هدوء خادع ذلك الذي سيطر على أهم المحاور الطرقية والشوارع الكبرى في الساعات الأولى من ليل «ليلة عاشوراء» أمس السبت. كان يكفي الالتفاف إلى داخل أول حي شعبي، أو السير عبر الدروب أمتارا فقط خلف هذه الشوارع، حتى تكتشف مشاهد تؤثتها الأدخنة المتصاعدة والنيران في كل زاوية. الكل يصيح هتافا «بالعواشر» دون أن يحدد أي منها يريد تحديدا. فالتراشق بالبيض والماء الملوث والماء القاطع هنا، ومجموعات تتراشق بالقنابل هناك، في سيطرة شبه تامة على الفضاء من طرف قاصرين وقاصرات، في حالات متقدمة من التخدير أو السكر. نادرا ما تصادف بالغا في أكوام الفوضى البشرية هذه، وإن تم، فإنه تواجد هناك بحثا عن ابن تائه، أو لاستجلاب «سخرة» من محل بقالة قريب. حالة استنفار قصوى عاشتها الدوائر الأمنية، وتجوال متتالي لسيارات الشرطة في كل الأحياء التي عرفت هيجانا على صوت القنابل وسحب الأدخنة الكثيفة الصادرة من نقاط حرق الإطارات المطاطية. في وقت واحد، استقبلت الدوائر الأمنية السابعة والثامنة ودائرة حي عمر بن الخطاب، عشرات المبلغين عن شخص واحد كان يقود فيلقا من الهوليغانز الجدد. المعني بالأمر انطلق من درب الفقرا، وعاث في سيارات الناس ضربا وتخريبا. والنتيجة، أزيد من 25 سيارة بزجاج مهشم من كل النواحي. أحد المشتكين في دائرة حي عمر بن الخطاب، حمل معه ابنته لمقر الدائرة، في حالة إغماء تام بعد أن تعرضت للركل والضرب من طرف مرافقي «فتوة» الليلة الأول، بعد أن عاد للتو من مستعجلات مستشفى العقيد بوافي، حاملا في يده شهادة طبية تثبت عجزا يتجاوز الأربعين يوما. «كنا نظنهم من أبناء الحي الذي يحتفلون بليلة عاشوراء فاكتشفنا واقعا مخيفا في ثواني بعد دخولهم للدرب» يقول والد الفتاة للأحداث المغربية. في مشاهد أخرى عاينتها الأحداث المغربية في ملتقى شارعي الفداء ومحمد السادس، ألقى العشرات من القاصرين من على متن دراجاتهم النارية قنابل داخل السيارات التي يمرون بجانبها. صاحب طاكسي تعرض لحريق في صدره جراء هذه العملية، بينما هرعت ثلاث سيدات كان يقلهن خارج السيارة في حالة فزع شديدة. ولولا تدخل عمال محطة بنزين وبعض الحاضرين لكادت الأمور أن تتطور إلى الأسوء. الزيدانية : نجمة الليلة لا صوت يعلو فوق صوت «القنبول» في كل المناطق الشعبية للعاصمة الاقتصادية. لا تكاد تمر دقيقة واحدة دون سماع دوي قنبلتين أو ثلاث من تلك التي تصم الآذان. القنابل ترمى في كل الاتجاهات ولا يراعي قاذفوها، إن كانت تسقط بين أرجل الأطفال أو الشيوخ، أو في ملابسهم. المهم أن يستمر «الضحك البليد» لوقت أطول. في الحي المحمدي بمحيط القيسارية وبمنطقة درب الكبير، عاينت الأحداث المغربية مشهدا يقترب من الحرب الأهلية في شكلها البسيط. مجموعات مكونة من عشرات القاصرين، تصطف في مواجهة بعضها، وتشرع في قذف القنابل في اتجاه الأخرى. وفي كل مرة كانت القنبلة تصيب أحدا، أو تقترب من إصابته، تتعالى صيحات النصر و الاستهجان في آن واحد ! الزيدانية، نسبة إلى زيدان لاعب كرة القدم الشهير، ليست مراوغة أو تمريرة أو لمسة كروية فنية. الزيدانية كانت قنبلة الليلة بامتياز. بعد انتهاء حزمة منها، لا تسمع إلا اسمها من طرف المطالبين بالمزيد، متفرجين أو مفجرين. سميت الزيدانية لأنها تباع في علبة مرسوم على ظهرها صورة لزين الدين زيدان