في يوم الأحد التاسع عشر من غشت الماضي سوف يوقف طوني سكوت، المخرج البريطاني الشهير والأخ الأصغر للمخرج الشهير الآخر ريدلي سكوت صاحب «كلادياتور» و«أليين» وتحف سينمائية أخرى سيارته على الجانب الشرقي لقنطرة «فنسنت توماس» بلوس أنجلوس قبل أن يتخطى الحواجز ويقفز في اتجاه العمق السحيق للمحيط الهادئ.. أربع ساعات بعد الحادث، سوف ينتشل رجال المطافئ جثة طوني نحو المشرحة من أجل التشريح الطبي الذي قد يكشف عن معطيات قد تعيد النظر في فرضية الانتحار المروجة لحد الآن.. اشتهر طوني سكوت بأفلام حركة أثارت النقاد بحرفيتها/جماليتها العالية ورؤيتها الحداثية الصارمة ومنها «طوب كان» ( أواسط الثمانينيات مع توم كروز)، و«اسس ألاباما» أواسط التسعينيات مع دنزل واشنطن وجان هاكمان، و«عدو الدولة» سنة 1998 مع ويل سميث، و«مان أون فاير» سنة 2005 و«سبقت رؤيته» مع دنزل واشنطن سنة 2006، وأخيرا «قطار لايمكن توقيفه» ( مع واشنطن نفسه) وهو آخر ما وقعه سكوت قبل حادثة الانتحار.. في فيلموغرافيا سكوت أثارتني أكثر العناوين التالية: «المفترسون» ( مع دافيد بويBowie وكاترين دونوف في دور مصاصي دماء)، و«أسس ألاباما» و«عدو الدولة» و«سبقت رؤيته».. في فلم «المفترسون» الذي أخرجه سكوت سنة 1983 نقف على التوظيف الصارم والفعال للنظرة والصمت في الكشف عن الاشتغال المعقد للرغبة في الحب/الافتراس.. شاهدت الفيلم فيما أتذكر بداية هذه الألفية، وأثارتني بقوة تقنيته في استثمار ثقل الصورة وطول مقاطع الصمت و«ملل» الحكي في تقريبنا من مناخات الهوس بالتهام الآخر، الالتهام البيولوجي الكامل.. أما فيلم «أسس ألاباما» فلقد كان قويا في طرحه لفكرة توازن الرعب بين الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفياتي.. يصور الفيلم بتشويق حقيقي قصة غواصة أمريكية كانت قاب قوسين أو أدنى من إطلاق صواريخ نووية على الاتحاد السوفياتي بسبب أخطاء صارخة في قراءة رسائل استخباراتية.. دافع الفيلم بقوة على إعادة النظر في المفاهيم التقليدية للاستراتيجيا الأمريكية المتعلقة ب «قراءة» العدو.. أما «عدو الدولة» فهو من ذلك النوع من الأفلام التي توظف آخر مستجدات علوم الاتصالات/المراقبة الفضائية لمساءلة واقع الفرد في قلب أنظمة «ديموقراطية» تحصي أنفاسنا من كل جهة وصوب.. وأخيرا يطور فيلم «سبقت رؤيته» تقنية غير مسبوقة في حكي العلاقة بالذاكرة وبالمستقبل.. يحكي الفيلم قصة تفجير رهيب لباخرة في قلب نهر.. يبدأ التحقيق من حيث ينتهي: بالرغبة الجارفة في منع الفاجعة.. يطرح الفيلم سؤالا ميتافيزيقيا/علميا قويا: هل بإمكان العودة إلى الماضي أن تغير الحاضر( وقف الفاجعة)؟ سؤال يوظف طوني سكوت وسائل العلم الاتصالاتي الاستخباراتي الممزوج بعطر الميتافيزيقا لمحاولة الإجابة «السينمائية» عليه.. مع اختفاء طوني سكوت، تفقد السينما واحدا من المنتبهين الأساسيين لقضايا عصرنا.. يبقى أن ننتظر خروج فيلم «برومتيوس» سنة 2013 الذي اشتغل فيه الراحل مع أخيه ريدلي لنقع ربما على بعض ما قد يفك شفرة هذا الانتحار.. [email protected]