تشكل النفقة ثمرة التداعي أمام أقسام قضاء الأسرة، والتي نظم المشرع الأحكام المتعلقة بها من خلال القسم الثالث من الكتاب الثالث من مدونة الأسرة (من المادة 187 إلى المادة 205 )، بيد أن كثرة القضايا المعروضة على القضاء جعل منها ظاهرة مستفحلة، لم تفلح معها المساحيق التشريعية التي حلمها القانون رقم 70.03 الصادر في الثالث من فبراير 2004، بحيث بلغ عدد قضايا النفقة الرائجة أمام المحاكم سنة 2010 ما مجموعه 50211، كما سجل بقسم قضاء الأسرة بأكادير خلال سنة 2007 ما مجموعه 201 قضية. وشهد قسم قضاء الأسرة بورزازات في ذات السنة تسجيل ما مجموعه 219 قضية. فوراء هذه الأرقام يقف طابور من المعاناة النفسية والاجتماعية لأسر تعيش الهزالة والتفكك على أكثر من مستوى. لأجل هذا تدخل المشرع بإصدار القانون رقم 41.10 المتعلق بتحديد شروط ومساطر الإستفادة من صندوق التكافل العائلي، المنشور بالجريدة الرسمية عدد 5904 بتاريخ 30 ديسمبر 2010، إلى جانب النصوص التنظيمية المرتبطة به، الصادرة في إطار المرسوم رقم 2.11.195 المنشور في الجريدة الرسمية بتاريخ 15 سبتمبر 2011. وبناء عليه سنعمل على جرد أهم الإشكالات التشريعية المتربطة بهذا الصندوق. هذا على أساس أن الحديث عن الإشكالات القضائية هو نقاش سابق لأوانه، لكون هذا الصندوق دخل للتو حيز التنفيذ، ولم تتشكل بعد حصيلة على مستوى العمل القضائي يمكن رصدها وتقييمها. ومن تم يمكن القول إن صندوق التكافل العائلي يطرح جملة من الإشكالات القانونية، التي نصوغها كالتالي: أولا: أنه باستقراء المقتضيات التي جاء بها القانون رقم 41.10، نجدها لا تعكس إرادة المشرع من وراء إحداث هذا الصندوق، والمتمثلة في إقرار وتكريس مبدإ التكافل والتضامن العائلي بين أفراد المجتمع، بحيث يظل الإسم الذي أطلق على هذا الصندوق (صندوق التكافل العائلي) إسما شكليا، طالما أنه يقصي فئات واسعة تدخل تحت مسمى “العائلة” كالأطفال المهملين والنساء الأرامل والوالدين المعوزين… ثانيا: أن هذا الصندوق أقام تمييزا غير مبرر بين المرأة المطلقة المعوزة والمرأة المعوزة غير المطلقة، وكذا بين الأم المطلقة المعوزة وغير الأم المطلقة المعوزة، إذا جاء في المادة الثانية من القانون المتعلق بتحديد شروط ومساطر الاستفادة من صندوق التكافل العائلي على أنه: “يستفيد من المخصصات المالية: الأم المعوزة المطلقة، مستحقو النفقة من الأطفال بعد إنحلال ميثاق الزوجية”. هذا التمييز نجد المشرع التونسي قد تجاوزه من خلال إحداثه لصندوق ضمان النفقة وجراية الطلاق، المؤرخ في 5 جويلية 1993، الذي نص من خلال الفصل الأول منه على أن: «إحداث صندوق لضمان النفقة وجراية الطلاق المحكوم بها لفائدة المطلقات وأولادهن حسب الشروط المنصوص عليها بهذا القانون” ، هكذا لم يميز المشرع التونسي بين المستفيدة المطلقة الأم وغير الأم وكذا بين المعوزة وغير المعوزة ، فالنفقة تعتبر من الديون الممتازة التي تتمتع بها النساء المطلقات بقوة القانون. ثالثا : هزالة المخصصات المالية المرصودة للصندوق، إذ تم تحديد مبلغ 160 مليون درهم كغلاف مالي أولي لدعم الصندوق، وذلك من خلال مشروع قانون المالية لسنة 2012، وتستخلص موارد الصندوق بالأساس من حصيلة الرسوم القضائية (بنسبة 20%) إلى جانب بعض الموارد الأخرى المنصوص عليها في إطار المادة 19 من قانون المالية لسنة 2011، الصادر بالجريدة الرسمية بتاريخ 30 ديسمبر 2010، وعليه فإن المشرع بحاجة إلى إعادة النظر في الشق المالي المرصود للصندوق، خصوصا أن مجال تدخل الصندوق ذا طابع اجتماعي إنساني بالأساس، فهذه الفئات المستهدفة لم تنتظر أزيد من ثمان سنوات من التنصيص على هذا الصندوق – بعد أن عاش من عاش ومات من مات- للإستفادة من مخصصات مالية بخسة، تتمثل حسب المادة الرابعة من المرسوم الصادر بتاريخ 6 سبتمبر 2011 في 350 درهما لكل مستفيد، على ألا يتعدى مجموع المخصصات المالية لأفراد الأسرة الواحدة 1050 درهما. رابعا: أن المشرع واجه الفئات المستفيدة من المخصصات المالية للصندوق بإجراءات مسطرية وإدارية معقدة، مع العلم أن المستوى التعليمي لهذه الفئات ضعيف جدا، كما قد تطول الإجراءات لتمتد على طول شهور، بحيث إن شهادة العوز المسلمة من طرف الوالي أو العامل قد لا تحصل عليها الأم المطلقة إلا بعد شهور من العناء جريا بين ردهات المصالح الإدارية، هذا على خلاف المشرع التونسي الذي اكتفى فقط للإشارة إلى ضرورة وجوب تقديم طلب الإستفادة مع إثبات قضية إهمال العيال. خامسا: عندما أوكل المشرع لرئيس المحكمة الإبتدائية إختصاص البت في طلبات الاستفادة بموجب مقرر قضائي، لم يوضح طبيعة هذه المقررات، هل تدخل ضمن الأعمال الولائية الموكولة لرئيس المحكمة أم في إطار الأعمال القضائية ؟ فتحديد طبيعة هذه المقررات يساعدنا على فهم طبيعة المسطرة المتعلقة بتقديم طلبات الإستفادة من مخصصات الصندوق، هل تؤدى عنها الرسوم القضائية أم تبقى معفية..؟ وهل مقررات رئيس المحكمة تقبل الطعن في جميع الأحوال أم أنها تكون نهائية..؟ هنا نجد الفقرة الثانية من المادة 7 في القانون المحدث لصندوق التكافل العائلي تنص على أنه:«يعتبر هذا المقرر نهائيا ولا يقبل أي طعن، وينفذ على الأصل ولا يحتاج إلى تبليغ»، وبإعمال مفهوم المخالفة فإن المقرر الصادر عن رئيس المحكمة بعدم الإستجابة للطلب يقبل الطعن، وبالتالي يمكن القول إن طبيعة هذه المقررات الصادرة عن رئيس المحكمة ذات طابع ولائي. وعلى سبيل الختام فإن هناك مجموعة من الإشكالات التي حملها القانون رقم 41.10، والتي ينتظر أن تكشف عنها الممارسة القضائية، وذلك بعد أن تم التوقيع على الإتفاقية المتعلقة بتدبير صندوق التكافل العائلي بين وزارة العدل ووزارة المالية من جهة (الدولة)، وصندوق الإيداع والتدبير من جهة ثانية (الهيئة المختصة). بقلم: سعيد موقوش باحث بكلية الحقوق بمكناس