بقلم: د.حبيب عنون، باحث في العلوم الاقتصادية والاجتماعية [email protected] تخليق الأسلوب الخطابي والتواصلي قبل تخليق تدبير الشأن العام شهدت قناة “ميدي 1 تيفي” بكون أبرز حدث شهده المغرب وعلى الخصوص المشهد السياسي المغربي يكمن في ترأس حميد شباط منصب الأمانة العامة لحزب الاستقلال بعد (الحدث الأول) فوز حزب العدالة والتنمية برئاسة الحكومة الحالية. إلا أن هذه الشهادة لا تبدو في محلها لكون ما كان للمشهد السياسي المغربي أن يتغير لولا الجدلية التاريخية الجيلية (dialectique historique générationnelle) التي شهدتها البلاد والتي لم تعرف نوعا من الهدنة إلا بعد الخطاب السامي ل 9 مارس الذي انبثق عنه دستور 2011 . وبالتالي فالحركية الشعبية المغربية هي الحدث الأبرز أما ما شهدت به قناة ميدي 1 إنما هو تبعات هذه الحركية. على أية حال لكل زاويته في تحليله لمجريات الأحداث. أما الأهم قد يكمن في كون المواطن المغربي قد اتضحت له، بفضل حميد شباط، معنى المصطلحات الدخيلة على قواميس العلوم السياسية والاقتصادية (العفاريت والتماسيح…)، حينما صرح في تعقيب له عن نعت سبق وأن نعته به السيد ابن كيران، بأن ” العفريت لا يصف إلا العفريت ” لتتجلى كذلك نوعية الخطاب السياسي الرديء الذي باتت تتميز به بعض فعاليات المشهد السياسي المغربي. وهذا النحو من الخطاب الذي يقتحم المواطن في عقر داره لن ترض به قواعد حزب الاستقلال ولا تلك الأحزاب التي تعتبر نفسها وليدة الحركة الوطنية المغربية وبالتالي فأعتقد أنه سيكون من اللائق تخليق الأسلوب الخطابي والتواصلي قبل الحديث أو الشروع في تخليق تدبير الشأن العام علما بأن الخطاب والسلوك التواصلي يبدأ من الدائرة والمقاطعة والإدارة ليبلغ أوجه داخل قبة البرلمان حيث بات المواطن المغربي يعزف عن متابعة جلساته بالنظر لنوعية الخطاب والحوار المتداول بين من آمنهم الشعب على تدبير شؤونه العمومية. ومما لا ريب فيه أن هذا النوع من التواصل هو من جعل الحوار يتوجه نحو الاشارة إلى أنه هناك ربما نوع من التقارب أو التشابه بين السيدين ابن كيران وشباط. هل ينوي السيد شباط استغلال تعثرات الحكومة القائمة؟ من يوجد في موقع قوة لا يحاول أن يدافع عن نفسه ولو حتى على حساب تاريخ حزبه. من العجب أن كل من صعد إلى منصة إلا واتخذ مصطلح الشعب ذريعة تمويهية لتمرير خطابه ولتعليل سلوكه. ما لا يستساغ هو كون حميد شباط الذي يطالب بضرورة تعديل حكومي آني معللا فتواه بعدم فاعلية ونجاعة العمل الحكومي الحالي والناجمة عن عدم احترام حزب العدالة والتنمية للإطار المرجعي التشاركي القائم “صوريا” بين الأحزاب المشكلة للحكومة مزكيا طلبه بالاحتقان الاجتماعي القائم الناجم عن تسرع وزراء العدالة والتنمية في اتخاذ قرارات أحادية . احتقان اجتماعي الذي حسب قوله قد يوقد من جديد مرحلة ما قبل 9 مارس. وبخطابه هذا فهو يحاول إبعاد أي فشل حكومي عن وزراء حزبه. لا يمكن للسيد حميد شباط أن يتناسى بكون الشعب الذي يعبث بمصطلحه كان بالامس القريب يطالب بضرورة إسقاط حكومة عباس الفاسي الأمين العام السابق لحزب الاستقلال وعلى هذا الأساس تقدم بخطاب سياسي يؤكد فيه على ضرورة إرساء الديمقراطية والتغيير داخل الحزب وأن حقبة حزب “العائلة” والريع السياسي قد ولى. إلا أن السيد شباط بخطابه هذا لم يدرك أنه ربما “يحفر قبر حزبه بيديه” لكون ما صرح به شهادة جلية، خصوصا اتجاه مناضليه الذين تبينت لهم حقيقة حزبهم، على أن الحزب ومنذ الاستقلال كان حزب “عائلة” ولم يكن حزبا للمواطن المغربي بل منحصرا على “العائلة الفاسية”. ألا يدري حميد شباط أنه بخطابه هذا فهو يطف صفة سوداء على ماضي الحزب وقياداته السابقة؟ أو أن المراد من خطابه ينسجم مع الحقبة الانتقالية، حقبة “عفا الله عما سلف” أي عفا الله عن ما قام به وزراء حزب الاستقلال طيلة تدبيرهم للشأن العام وأن الاعتراف بالخطأ، فضيلة حسب قوله؟ معاتبة الحكومة ومعانقة المعارضة لم ينسلخ بعد حميد شباط من “جلباب النقابي” ليتكيف مع “السلهام الحكومي” ذلك أن مضمون حواره مع قناة ميدي 1 كان مكسوا بالضبابية والتناقضات. الضبابية من حيث لا توضيح للبديل أو للتعديل. هل التعديل يهم وزراء حزب الاستقلال أم يهم التركيبة الحكومية؟ فأما إذا كان يهم وزراء حزب الاستقلال فهذا إما انتقاد لاختيارات الأمين العام الاستقلالي السابق وإما رغبة من حميد شباط في استبدال الوزراء الموالين ل”العائلة الفاسية” بالوزراء الموالين له. وهذا نهج متناقض في مضمونه لكون القرابة والزبونية تبق هي المعيار في غياب ديمقراطية حزبية داخلية. وبالتالي فالخطاب الذي كان موجها للشباب قصد الالتحاق بالأحزاب كان مجرد خطاب عبثي. أما إذا الأمر يتعلق بالتركيبة الحكومية فهذا سبيل له مسطرته الدستورية وكان بالامكان إيجاد صيغة له في إطار تشاوري مع باقي مكونات أحزاب الحكومة. ومن المحتمل أن هذا التعديل في تركيبة الحكومة قد ارتأى حميد شباط أنه لا قابلية لرئيس الحكومة لمناقشته الأمر الذي دفع بشباط لاحياء إشكالية محضر 20 يوليوز ومحاولة المعانقة الباهتة لأحزاب المعارضة. ما زال المواطن المغربي شاهدا على النعوت والصراعات التي كان يصدرها حميد شباط في حق حزب الأصالة والمعاصرة بمدينة فاس وما زالت التسجيلات شاهدة على تلك الوقائع. كيف يمكن للمواطن المغربي أن يولي ثقته لرجل (لا أجرؤ على قول “لسياسي” لكون الأمر دون ذلك) تختلف خطاباته مع اختلاف مناصبه؟ أمر عجيب لا سابق له أضحك منشطة البرنامج إكرام بنشريف حين وجدت نفسها أنها أمام ممثلي حزبين واحد في الحكومة والأخر في المعارضة متبنين لنفس الخطاب التيئيسي السلبي. حتى الطالبي نفسه باتت على وجهه ابتسامة “تهكمية” حينما صرح بكون الاستقلاليين كانوا عقلاء عند تعيينهم لشباط كأمين عام “فتي” وحين أحس بأن خطاب شباط إنما هو تعزيز لخطابه أي أن حميد شباط وجد نفسه في وضعية “وشهد شاهد من أهلها”. موقف لا تحسد عليه كأمين عام لحزب علال الفاسي وأنت تتلقى التوصيات والتعليمات من الطالبي الذي أحسن اقتناص فرصة ذهبية حين مضى بتزكيتكم كفاعل حكومي في أمركم بما وجب عليكم القيام به. من الأكيد أن الاستقلاليين لن يتقبلوا “جمود” أمينهم العام في هذا الموقف. الانشقاق المحتمل في حزب الاستقلال لن يتيه المواطن المغربي في ثنايا الخطاب التمويهي للأمين العام لحزب الاستقلال حميد شباط لكون ما قام به إنما هو ليس تشويه لحكومة ابن كيران التي لم تلتحق بالحكومة إلا منذ سنة بل هو أعمق وأخطر من ذلك، وهذا الواقع يعه حق وعيه عقلاء حزب الاستقلال، بل هو تشويه علني ومجاني لحزب عايش تدبير الشأن العام لسنين خلت. بل هذا اللغو قد يحرج حتى الأحزاب التي كانت تشكل لجانب حزب الاستقلال الحكومات السابقة . ذلك أنه عندما يتكلم عن مشاكل التعليم والصحة والنقل والمأذونيات وغيرها فهذا ليس بوليد اليوم أو بوليد سنة على تولي ابن كيران رئاسة الحكومة بل هي وليدة سوء تدبير حكومات سابقة كان حزب الاستقلال فاعلا أساسيا فيها في حقبة لم يكن فيه العدالة والتنمية حزبا معترفا به من بين الفعاليات السياسية. كم من حوار اجتماعي قادته الحكومات السابقة التي كان فيها حزب الاستقلال فاعلا أساسيا وماذا عن نتائجها. لم تكن بحوارات ولكن كانت بتغاضي جهة عن جهة تحت غطاء التوافق. لا يا سيد شباط لن تستقطب المواطن المغربي على هذا النحو لأن المواطن المغربي بات على بينة لحقيقة بعض الفعاليات السياسية ولحقيقة تدبيرها لشأنها العام. كما أنه ليس على هذا النحو ستساهم في تلاحم المشهد السياسي المغربي كما أنه ليس على هذا النحو ستساهم في خدمة مصلحة البلاد وما أشرت إليه من إمكانية الرجوع إلى ما قبل 9 مارس فهذا السبيل هو ليس بيدك وليس بيد حزبك الذي تسير في تفكيكه بل هو في يد الشعب المغربي والذي لو تأملت في الشعارات التي رفعها لاستنجت ما وجب استنتاجه بمعنى أن الشعب المغربي قد وجه نداءه لعاهل البلاد متجاهلا لتلك الأحزاب المتهالكة والتي أبان واقع المواطن المغربي أنها كانت خائنة لأمانة صوت وثقة المواطن المغربي بخصوص تدبير شأنه العام. منذ ثلاث أو أربع سنوات حررت مقالا تحت عنوان “بداية العد العكسي لعمودية شباط في العاصمة العلمية” وربما نحن الآن أمام “بداية العد العكسي لتفكك حزب الاستقلال”.