في خضم النقاش الدائر حول إصلاح الرعلام العمومي، نتخرط “الأحداث المغربية” في الإسهام في مناقشة هذه القضية ذات الحيوية القصوى، من خلال استضافة عدد من الخبراء والمختصين والفاعلين في مجال الإعلام والاتصال لاستقراء آرائهم وتصوراتهم المتصلة بهذا الورش الوطني والبحث معهم في مداخل الإصلاح ورهاناته وتبيان مستلزماته ومقوماته.وفي هذا السياق، يندرج الحوار التالي مع الإعلامي عبد الصمد بنشريف. 1 ماهو برأيك المدخل الأساسي لإطلاق ورش الإصلاح ؟ ج:في البداية لابد أن نتوقف عند مسألة أساسية ولافتة للنظر ،وتتمثل في كون ما يصطلح على تسميته بالإعلام العمومي في المغرب ،يشكل مجالامغلقا وسياديا بامتياز،مجال ظل بعيدا عن الديناميات الإصلاحية التي عرفتها البلاد على مراحل مختلفة ،ولم يتفاعل مع مشاريع وأوراش التأهيل ولم ينصت لمطالب التغيير التي رفعها المهنيون منذ سنوات ،ويتبناها الشارع الآن في سياق الزخم الذي فجرته حركة 20 فبراير .يجب أن نأخذ في الاعتبار الطريقة التي يتم بها تعيين المسؤولين على تدبير مكونات القطب العمومي والمعايير المعتمدة في ذلك ،وشروط اختيار الأشخاص المناسبين ،بدون شك هنا تثور العديد من الأسئلة وتنتصب علامات استفهام كثيرة ،من قبيل، من يعين هؤلاء ومن يتحكم في الإعلام العمومي ولماذا يحتفظ بهؤلاء المسؤولين ويوضعون بوعي أو بدون وعي في كفة ربما ترجح حتى كفة الشارع بكل مكوناته وتركيباته وحساسياته ، رغم أن هذا الشارع يطالب برحيلهم ومحاسبتهم ،ولماذا لايتفاعل القيمون على الإعلام العمومي – والذين لانعرفهم ولانراهم – مع منطق المرحلة ،ويقطعون مع ثقافة تقليدية وغير سليمة في السياق الحالي ، وهي ثقافة تتغذى من مقاربة عقيمة،لأنه ببساطة لايمكن أن ندبر مؤسسات حساسة وإستراتجية بمعيار الصداقات وعلاقات القرب مع المحيط ،وما يوفره من حماية وحصانة،يعجز على اختراقها حتى الوزير الأول ،فما بالك بوزير الاتصال .إن التذرع بمفهوم خدام الملكية الأوفياء ،هو مفهوم مردود ،وحيلة ماكرة يوظفها بعض المسؤولين ،لإيهام السلطة العليا في البلاد ،بأنهم ،هم وحدهم من يدرك مقاصد هذه السلطة ،وهم من يقرأ رسائلها جيدا ،وهم الذين يستطيعون تسويق صورة طليعية ونموذجية عنها،والبقية الباقية ليست من هذه الفصيلة ،ولاتملك الخبرة والخيال والرؤية والاستشراف والاستباق .هذه أكبر كذبة وأبشع خدعة ،لأن كل مسؤول مغربي قادر ومستعد ليقدم ماعنده من جهد ومهارة ومؤهلات ،من خدمة المصالح العليا للبلاد ،أي أن كل المغاربة أوفياء في هذا المضمار .الأمر لايتعلق براديكاليين أو متمردين يصفون حسابات شخصية وينفذون أجندة معينة كما يروج بعض المسؤولين في قنوات القطب العمومي وهم بالمناسبة اقل خبرة وتكوينا ودراية وخيالا وثقافة ومعرفة بالإعلام والمجتمع ،لكنهم فرضوا علينا فرضا. إذن ،لابد من أن ننطلق من هذا التحليل قبل الحديث عن أي إصلاح ، ما يعني أن المدخل الأساسي لإطلاق ورش الإصلاح،هو أن تقتنع الجهة التي تتحكم في الإعلام العمومي -وأنا اسميه حتى الآن إعلاما رسميا-بأن قطار التغيير يجب أن ينطلق الآن ،وعلى الذين ساهموا في إنتاج الفشل والتردي، ومارسوا التعتيم والتجهيل والتسطيح والشعبوية ،أن ينسحبوا بهدوء وبدون ضجة ،وأن يحاسب من يثبث في حقهم خروقات أو اختلالات بسبب سوء التدبير.