وقد كان الدرس الحسني لوزير الأوقاف أمام أمير المؤمنين أكبر تجل وتطبيق لخطة العمل هذه، ولتلك السياسة العاملة على خلق ظاهرة صوتية داعمة للثوابت المغربية قولا وتصدير مشاريع تطبيقية ناسفة لأسس إمارة المؤمنين عملا، وداعمة لتقوية مشروع التهريب الديني الذي تعطى له كامل الحرية في العمل وفي التحرك الزئبقي باستمرار، وبدعم كامل من وزارة الأوقاف، الذي يؤطره حزب العدالة والتنمية وملحقاته الجمعوية الدعوية الأصولية الذكورية والأنثوية والشبابية منهم وهلم جرا، وفق قاعدة تقول وتقضي بتقديم الولاء السياسي الكامل للملك وبالمقابل العمل على مصادرة الشرعية الدينية منه كأمير المؤمنين عمليا وتطبيقيا، مع الإقرار له بها قولا وشعاراتيا وإعلاميا لمراوغة رقابة فعاليات المجتمع المدني الرافضة للسطوة الأصولية على الحقل الديني، وهو ما يلمس المتلقي تكراره اللفظي في خطابات ابن كيران إلى حد الملل، وإلا فليقل لنا السيد التوفيق: من هم هؤلاء الذين يمكنهم تحصين ثوابت الهوية الدينية المغربية من الذين يرأسون الآن المجالس العلمية ويسيرون الحقل الديني؟ هؤلاء الذين تحولوا إلى مدرعات طاحنة لا تخفي تبنيها لمشاريع التهريب الديني، ولا بد من أننا في قراءتنا لهذا الواقع من منطلق رفضنا القاطع لنظرية المؤامرة، كنا في البداية ومن حسن نية نعتقد أن هذه المدرعات الأصولية التي تقف شامخة على رئاسة المجالس العلمية كجبل أحد، مجرد انفلاتات غير مقصودة، بل مهربة، لكنه تبين فيما بعد وبناء على طول زمنها وعلى الإحصاءات ورصد أفعالها، والتتبع الدقيق لبرامجها، ونتائج وسلوكات هؤلاء أن الأمر مسير لا مخير، وتبين فيما بعد بأن نسف الثوابت الدينية للمملكة عبر تفويتها العملي للأصوليين الإخوانيين المتمشرقين ليس مجرد انفلاتات إنما هو مشروع سياسي مواز ترعاه وزارة الأوقاف عبر خطة عمل متكاملة، الأمر الذي حول شخصيات علمية مغربية أصيلة من خطها الهوياتي المغربي التاريخي إلى شخصيات تخدم المشروع الأصولي من داخل وزارة الأوقاف بحرارة مسيرة لا مخيرة، فنحن في قراءتنا للفاعلين الدينيين نسمي الأشياء بمسمياتها، ومن منطلق علمي لا سياسي، فإذا كنا نعتبر أن الدكتور بنحمزة عريق في الأصولية منذ أن عانق هذا الحقل أي منذ مراهقته إلى شيخوخته، فإننا لا نعتبر الدكتور أحمد التوفيق المؤرخ المغربي والمتصوف والروائي أصوليا، ولا نعتبر الدكتور يسف رائد البحث العلمي في الرواية المغربية للسيرة النبوية أصوليا(أطروحته في الدكتوراه في هذا الموضوع)، فهو أحد أعمدة المدرسة المغربية في البحث العلمي الشرعي، وهنا يبزغ السؤال: ما الذي حول هتين الشخصيتين العلميتين من خدمتهما الهوية المغربية إلى خادمة ومروجة وحامية للمشروع الأصولي من داخل مِؤسسات الأوقاف، بمجرد تقلدهما مهام تدبير الشأن الديني؟ إلى الحد الذي أصبحا فيه يقومان مع غيرهما من الأصوليين المتجذرين في الأصولية بمحاربة وإزاحة الشخصيات المتشبعة بالهويةالمغربية من المجالس العلمية، ومن مواقع المسؤولية لتعيين المهربين والأصوليين مكانهم؟ حقا إن هذا للعجب، بل إن هذا لشيء عجاب حقا وحقيقة، وربما لذلك تم التمديد فيه للسيد توفيق فاستمر في تدميره، عفوا في تدبيره لوزارة الأوقاف مع الحكومة الجديدة، مع أنه كان قد تم الترويج وبقوة اقتراح اسم مصطفى بنحمزة لوزارة الأوقاف، وربما لصفاء أصولية السيد بنحمزة منذ مراهقته وإلى الآن، حالت دون ذلك، مع الإشارة إلى أن الدكتور التوفيق كان ومنذ تعيينه يتقن تلك الازدواجية الخطابية عبر ترويجه خطابا ظاهره الرحمة من المغربة والثوابت والهوية والتاريخ وهو ظاهر ظل صوتيا، أما باطنه فعذاب ويقوم على التمرير العملي في تدبير الشأن الديني للحزب الأصولي ولحركاته الموازية وبشكل مباشر من داخل مساجد المملكة، في حين أن السيد بنحمزة لا يخفي انتماءاته الأصولية عبر خطاباته وأعماله اليومية، بحيث لم يكتف بالمساجد لإشهار المشروع الأصولي فحسب ، بل انتقل إلى حقول الاقتصاد والجمعيات والتعليم العام والخاص، بل انقض على أراضي الأوقاف لبناء مركز ضخم سماه” مركز دراسات” لامتصاص كل الأنشطة الثقافية في الجهة وخونجتها وجدولتها أصوليا وبأموال الأوقاف والجهة والجماعة، وتم تقديمه لأمير المؤمنين لتدشينه تحت عنوان تنموي، مع العلم أن كل هذه الأنشطة قد حولت الجهة الشرقية إلى منطقة عازلة قتلت الهوية الدينية المغربية من مساجدها ومن كليات جامعتها، ونجحت بذلك في عملية الاغتيال العملي لإمارة المؤمنين بصورة بارعة وخلاقة، تظهر وكأنها خادمة لإمارة المؤمنين؟ وبأموال ضخمة تتحرك باسم أرباب العقار وباسم المحسنين، كما أطلق السيد بنحمزة سطوته إلى درجة جعلت الكل يخافه وينافقه إما رغبا وإما رهبا، فبإمساكه مفاتيح أرباب العقار والمساجد والمنابر والجامعة أصبح بالنسبة للكثيرين سلما للارتزاق الأصولي، ولم يستطع أحد نقده أو اعتراضه، ولذلك تم الدفع بقوة بالسيد بنحمزة في اتجاه المشاريع العملية ذات العناوين الدينية السالبة شرعية وعمق إمارة المؤمنين، إلى درجة أصبح فيها السيدان يسف والتوفيق يتوجسان خيفة منه ويضخمان صورته في كل الميادين كعلامة رغم أنه لم يكتب أي كتاب نقرؤه له ويثبت من خلاله أعلميته، بل إن بنحمزة رأى بأنه من المستحيل الانقطاع عن مشروعه هذا في الجهة الشرقية ولذلك كان قبل مدة حينما تم اقتراحه لتأطير الجالية المغربية في بلجيكا أصيب بالصدمة المرضية، وأصابه شلل في نصف وجهه، لأنه اعتبر أن هذه مؤامرة لاغتياله سياسيا من الجهة وتهجيره منها ، لكنه تم التراجع عن هذا الاقتراح استجابة لإصراره ومقاومته وتفعيل علاقاته ومراكز ثقله التي خزنها منذ سنوات ، فتم تعيين أحد تلامذته الأصوليين مكانه، فأصبح بذلك السيد بنحمزة هو وزير الأوقاف الحركي العملي والفعلي، أما السيد التوفيق فهو الوزير الرسمي الإعلامي والصوتي . لكن السؤال المحير الذي يلاحقنا في هذه السياسة الأصولية المتبعة والقاتلة لإمارة المؤمنين، هو أنها كان ينظر إليها على عهد المدغري بأنها ضرورة” سياسية وشرعية” لمحاربة اليسار والشيوعيين، لكنه الآن لم يعد هناك يسار يخيف سياسيا؟ فمن المقصود بالمحاربة إذن من خلال هذا الزحف الأصولي القاتل للهوية المغربية؟ ربما أحس الوزير بثقل السؤال فحاول الدكتور التوفيق اختلاق جواب عنه من خلال درسه الحسني الأول في حديثه عن العلمانيين والحداثيين والأمازيغيين، ونحن بدورنا نسائل السيد التوفيق: هل هؤلاء الذين ذكرهم يحاربون ويعارضون ثوابت الهوية الدينية المغربية التاريخية؟ وهنا قد لا يخفى الجواب عن السيد توفيق بأن هؤلاء الذين ذكرهم لم يحاربوا يوما إمارة المؤمنين بصورتها ومعانيها المغربية المنفتحة على التحديث، وهو الأستاذ المؤرخ يعلم قبل غيره بأن إمارة المؤمنين لم تكن يوما في رعايتها للشأن الديني والسياسي أصولية، فهل خرج علينا يوما أمير المؤمنين على غرار خرجة المدعو نهاري بقوله في حق مواطنيه: ” اقتلوا من لا غيرة له”؟؟ مع لفت الانتباه إلى أن نهاري ما هو إلا ثمرة علقمية من بذور زراعة بنحمزة، فنهاري هذا ترعرع في منابر مساجد وجدة تحت إشراف وإجازة وترخيص وحماية السيد بنحمزة، وكثيرا ما رافقه إلى أوربا، ويعمل بكل جهده في الدعاية الانتخابية لحزب العدالة والتنمية إبان الانتخابات، وقد تم إرساله مؤخرا إلى أمريكا حتى تبرد قضية إهداره دم السيد لغزيوي ليعود بعدها سالما غانما. فالسيد التوفيق إذن حينما يتحدث عن العلمانيين والأمازيغيين والحداثيين ليضعهم في مواجهة إمارة المؤمنين، يختلق أعداء وهميين وافتراضيين لإمارة المؤمنين ليخرج نفسه من ورطة وثقل السؤال، ويفتح ساحات وغى، وبعلم منه أنها مزيفة، وليست مطروحة أصلا، لتزييف المعركة الحقيقية، ولإخفاء أطراف الصراع الحقيقيين، من أجل شرعنة وتقديس تفويت تدبير الشأن الديني في المملكة للأصوليين المهربين من دون نقد ولا نقاش، والنتيجة الأخطر في الأمر هي أن هذا التخريب الممنهج والمنظم للشأن الديني ولثوابت المملكة يتم باسم أمير المؤمنين، والنتيجة المباشرة هي اغتيال إمارة المؤمنين ببرودة قاتلة، وعلى أعين الجميع بدون أن يستطيع أحد نقد جريمة الاغتيال هذه، كما أن ذلك الجواب الملغوم الذي ألقى به الوزير سيؤدي إلى خلق صدام بين الفعاليات والقوى الحداثية، وبين إمارة المؤمنين، وهو ما يفسر تهميش الأصوات العلمائية الأصيلة في دفاعها عن ثوابت الهوية الدينية المغربية بمنهج حداثي معاصر، فقد تم إقصاء العلامة أحمد الخمليشي من لجنة إصلاح القضاء من ضمن الأسماء التي اقترحها الرميد لتشكيل اللجنة، فضلا عن إبعاده من كل أنشطة وزارة الأوقاف، بل إن السيدين التوفيق ويسف قاطعا ندوة كلية الحقوق بالرباط لتكريم الدكتور الخمليشي، كما بينت مقاطعة التوفيق ويسف وبنحمزة للمجلس الوطني لحقوق الإنسان ضدا على الدكتور أحمد العبادي، وتكررت مضايقات الأسماء الأصيلة في عدة مواقع في مندوبيات الأوقاف ومنها معاناة الدكتور محمد المرابط في طنجة، والدكتور سوسان في الحسيمة والدكتور غاني في وجدة…، بأن هذه الحلقات منظمة ضمن مسلسل مبرمج وليست أخطاء. ونحن نكرر مساءلتنا للدكتور التوفيق: كيف يمكنه تحصين ثوابت الهوية الدينية المغربية التي يتحدث عنها بحرارة في درسه أمام أمير المؤمنين، عبر تعيين أسماء ثقيلة الوزن الأصولي والهدامة للهوية المغربية في مواقع تدبير الشأن الديني؟ مع إقصاء وتغييب أسماء العلماء المغاربة المؤمنين حقا بثوابت الهوية الدينية المغربية، قولا وعملا وعلما، فمن من هؤلاء كتب لنا ما كتبه العلامة الخمليشي في جمعه بين الفقه والقانون المدني والجنائي؟؟ وهو الذي خاض ضد الأصوليين حربا شرسة لتحرير المرأة، وواجهه أحد أباطرة التهريب الديني ضمن اللجنة في نقاشات إصلاح المدونة بقذف وسوء أدب لمجرد اقتراح العلامة الخمليشي استبدال مصطلح النكاح بالزواج في المدونة. ونكرر السؤال للدكتور التوفيق: هلا قدمت لنا تقويما لحصيلة الزراعة الأصولية في مواقع تدبير الشأن الديني في المملكة؟ مع العلم أن النتيجة واضحة فاضحة تشير إلى تضخم الجسد الأصولي ليس في ملحقات وزارة الأوقاف في الداخل والخارج فحسب، بل في كل المؤسسات والقطاعات سياسيا واجتماعيا ومدنيا وثقافيا، من أجل ماذا؟ والجواب هو: من أجل إخراج المغرب من خصوصيته وهويته وإيصاله وتقريبه مما تعيشه الآن تونس وليبيا ومصر وسوريا… ولذلك قلنا ونكرر القول إن تحزيب وتخريب وتسييس وخونجة إمارة المؤمنين عبر هذه السلوكات المنظمة والتي تعمل من خلالها على إفراغها من المخزون الهوياتي المغربي، بكل ما تحمله من ثوابت الهوية الدينية والمدنية والثقافية المغربية والعمل على إملائها بالثقافة الأصولية المهربة من المشرق، وذلك عبر واجهات متعددة وعلى رأسها الحركات الأصولية التي تظهر علمانية في سلوكها الحركي على أساس انشغالها الدعوي في مجتمع مسلم أصلا ومنذ قرون ، ومنها جمعية االمغراوي( الذي أظهرت مجلة أكتييل خطورته على المغرب في ملفها حوله أخيرا) وجمعية مصطفى بنحمزة التي تتحرك بأموال طائلة وفي كل مؤسسات الدولة وعبر رزمة من جمعيات تم تفريخها، في الوقت الذي لا يرى فيه حزب العدالة والتنمية مانعا من تقديم الولاء السياسي للملك مادامت وزارة الأوقاف قد سلمته حقول العمل الديني في المؤسسات الرسمية والمدنية، وذلك لمصادرة الشرعية الدينية لإمارة المؤمنين على مستوى المضامين العملية، والاعتراف بها شكليا لإظهار استقلاليته ظاهريا، وما يستحق التسجيل في هذا الصدد هو أننا نلاحظ مؤخرا كثيرا من الأسئلة تنهال بأسواطها جلدا على ظهر ابن كيران، ومضامين هذه الأسئلة استفسارات عن لغز تخلي ابن كيران بصفته رئيسا للحكومة عن صلاحياته الدستورية للملك، وكثرت الإجابات المسوغة لهذا الاستفسار اللغز، فمنها من ذهب إلى أن تخلي ابن كيران عن صلاحياته الدستورية يعتبر جبنا منه وانبطاحا وردة سياسية عن عنجيته التي كان يمارسها في المعارضة، ومنها من ذهب إلى تفسير ذلك التخلي بأنه إظهار لحسن النوايا من ابن كيران، وطمأنة منه للملك حتى يتسلم المفاتيح الحكومية مثنى وثلاث ورباع، وبالتالي هو تكذيب منه لمنتقدي حزبه الأصولي وماكياج مدني لإخفاء المخالب والأنياب الأصولية لابن كيران وحزبه ، ويستدلون على هذا التفسير بقمعه لبرلمانيه المسمى أفتاتي الذي يحاول الحديث بأنياب ومخالب بارزة، الأمر الذي يفسد ويكشر الضحكات الدائمة لابن كيران والعثماني….، لكننا نرى الأمر أكبر من ذلك ونذهب في تفسيرنا المتواضع لقراءة ما أصبح يسمى “بتخلي ابن كيران عن ممارسة صلاحياته الدستورية” هو أن ابن كيران وحزبه يقدم كل ولاءه السياسي وصلاحياته السياسية والدستورية للملك، شريطة أن يتسلم منه الصلاحيات الدينية التي تختزنها إمارة المؤمنين، من أجل إفراغها من ثقلها وقوتها الاستراتيجية، لأن ابن كيران وزملاؤه يدركون جيدا بأن القوة تكمن في هذا الحقل الديني، وإذا ما منح لهم واستمروا في الزحف عليه فإنهم لن يكسبوا الصلاحيات الدستورية لرئيس الحكومة فحسب، بل سيكتسبون صلاحيات أمير المؤمنين وبالتالي سيبتلعون الدولة بأكملها وبما فيها. وفي الأخير نقول إنه واهم من يظن أنه قد يراهن على الأصولية السياسية لحماية الفساد داخل الحقلين السياسي والاقتصادي المغربي، ومن يفعل ذلك سيؤدي حتما إلى إحراق الوطن بأكمله، ولعل هذه الصورة هي نفسها التي شاهدناها الأسبوع الماضي في اعتقال المسؤول عن إحراق غابة الشاوي بطنجة، فقد حاول الجاني حسب اعترافه إشعال جزء من الغابة للفت أنظار مسؤولي إدارة المياه والغابات لإعادة تشغيله، لكن قوة رياح الشركي أفقدته السيطرة على الحريق الذي أشعله، فامتدت النيران على إحراق 170 هكتار من الغابة، وهكذا خسرنا الغابة وحرية الجاني، ولم نربح شيئا، فهؤلاء المراهنين سياسيا على النيران الأصولية يفعلون الشيء ذاته، في انتظار الرياح المشرقية الحارقة للهوية المغربية والمدمرة لأبناء الهوية، وفي الأخير لا يسعنا إلا أن ننهي مناقشتنا الودية لدرس معالي الوزير بقوله تعالى من سورة النور:”إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبوه هينا وهو عند الله عظيم ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين”.