يحتفل العالم يوم غد الخميس الموافق ل 21 مارس بعيد الأم. مناسبة تتلقى فيها بعض الأمهات عبارات الامتنان من الأبناء مع تقديم هدايا رمزية، مقابل هذه الصورة المشرقة تختفي صور أخرى لأمهات حالت الظروف دون احتفالهن بهذه المناسبة. «اللهم لا اعتراض.. كل وحدة ورزقها»، تقول رقية التي كان من الصعب استفسارها عن رأيها حول موضوع الاحتفال بعيد الأمهات على الرغم من أنها أم لابنين. تحمل السيدة قفتها المتهالكة التي تضم بعض أدوات المطبخ التي تستعين بها أثناء إعداد بعض الوجبات التقليدية داخل مطابخ البيوت التي اعتادت العمل داخلها طيلة أيام الأسبوع. هديتي.. أن يجد ابني عمل « كنت أتمنى أن تكون هديتي حج بيت الله.. لكن راحة البال أفضل من الحج» تقول السيدة التي تضطر كل صباح للتوجه نحو مطابخ بيوت اعتادت الذهاب إليها وأخرى تغامر بولوجها طلبا للزيادة في مردوديتها الهزيلة التي تتفرق بين طلبات ابنيها العاطلين عن العمل. الاحتفال بعيد الأم مجرد خبر عابر تصادفه رقية أثناء متابعتها التلفزيون، والحديث عنه بمثابة النبش في جرح غائر تفضل تحاشي الحديث عنه، «سماع مثل هذه الأمور تجعلك تشعرين وكأنه لم يسبق لك الانجاب، وكثيرا ما أتساءل إن كنت أخطأت حين فكرت أن أصبح أما، خاصة بعد وفاة زوجي» تقول السيدة التي لم تبني حزنها على احتفال عابر، أو طمع في هدية رمزية قد لا توفي أي أم حقها، لكن المرأة تطمع في كلمة طيبة من أبنائها، وتبحث عن يوم راحة لم تنعم به منذ أصبحت أرملة مسؤولة عن ابنين، «هديتي أن يتمكن أحد أبنائي من إيجاد عمل، ويطلب مني الجلوس في البيت معززة مكرمة، بدل التجول بين مطابخ الناس». « نتي اللي خصك تجيبي ليا كادو» «هاد الشي ديال الناس اللي لفوق، أما الدراوش بحالي عيدهم نهار يباتو معشين» تقول خديجة التي لم تعر للمناسبة الكثير من الاهتمام بعد أن حكمت على نفسها بالتدحرج أسفل اللائحة الاجتماعية، حيث الأمهات غارقات في حسابات لا متناهية لتطويع المداخيل الهزيلة مع المصاريف اللامتناهية. الاحتفال آخر شييء تفكر فيه خديجة التي تجزم أن أبنائها لا ينتمون لفئة الالتفاتات الطيبة، «ولادي كيجيبو ليا غير صداع الراس .. أما هاد الشي ديال عيد الأم ولا عيد الأب مكيعرفوهش كيف داير أصلا». تسرد الوالدة لائحة “الهدايا” اليومية التي تتلقاها من أبنائها حيث المشادات الكلامية الصباحية، والتأفف من المستوى الاجتماعي الذي لا يتماشى مع تطلعاتهم، « تبلغ الوقاحة بابني الأصغر ليسألني عن سبب إنجابي له، وهو دائم الشكوى حتى عندما نوفر له متطلباته التي تكون على حساب متطلباتي أنا ووالده» تقول الأم التي نسيت آخرة مرة تمكنت فيها من شراء غرض يخصها، رغبة منها في توفير أغراض أبنائها. ويرتبط الحديث عن عيد الأم بذكرى مزعجة بالنسبة لخديجة التي جمعتها الصدفة مع ابنها أمام التلفاز أثناء عرض ربورطاج عن نوع الهدايا التي يفكر الأبناء في إهدائها لأمهاتهم بهذه المناسبة، « سألته على سبيلل المزاح، ما الذي ستحضره لي خلال العيد.. كانت إجابته قاسية عندما قال لي لو أنجبتني في أمريكا أو ألمانيا، أو سويسرا لأحضرت لك هدية.. ولكن نتي والداني في المغرب، را نتي اللي خصك تجيبي ليا كادو باش تصبريني» رد الابن كان قاسيا وإن كان مزحة تقابل مزحة الأم، غير أن خديجة ترى أن بعض المناسبات غير قابلة للتعميم كما يتم تداولها في التلفاز، لأنها تفرض مقارنات قاسية تنتهي بشعور بعض الأمهات بالكثير من الحزن لأنهن لم يتمتعن بإلتفاتة شبيهة بالاتفاتات التي تتلقاها بعض الأمهات. «مكيتفكروكش حتى بكلمة» جميلة عاملة نظافة داخل مؤسسة تعليمية خاصة. تتعامل مع المناسبة بنوع من الحساسية التي تكشف عن أنفة الريف الذي تتحدر منه، «لم أطلب منهم يوما أن يقدموا لي هدية، ولن أطلب منهم ذلك» تقول الأم التي تشاهد كل سنة الأنشطة المدرسية التي تدفع التلاميذ للتعبير عن امتنانهم لأمهاتهم من خلال ملف يضم رسومات وعبارات عرفان بالجميل لكل الأمهات. لم تتلقى جميلة يوما ملفا مشابها على الرغم من أنها ضحت بسنوات شبابها بعد أن وجدت نفسها أرملة في العشرينات من عمرها. استقل أبناؤها بحياتهم بعد ارتباطهم وأصبح لكل واحد منهم بيتا بعيدا عن مدينة الدارالبيضاء، لتواصل الأم عملها اليومي داخل المدرسة، «هديتي هي أن يطلب مني أحد أبنائي الانتقال للعيش معه، بدل أن أقضي ما بقي من عمري في الانحناء لتنظيف آثار أحذية الوافدين على المدرسة» تقول الأم التي تمنعها كرامتها من مفاتحة أبنائها في الموضوع، «لاش غادي نقولها ليهم .. راهم عارفين كلشي .. شكون اللي كبرهم وقراهم ووصلهم حتى دارو عائلة، وفي الأخير مكيتفكروكش حتى بكلمة» تردد جميلة التي تشعر بالحزن لتواجدها داخل المؤسسة التعليمية التي تذكرها رغما عن رغبتها في النسيان بأنها من الأمهات اللواتي لم يحظين يوما بكلمة امتنان أو عرفان خلال عيد الأم الذي تشعر فئة من الأمهات بأنهن غير معنيات به !! سكينة بنزين