ليس للأمر علاقة بمهمة مستحيلة أو بمعجزة لن تحصل أبدا .إن جوهر المشكل هو توفر الإرادة السياسية والتعامل مع الإعلام العمومي كورش حيوي يهم جميع المغاربة . وسيكون من الأخطاء القاتلة إذا اقتنعت الجهة التي من المفترض أنها تهندس وترسم خطط الإعلام العمومي ،بأن أي انتقال أو إصلاح أو تغيير لا يمكن أن يتم إلا من خلال المسؤولين الحاليين .سلوك من هذا النوع لايمكن أن يفسر إلا بكونه عناد ،والعناد هو عندما تصاب الدولة بالعمى وتفقد البوصلة والبصيرة وبعد النظر. . . 2 ما هي متطلبات ومستلزمات هذا الإصلاح : على سبيل المثال، تحديد الأولويات، وتحديد طبيعة التغييرات، التي لابد من إجرائها للقطع مع العقليات السائدة في تدبير وتسيير التلفزيون المغربي، وتحديد أيضا المعنيين بهذا الورش الإصلاحي؟ هل هو ورش مفتوح على فاعلين خارجيين أم محدود على الفاعلين في المجال الإعلامي بشكل مباشر؟ ج – من المؤكد أن الإعلام العمومي، يجب أن يتحرك وأن ينتقل على غرار الانتقالات الأخرى، وان يشهد مصالحة على غرار المصالحات التأسيسية التي حدثت في البلد، ولكن يجب أن ندرك كذلك أن هذا الإعلام المسمى عموميا، هو هو أداة في يد السلطة تستعملها كما تشاء ،هي آلة إيديويوجية وديماغوجية ،بالمعنى الذي يحدد لها في سياق سياسي واجتماعي ما ، و علينا أن نلتقط بذكاء ر هذا العنصر، وإلا ستظل تحليلاتنا وقراءاتنا، وكل المجهودات الفكرية التي نبدلها، ستظل مجرد صرخة في واد. وعلى سبيل المثال لاالحصر ،فالحكامة الإعلامية والشفافية والتعدد والتنوع والمهنية والتأهيل، قضايا طرحت للنقاش والحوار على نطاق واسع ،لكن ،الفاعل أو المسؤول عن الإعلام العمومي والمتحكم فيه غير موجود، وغير معروف، إنه أشبه بكائن مجهول.وهذه هي المشكلة الكبيرة لذلك لابد وضع بنيات و قواعد ومعايير،يرجع إليها في إسناد المسؤوليات،ولابد من إقرار خط تحريري مهني، واضح ومستقل، على مستوى الأخبار والبرامج يستجيب لحاجيات وانتظارات الشعب ويحترم ذكاءه. ويحد من سطوة المعلنين (الإشهار). ويرتكز على العمل بمجالس التحرير المنتخبة وبمواثيق تحرير متوافق حولها بين المهنيين الممارسين. ولتفادي الارتجال والغموض ،يجب إحداث المجلس الأعلى للإعلام السمعي البصري بصلاحيات تقريرية واضحة، ودسترته، لرسم وتتبع السياسات العمومية الكبرى في الإعلام بكل مرافقه كما أكدت على ذلك تنسيقية النقابات الأكثر تمثيلية في القطب العمومي عبر أرضية مطالب الإصلاح. والتي رأت أنه من الضروري إطلاق وتنظيم حوار وطني فوري ،جدي ومسؤول حول الإعلام العمومي يتوخى ،بلورة الإصلاحات الضرورية لوضع السياسات العمومية في المجال السمعي البصري على قاعدة وضوح العلاقة بين الدولة ومرافق الإعلام العمومي ،ووضع أسس إعلام عمومي مواطن في خدمة الشعب،ويرسخ قيم الحداثة والديمقراطية والتعدد والاختلاف ويحافظ على الهوية المغربية الغنية بتنوع روافدها.