لاعب الكرة الأسبق. كلفة الواحدة منها تصل إلى 130 درهم، وبالتالي فإنها تتفوق على الميسية نسبة إلى ميسي، والرونالدية نسبة إلى رونالدو اللواتي لا تتجاوزن ال60 درهم للحزمة الواحدة. في سيدي عثمان، لم يقتصر فعل التفجير على المجموعات أو الأفراد في الأزقة، بل انخرط عدد من القاصرين والشباب في قذف قنابلهم الصوتية من شرفات البيوت والنوافذ. واحدة منها أصابت طفلا بجروح بليغة على مستوى الرأس، تم نقله على وجه السرعة إلى مستعجلات مستشفى سيدي عثمان لتلقي العلاجات الضرورية. غير بعيد عن المنطقة، وفي درب ميلا، تعرض شاب في الثانية والعشرين من العمر إلى تفجير أحدث أضرارا جسيمة بعينه اليسرى. الشاب الذي قال أنه لا يعرف هوية الشخص الذي ألقى «الزيدانية» عليه، اعتقد أنه فقد القدرة على البصر لحظة الانفجار الذي حدث على مسافة سنتمترات قليلة من رأسه. شوارع مغلقة شارع أبي شعيب الدكالي. الساعة تقترب من منتصف الليل. شباب وقاصرون يشكلون حاجزا من الإطارات المطاطية في أحد محوري الشارع، العامر بالسيارات المتنقلة باتجاه شارع محمد السادس. يشعلون النار في الإطارات المطاطية، ويأمرون أصحاب السيارات بالتوقف لغاية الاحتراق الكامل أو تغيير السير ! وما إن يذعن صاحب السيارة لطلب مشعلي النيران، حتى يشرعون في الرقص والقفز فوق الإطارات مع ترديد أغاني وأهازيج تحتفل بالمناسبة. شارع عبد الله الصنهاجي، عرف نفس المصير في عدة نقط منه حيث حولته الإطارات المحروقة إلى منطقة ممنوعة على سير العربات والآليات. في «بين المدون» وتحديدا قرب مقر التكوين المهني، تحول المكان إلى ساحة مفروشة ببقايا الزجاج الآتي من التهشيم المتكرر للسيارات. ويحكي شاهد عيان تعرضت سيارته لتخريب زجاجته أن المعتدين القادمين من حي سيدي معروف القريب، سدوا مداخل المكان عبر إضرام النار في الإطارات المطاطية التي تجاوز عددها العشرين حسب تقديراته، حيث أصبح الإحساس بالخوف يسيطر على المواطنين. في درب لوبيلا، في المنطقة المحاذية للمدينة القديمة ودرب بوركون لم يسلم الأمر من إغلاق آني لحركة المرور، قبل أن يقدم رجال الوقاية المدنية، الذين حلوا بالمكان استجابة لطلب إحدى الدوائر الأمنية، على إخمادها. سرعة اشتعال النيران وتكاثف الأدخنة المتصاعدة، كان يثني أصحاب السيارات على الاستمرار في السير. عملية كر وفر عاينتها الأحداث المغربية بين العناصر الأمنية التي كانت تحل بهذه النقاط على متن سياراتها، وبين مجموعات مضرمي النيران، وكانت تتشابه في شكلها عموما. ففي مرحلة أولى تضرم النار وتقطع الطريق، ثم تحل الشرطة بعين المكان. بعد ذلك يختفي المشاغبون من المشهد كليا هربا أو اختباء، ثم تكمل الدورية الأمنية مسيرها، فيعود القاصرون لاحتلال مواقعهم من جديد ! ضحايا الماء القاطع «ماعمرني ما شفت بحال هاد الشي. وما عمري تخلعت بحال الليلة» شهادة قدمها للأحداث المغربية مسؤول إداري من داخل مستشفى 20غشت في حدود الساعة الثالثة صباحا. المسؤول بدا متعبا بعد ساعات طويلة من استقبال ضحايا ليلة عاشوراء، وقدم شهادته دليلا على حجم الكوارث التي استقبلتها مستجلات المستشفى العمومي الأكبر بالعاصمة الاقتصادية. قسم المسؤول أنواع الضحايا إلى قسمين. القسم الأول تعلق بضحايا المتفجرات والقنابل الصوتية الذين وصفهم بثلث