بقلم: عبدالسلام المساتي إن القول أن الحداثة توجد حيث توجد الدولة وحيث يوجد التاريخ (العروي) هو كفيل باسقاط الفكر القائل بأن العرب لم يعرفوا الحداثة الا بعدما غزاهم الغرب. ولكن هناك من يشترط في الدولة أن تكون حديثة حتى تتسم بالحداثة وهنا يأتي مثال الدولة القومية بالغرب،لنجد أنفسنا نسقط في صحة الاتهام الغربي للعرب. ولكن إذا اعتبرنا أن الحداثة قدر كوني وعصر تقني – كما يقول بذلك محمد سبيلا- فحينها يتأكد لنا أن وجود الغزو الغربي لم يكن ضروريا لوجود الحداثة العربية،بل نفهم أن الحداثة احتضان للتقدم الساسي والنهوض الاجتماعي والرفاه المادي والعقل العلمي والتقني،أما الحداثة الغربية فتمثل تهديدا للهوية وللذات الجماعية وأحيانا تمثل اغراءات واعية ولا واعية وتوقظ رغبة استهلاكية دفينة، وهذا ما سعى له الغرب. وكمثال على هذا النمط فقد حاول الفرنسيون من خلال وصولهم للمغرب بأن يجسدوا تلك الاغراءات التي توقظ الرغبة الاستهلاكية. فالحداثة بالمغرب تعرضت للتسلط الفرنسي. ان المراد قوله هو إن المغرب حسب الفكر الفرنسي كان يعيش حالة من الغربة والتهميش عن باقي العالم، كان مايزال مرتبطا بالتاريخ دون قدرة على الاتصال بالحاضر المعصرن، فجاءت فرنسا كمخلص من هذه الغربة وهذا التهميش، فأغلبية المفكرين الفرنسيين الذين اهتموا بالمغرب يدعون أن المغرب وضع قدما أولى فوق عتبة الحداثة بمجرد ما وصلته فرنسا وقامت بمجموعة من الاصلاحات التي قصدت الأرض ومن يسكن الأرض!!! لن نعود هنا للحديث عن الإصلاحات لأنها تجتاح معظم الكتب المهتمة بالموضوع ولكننا سنحاول أن نعاكس ماجاء على لسان صاحب كتاب «المغرب على عتبة الحداثة» فرديريك وايسجربر وغيرهم من الفرنسيين الذين ينظرون للمغرب كمستعمرة دونية. إن المتعارف والمتفق عليه دوليا هو أن لكل بلد ثقافته وهويته وحضارته المنفردة،ولا يمكن لحداثة أن تقوم من خلال مهاجمة واقصاء هذه الخصوصيات، ففرنسا قصدت أن تحدث انزياحا في هذه الخصوصيات مدعية أنها تعصرن وتحدث المغرب. وقد ذكرنا أن الحداثة قدر كوني فكان بذلك من الطبيعي أن يطرق المغرب أبواب الحداثة ولكن بطريقة لن تداس من خلالها الثقافة ولا الهوية ولا الحضارة… فرنسا أرادت أن تسرع الرغبة الاستهلاكية لدى المغربة فخلقت بذلك للحداثة معنى خاص بها… والحقيقة أن فرنسا أحدثت بالمغرب فعل التخريب مدعية أنه التحديث، وهنا لا بد أن نستحضر المثال الذي ساقه جاك بيرك في أحد كتبه عندما تحدث عن الفلاح المغربي الذي كان بمجرد ما يقابل احد الأجانب حتى يبادره بالسلام ودعوته لشرب كأس من الشاي، طبعا كان هذا خلال السنوات الأولى من الوصول الفرنسي ولكن مع مرور الوقت بالمغرب تحولت لغة الفلاح من السلام إلى بونجور وضحكة صفراء، وبدل دعوة الشاي يدعوك لتدخن سيجارة برفقته!! هذا دليل يقدمه بيرك ضمنا على أن فرنسا خربت الانسان المغربي وحولته إلى هيكل أجوف من كل الخصوصيات المغربية، حتى أن ليلى أبو زيد تذكر في روايتها «عام الفيل» أن المغربي الذي لا يعرف كيف يأكل بالسكين والشوكة يصبح مقصيا ومهمشا من الحياة الجتماعية والعامة،طبعا ليلى أبو زيد تتكلم عن هذا المشهد كونه خلاصة للسياسة الفرنسية بالمغرب خلال فترة الاحتلال(الحماية)، فهذا ما فعلته فرنسا بالمغربي.لنعد الى صديقنا وايسجربر الذي يسرد تصريحا للسلطان يوسف بن الحسن يقول فيه: «لولا المساعدة التي كانت من فرنسا لكان ضاع المغرب،فبفضلها أمكن أن يستتب الأمن والنظام وتتقوى السلطة الشريفة ويتكون مخزن جدير بهذا الاسم»هذا يدل على أن فرنسا أمكنها القيام بغسل دماغ للمخزن بالمغرب، هي ليست مسألة قوة عسكرية فقط بل مسألة تأثير هوياتي وثقافي…هذا وقد حاول الجاسوس الكاتب وايسجربر أن يهاجم ويدوس قيمة كل من يعتبرون أبطال الوطن أو من يحملون صيتا وطنيا كأحمد الهيبة وأحمد الريسوني ومولاي عبدالحفيظ الذي يقول عنه: «أضاع مولاي عبدالحفيظ الهيبة الشريفة بتجاوزاته والتسيب الذي طبع حياته الخاصة وما بدر منه في أواخر حكمه من استخفاف…»هذا الكلام يدل على أن وايسجربر كتب مؤلفه هذا بنزعة عنصرية واقصائية بعيدة عن المهنية والنظرة الوازنة… وليس الفرنسيين وحدهم من يشيدون ويكيلون الثناء لفرنسا نتيجة احتلالها للمغرب، بل هناك عديد الكتاب والمفكرين والأنتربولوجيين الأنجلوساكسونيين الذين سلكوا نفس منهج الفرنسيين فهذه الأنربولوجية «اديث وارتون» تهدي كتابها «في المغرب» لليوطي وزوجته، بل وخصصت فصلا كاملا للحديث عن اليوطي وإنجازاته بالمغرب،هذه الانجازات هي التي جعلت بيرك يقول أن الفترة الذي قضاها اليوطي مقيما عاما بالمغرب هي الفترة الإيجابية الوحيدة للاحتلال الفرنسي للمغرب! صحيح أن اليوطي أنجز كيلومترات طويلة من السكك الحديدية وأصلح البنية التحتية لكنه بالمقابل قتل عديد المغاربة، وهذا دليل على أن كل هؤلاء المفكرين لا تهمهم أرواح الإنسان المغربي بقدر ما تهمهم مصالح بلدانهم. هي إذن مؤلفات كثيرة ترى أن المغرب أنقذته فرنسا وأخرجته من الظلمات إلى النور ولكنها كلها مؤلفات اهتمت بالجوانب السياسية والعسكرية والسوسيواقتصادية/متناسية الجانب الثقافي والهوياتي والحضاري والسيكولوجي للمغاربة… وايسجربر واحد من هؤلاء الذين أطربهم العسكر والسياسة الفرنسيين حتى جعله ذلك يعتبر أن المغرب ولج عالم الحداثة بفضل فرنسا ولكنه نسي أن الحداثة ليست فقط عصرا تقنيا ولكنها أيضا حفظ للهوية والخصوصية.