يحجّون إليه من كل حدب وصوب، يأتون فرادى وجماعات من جميع الأعمار وجميع الطبقات الاجتماعية، فيهم الغني والفقير كما فيهم الأمّي والمتعلم والمثقف…إنهم أشخاص يختلف سبب قدومهم إلى ملعب سباق الخيل بمدينة أنفا بالدار البيضاء، فمنهم من يأتي لمشاهدة الخيول والاستمتاع بهدوء المكان ومنهم من أتى رفقة صديق…لكن الأغلبية الساحقة من زوار “الكورس” تأتي بغرض المقامرة وكلها أمل في الفوز بمئات أو آلاف الدراهم التي قد تجود بها نواصي الخيل، لكن. - الله يعطيك “القمرة” يقول أحد المواظبين على القدوم إلى ملعب سباق الخيل أنفا بالدار البيضاء إن قصته مع الخيول ابتدأت قبل حوالي 18 سنة، حين رافق احد أصدقائه إلى ملعب سباق الخيول رغبة منه في إشباع فضوله، لكنه لم يكن يعلم حينها أن هذه الزيارة ستقوده إلى أعماق القمار، وذلك بعد أن أصبح مدمنا على الرهان في ملعب سباق الخيل بالدار البيضاء، بل أصبح يتنقل إلى مدن الرباطوالجديدة وسطات، التي تنظم بها سباقات الخيل. “حبيبي”، هذا هو لقبه، يقول بنبرة اختلطت فيها الفكاهة بالحسرة “إيلا بغيتي العذاب لشي واحد دعي عليه وقول الله يعطيه القمرة”، حيث يؤكد أن القمار لم يترك له شيئا، وكان عائقا كبيرا أمامه لتحقيق العديد من أمور الدنيا، خصوصا أنه موظف عادي يتلقى راتبا متواضعا، لا يكفيه حتى لسد حاجياته الضرورية. - وللملاكة رأي يرى المراهنون مالكي الخيول بعين الحسد في بعض الأحيان، حيث تظن فئة كبيرة من المقامرين أن مالكي الخيول “كلهم فلوس” وأنهم هم من يستفيد من الأموال التي يخسرها المراهنون بحلبات السباق، غير أن فئة أخرى من المراهنين ترى في مالك الخيل شخصا يعاني بدوره داخل عالم الخيول، خصوصا حين يصاب حصان بكسر(كما حصل يوم الجمعة الماضي) أو حين يموت أحد الأحصنة داخل حلبة السباق، وهو ما يعد خسارة كبرى له. الملّاكون مثلهم مثل المقامرين، منهم المتعلم والأمي والغني ومتوسط الحال… أحد ملاكي الخيول الذي يتوفر على إسطبل بمدينة الجديدة أكّد لموقع”أكورا” أن العديد من الملّاكة واصلاهم للعظم” لكن عزة النفس وتاريخ العائلة الذي يطبعه حضور الفرس يجعل هؤلاء المالكين يبتعدون عن فكرة تغيير النشاط أو التخلي عن تربية الخيول، مؤكدا في نفس الوقت أنهم يتكبدون خسائر مهمة بالإضافة إلى المصروف اليومي للخيول من أكل وتدريب ومصاريف العاملين بالإسطبل…حيث يقول هذا الملّاك ” إن المراهنين لا يأخذون هذه الأمور بعين الاعتبار، فكل ما يهمهم هو اللعب والربح ويقولون بأننا شبعانين فلوس، وهذا ليس صحيحا”. - زيد أخويا هنا ملعب سباق الخيل بالدار البيضاء، نحن الآن وسط الفيلات الفخمة بمنطقة أنفا وبالضبط قرب القصر الملكي، الخيول تتبختر وسط “البادوك”(وهي المنطقة التي تعرض فيها الخيول قبل السباق)، الكل هنا في سباق ضد الساعة يحمل في يديه برنامج السباقات وقلما وبعض الأوراق، “أشنو عندك؟” هذا هو السؤال الذي يطرح عشرات المرّات قبل السباق، حيث الكل يسأل عن “الفافوري” و”الطوكار” وهل هذا الحصان يقدر على هزم الحصان الآخر، وهل يقدر مثلا حصان تابع لحريسة غير مشهورة أن يهزم أحصنة الحرس الملكي…قبل أن ينطلق السباق، يتوجه المقامرون إلى الشبابيك لتقديم رهاناتهم، أقل مبلغ يمكن المراهنة به هو 12 درهما و”أنت وجهدك”، كما يقول أحد المراهنين الذي رافقنا خلال هذه الجولة. تعطى إشارة انطلاق السباق لتنطلق الخيول مسرعة عبر المضمار، وما أن تقترب الخيول من خط الوصول حتى تتعالى أصوات المراهنين وتختلط بأصوات مالكي الخيول، حيث لا تسمع إلا عبارات من قبيل “زيد أخويا” “آآلي عبد الله”، “واضرب وا ضرب”…لتخفت الأصوات بعد نهاية السباق وتتركز العيون على الأوراق، حيث يطأطئ الجميع رؤوسهم للتأكد من الأرقام التي راهنوا عليها ويقارنوها بالوصول النهائي للسباق، الذي يتم الإعلان عنه عن طريق مكبر الصوت. بعد إعلان الوصول النهائي، هناك من يتجه إلى الشباك ليحصل على غنيمته، وهناك من يمزق الأوراق التي لعبها وهو يسب ويلعن “الجوكي”(راكب الحصان) أو مالك الحصان، ممنيا النفس بتدارك هذه الخسارة خلال السباق المقبل أو خلال الأسبوع المقبل، لتستمر رحلة المقامرين في الجري وراء ربح قد يكون أو لا يكون.