تغيرت أجواء ليالي رمضان بمدينة الجديدة، حيث اندثرت مجموعة من الطقوس التي تضفي عليه صبغة روحانية كما كان عليه الأمر في العقود الماضية، ليصبح المجال فسيحا أمام طقوس أخرى لا تخلو من حميمية بين الأفراد الذين تجمعهم المجالس و اللقاءات. فقد أخلف سكان الجديدة الموعد منذ سنوات خلت مع صاحب “الطبل” الذي يعلن بإيقاعاته الموسيقية عبر جولات ماراطونية بين دروب و أزقة المدينة عن دنو موعد السحور، حيث كان يجد في انتظاره الأصدقاء والجيران، الذين يروقهم الغناء والرقص على نغمات الطبل، ليعيش (الطبال) اليوم على ذكريات الأيام الخوالي بعدما تراجعت حفاوة استقباله إلا من طرف ثلة من شبان الأحياء الشعبية، الذين يلتفون حوله في رقصات بنكهة الموضة المتجددة كلما جمعت بينهم وبينه الصدفة في زقاق ما. فقد ليل رمضان بالجديدة ملامح ليالي الأمس الجميل، الذي كان فيه “الغياط” و “الطبال” و صاحب “النفار” يساهمون في خلق أجواء روحانية، سواء بإطلاق نغمات تنم عن ابتهالات تدعو للخشوع من فوق مآذن المساجد بالنسبة ل “الغياط” عقب الانتهاء من صلاة التراويح، أو نغمات تدعو السكان إلى تراويح الفجر و تناول وجبة السحور في أجواء من التضرع بالنسبة لصاحبي الطبل و النفار. بدورها اختفت حلقات النسوة اللائي كن يفترشن الأرض أمام عتبات المنازل لتجاذب أطراف الحديث و سرد الحكايا في انتظار قدوم “الطبال”، و ألعاب الأطفال الذين كانوا يركضون فرادى و جماعات بين الأزقة و الدروب محملين بالشموع المضيئة وسط علب حديدية مرصعة بالثقوب أو ما يصطلح عليها لعبة “القنديل”…وفي مقابل ذلك، ظهرت طقوس جديدة جعلت طابع السهر يطغى على جل فترات الليل الرمضاني بالجديدة، حيث باتت تنشط مجموعة من المقاهي والعلب الليلية في تقديم عروض و لوحات موسيقية شعبية باعتماد أجواق و فنانين محليين. ولعل فسح المجال لهذه المقاهي والعلب الليلية بإحياء سهرات موسيقية وراقصة، يأتي لسد الفراغ الذي يتركه غياب العمل الجمعوي، وانعدام برامج ملائمة من قِبل القائمين على الشأن الثقافي والفني سواء في مندوبية الوزارة الوصية أو المجلس الجماعي. فلعبة الورق أضحت منتشرة بدورها في العديد من المقاهي التي يرتادها الزبناء من أجل تزجية الوقت الرمضاني في جو لا يخلو من صخب ومرح وقمار، بالإضافة إلى مقاهي الشيشة، التي أصبحت غاصة بزبناء لم يجدوا ملاذا لقضاء ليلهم سوى فوق أرائك هذا النوع من المقاهي التي تحولت إلى فضاء مفضل للشباب من كلا الجنسين نظرا لما تقدمه من خدمات تساعد على خلق جلسات حميمية تمتزج فيها لحظات الانتشاء بروائح “المعسل” وسهرات الأنس بين شبان وشابات، بعيدا عن أعين الآباء أو مداهمات رجال الأمن و السلطة. الجديدة : عبدالفتاح زغادي