مختلفة داخل كل المراكز التي تمت زيارتها من طرف المجلس، وهو ما يطرح أكثر من علامة استفهام حول مستوى الحماية المرتبط بهذا الجمع خصوصا عند الأطفال ممن تقل أعمارهم عن 12 سنة. قانونيا، نفس السؤال يطرح بالنظر إلى بعد عدد من مراكز الإيواء عن عائلات النزلاء أو عن مناطق توجد بها مؤسسات العدالة، ما يشكل حاجزا أمام تعزيز الروابط الأسرية بين النزلاء وذويهم، وظروف سير المتابعات القضائية. بطء القرارات القضائية وغياب السند القانوني للمتابعين من الأحداث النزلاء، يرغمهم على قضاء مدد زمنية تتجاوز الثلاثة أشهر في مصلحة الملاحظة دون عرضهم على القضاة. «أشعر بالخوف الشديد ليلا. الأطفال الآخرون أقوى مني جسديا ويعاملونني بقسوة» الشهادة لنزيل أدرجت ضمن التقرير للتأشير على الوضع الأمني الصعب داخل بعض المراكز. يتعرض الأطفال لأنواع مختلفة من مظاهر العنف الجسدي أو المعنوي، من طرف المربين أو النزلاء الآخرين الأكثر عنفا والأكبر سنا. الجمع بين الفئات السنية وغياب مظاهر الخصوصية في عنابر النوم، عاملان يساهمان في ترسيخ «اللا أمن» والعنف بين النزلاء. التحرشات الجنسية واقع قائم داخل بعض المراكز و تمت الإشارة إليها بطرق مختلفة من طرف بعض الضحايا. التقرير انتهى بخلاصات عامة انتهت إلى وضع تصور شامل حول النقائص الكبيرة في هذا القطاع. النقص الكبير في الموارد البشرية لا يسمح للنزلاء بتلقي دعم تربوي ملائم، كما أن عدم تفعيل عمليات تتبعهم في الوسط الطبيعي بعد مغادرة المراكز لا يفي بالأغراض المتوخاة في عملية إعادة الإدماج. أغلب المراكز لا تتوفر على المقاييس الدولية في شروط الولوج والأمن وجودة التأطير ورعاية الأطفال النزلاء. هذه المراكز غير مراقبة ولا تخضع لأية متابعة من الجهات المسؤولة. وأمام غياب آليات للاستماع، تظل الانتهاكات الممارسة في حقهم، كالجلد والضرب والتحقير اللفظي بعيدة عن أية مساءلة. ***************************** توصيات مستعجلة ومستدامة للجهات الوصية من المجلس الوطني لحقوق الإنسان انتهت الزيارات الميدانية لمراكز حماية الطفولة التي قام بها المجلس الوطني لحقوق الإنسان إلى أن الأوضاع القائمة فيها غير ملائمة بالمرة، وقد برزت الاختلالات في جميع مراحل مسار عملية الإيداع. التقرير الصادر أول أمس الإثنين خلص إلى عدة توصيات وجهها إلى مختلف المتدخلين في حماية هذه الفئة من النزلاء. توصيات مستعجلة : التوصيات المستعجلة موجهة لوزارتي العدل والحريات والشباب والرياضة. - مراجعة القرارات القضائية كيف ما كان نوعها لتمكين الأطفال من الاستفادة من الضمانات التي ينص عليها القانون. - تقييم الوضع الصحي للأطفال وتمكينهم من العلاجات اللازمة - القيام بالأبحاث العائلية المعلقة بهدف تمكين القضاة من مراجعة قرارات الإيداع بخصوص بعض الملفات - تنظيم مؤتمر وطني حول مراكز حماية الطفولة لوضع سياسة عامة ومندمجة وشاملة. توصيات موجهة لوزارة العدل والحريات : - عدم اللجوء للإيداع والحرمان من الحريات إلا كملاذ أخير - تفضيل عملية التكفل بالأطفال في وضعية صعبة في الوسط المفتوح على الإيداع - إعمال الوسائل المادية والموارد البشرية الضرورية لتأمين التطبيق الفعلي للقوانين والإجراءات القضائية لضمان حق الأطفال في الاستماع إليهم وإخبارهم والحق في المساعدة القانونية المناسبة - ضمان تتبع وتقييم منهجي لتطبيق القوانين توصيات موجهة لوزارة الشباب والرياضة : - مراجعة شاملة للإطار القضائي والإداري لمراكز حماية الطفولة بشكل يضمن المصلحة الفضلى للطفل - وضع معايير مطابقة لكل المعمول بها فيما يتعلق بحقوق الطفل - تحديد ووضع آليات وصيغ للمراقبة والإشراف على هذه المؤسسات بهدف تقييم تطابق هذه المؤسسات مع المعايير المعتمدة خاصة الكرامة والمشاركة والحماية والنمو - وضع نظام مركزي للمعلومات موثوق به، لتتبع أوضاع وأعداد الأطفال المودعين في المراكز