ولامناص من خلق آليات قانونية لمحاسبة المسؤولين على تسيير وتدبير القطاعات التابعة للإعلام العمومي. ودون أن ادخل في التفاصيل وإن كان الشيطان يقيم بينها ،كما يقال ،أريد التأكيد على أنه لو طبقت هذه المطالب الإصلاحية ،وهي واقعية وعادية وعقلانية ومواطنة ،لأمكن بسهولة القطع مع العقليات التي تسعى إلى إبقاء الإعلام العمومي المغربي قلعة ضد التغيير ،وأن يظل أصحاب هذه العقليات هم حراس المعبد ،وأساطير الإعلام الرسمي . بدون شك ،إن ورش إصلاح الإعلام العمومي ،هو في المحل الأول ورش يعني المهنيين لأنهم هم الذين يدركون الأولويات ،ويستوعبون نوعية وحجم الإصلاحات التي يجب القيام بها ،لكن بديهي كذلك أن هناك تفاعل وتواصل مع فاعلين آخرين ،من مختلف الآفاق ،ولذلك طرحت تنسيقية النقابات الأكثر تمثيلية في القطب العمومي فكرة تنظيم حوار وطني جدي ومسؤول . 3 ما هي رهانات الإصلاح، في سياق المسؤوليات المنوطة بالإعلام العمومي وبموازاة مع انتظارات المشاهد، وبالنظر إلى التبعية، التي تسم الإعلام العمومي للدولة، التي تبسط هيمنتها عليه وتحوله إلى أداة بروباغاندا؟ ج: من المفترض أن أي تلفزة و إذاعة عمومية،في مجتمع،كالمجتمع المغربي الذي يعيش على إيقاع التحول والاحتجاجات التي باتت ترفع مطالب سياسية واجتماعية واقتصادية وهوياتية وأخرى مرتبطة بالتخليق والحكامة الجيدة والمحاسبة ألخ ..، يجب أن تنهض فلسفتها الإعلامية وبرامجها على التنوع والتعدد الثقافي والفكري واللغوي، بما يحقق قيمة مضافة، ويسهم بشكل ملموس بدفع وتطوير النقاش والحوار والتناظر حول القضايا التي ترتبط بانشغالات المغاربة. ولتحقيق هذه الأهداف لابد من تحديد العلاقة بين الدولة والإعلام العمومي ، حتى لايصبح هذا الإعلام وسيلة للدعاية والتمجيد ،كما يجب أن تتأسس أي رؤية أومقاربة على مفهوم القرب، الفعال والمبدع، ليتوجه الإعلام العمومي للجميع، وليعطي الكلمة للجميع، دون أن يستثني أو يقصي أحدا، و عليه أن يطرح كل القضايا والملفات للنقاش المهني . إعلام يسعى إلى خلق تلفزة و إذاعة دينامكية مواطنة تسأل وتسائل، وتنقل الخبر وتغطي الحدث، وتثير النقاش وتعمق التفكير، بحيث يستطيع الجميع التعبير عن آرائه ومواقفه. تلفزة و إذاعة تواكب التحولات وتلتقط دبدبات المتغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، بالصورة التي تجعل منها مؤسسة مواطنة، لا تهتم فقط بالربح المادي، لأنها مرفق عمومي بالدرجة الأولى ، والبحث عن موارد لتضمن استمراريتها وتقديم خدمة سياسية تحت الطلب. باختصار إعلام عمومي يستحقه الشعب المغربي بكل فئاته، ويواكب ما ستقبل عليه البلاد من تحولات عميقة كما جاءت في الخطاب الأخير للملك يوم 9مارس الماضي ويحقق تطلعات جميع شرائح المجتمع المغربي بكل فئاته. إن التلفزة والإذاعة التي يريدها المغاربة ،ينبغي أن تنخرط في المشاريع المهيكلة داخل البلد، من حيث التعاطي معها بشكل مهني وموضوعي ومن خلال إشاعة خطاب عقلاني وحداثي، وقيم تنتصر للتسامح والحوار والانفتاح والاختلاف والتعدد في الرأي ، واحترام العقل.، تتواجه فيها الأفكار يوميا، وتتحاور فيها الثقافات، وتتعايش فيها اللغات.جريئة وفضولية، تتخيل بشكل إيجابي وبناء، وترصد مسالك المعرفة ومسارات الناس، وهي في كل ذلك مسكونة بهاجس البحث عن الحقيقة.