المعطوبين. بينما تشكل القسم الأكبر من ضحايا «الما القاطع» . «صورة طفل في الرابعة من عمره مصابا بحروق بليغة على مستوى العنق والكتف والظهر جراء انفجار قنبلة ألقاها أحدهم داخل ردهة بيت الطفل كانت الأبشع التي وقفت عليها الليلة» يؤكد المسؤول للأحداث المغربية. ضحايا «الماء القاطع» فقط في ليلة عاشوراء ممن فقدوا أعينهم أو أصيبوا في باقي أطراف أجسادهم تجاوزوا الثلاثين. المصابون تعرضوا للرشق بهذه المادة الخطيرة، حسب إفادات مسؤول الاستقبال بالمستعجلات، في حوادث عرضية أو نتيجة دخولهم في رشق متبادل بالأحياء السكنية التي يقطنون بها. بعض المصابين كانوا بعيدين عن مناطق اشتباك بين مجموعات للقاصرين حدثت في بعض الأحياء، لكن انفجار عبوات أعدت خصيصا من خليط البنزين و«الما القاطع» انفجرت على أجسادهم أو في محيط قريب منهم. العبوات استعملت على نطاق واسع ليلة أمس، في تطور غريب لطقوس الاحتفالات في مناسبة عاشوراء ينحو في اتجاه اتساع دائرة العنف والإجرام، المغلف بطقوس الاحتفاء بالذكرى الدينية. «سيبة» في غلاف الاحتفال في حدود الساعة الواحدة والنصف صباحا، ورد على باب مستشفى 20 غشت بالدارالبيضاء أحد سائقي سيارات الأجرة وطلب فتح الباب الرئيسي من حراس الأمن الخواص الواقفين بالمكان لأنه يحمل شخصا مصابا في انفجار قنبلة صوتية ومرفوقا بصديقيه. بدا السائق في وضع غير طبيعي، أو كأنه يحاول الإيحاء للحراس بأمر ما لكنه غير قادر على الاسترسال. بعد إنزالهم، خرج السائق مذعورا وقصد الحارسين كاشفا عن تعرضه لتهديد بواسطة سكين من الحجم الكبير من طرف أحدهم بغرض نقلهم إلى المستشفى دون احتساب رسوم الرحلة. تردد وخوف السائق على حياته منعه من التبليغ عن الاعتداء واكتفى بالعودة إلى البيت في تلك الساعة المتأخرة. مسؤولو الحراسة في عين المكان كانوا شاهدين بأنفسهم على حالات عديدة للاعتداء وسلب الممتلكات تمت في محيط باب المستشفى، بما فيها حالة سرقة جهاز هاتف محمول لطبيبة، بعد تجاوزها لباب المستشفى بأمتار فقط. حالات الاحتفال بطقوس عاشوراء شكلت غطاء للعشرات من المجرمين وذوي السوابق مكنهم من اقتراف العديد من صور الإجرام والاعتداءات على المواطنين. في حادثين متباعدين زمنيا بأكثر من ساعتين، لكن يحملان نفس درجة الخطورة، نقل إلى مستعجلات المستشفى الجامعي ابن رشد شاب تعرض لطعن خطيرة في البطن عندما كان يحتفل بطقوس عاشوراء في منطقة عين الشق وبعد دخوله في مشادة كلامية مع أحد أبناء نفس الحي حول الأحقية في تفجير إحدى الألعاب النارية. الحالة الثانية لرجل في العقد الرابع وصل إلى قسم المستعجلات في مستشفى 20غشت في وضعية حرجة، إثر تعرضه لثلاث طعنات عندما كان يحاول الدفاع عن ابنته التي تعرضت لتحرش باستعمال «القنبول» على يد مجموعة من الشباب، غير بعيد عن حي جوادي بمنطقة سيدي عثمان. حالة أقسام المستعجلات في كل المستشفيات في الدارالبيضاء، عاشت ليلة مشحونة بالمشاهد المتكررة للاعتداءات التي رافقت الاحتفالات بذكرى عاشوراء، فيما اعتبره بعض مستخدميها «ارتفاع» غير مفهوم وغير مبرر لعدد المصابين، جراء التعرض للمفرقعات أو «الما القاطع»، أو نتيجة للاعتداءات التي تمت لمختلف الأسباب الممكنة. هذه مشاهد فقط من «سيبة » ليلة مفتوحة على كل الأخطار الممكنة … عاينتها الأحداث المغربية.