بقلم: ذ. بدران محمد (إيطاليا) لم تكد تمرّ على هدوئي وسكوني ساعات، أو ربمّا تتوالى على جفوني رمشات، تأخذني فيها الرحمة والرأفة وأنا أطلق للخيال العنان، لأتحسّس نبضات جاليتنا بالديار الإيطالية بعض الأحيان، وأتنفّس نفسا عميقا ممّا تعانيه من آلام وأحزان ونسيان، حتى تباغتني فاجعة أو تصحيني من آمالي الواهية أخبار ضارّة أو حقائق مؤلمة غير عادية، إلى أن سئمت عيشهم والمقام وكرهت الإصغاء والكلام، وما أخافه بالليل البهيم يلاحقني في وقت هبوب النسيم، والإيطاليون أهل الدّار لا يفرّقون بين الجناة والأبرياء وكلنا عند الإيطاليين في السلّة سواء. فاليوم كذلك مثل غيره من الأيام الهوليودية، استيقظت من نوم مفزع على خبر مروّع، وأردت أن أشرب كالمعتاد قهوة الصباح فمسكت الفنجان لمشاهدة شريط الساعة القصير ويديّ ترتجفان، فكان الأمر يتعلّق بتوقيف سيارة شحن كبيرة مملوءة بمخدرات وبداخلها شخصان. تحدّث الخبر العاجل أنه بالأمس الجمعة 16 نونبر رصد محقّقو فرقة محاربة المخدرات المتحرّكة التابعة ( لشرطة عمالة بيزا) شخصين خطيرين تمّ اعتقالهما، فكم تمنيت حينها وأنا أرقب ظهور البطلين أن لا يكونا مغربيين على الأقل، لكن لسوء الحظ جرت الرياح بما لا تشتهيه السفن لقد كانا فعلا رجلين مغربيين أحدهما 42 سنة والثاني 48 سنة بعكس ما تمنيت وترجّيت. كانا عائدين من زيارة البلاد استغرقت ما يقرب الشهر. ولم يكونا يعلمان أن ّهذه المرّة القدر عليهما مسطّر، وأن الشرطة هذه المرّة هي التي تسيطر رغم اجتيازهما ميناء طنجة ونزولهما في جينوفا بسيارة الشحن الكبيرة التي استخدماها للعملية متخطّين صعوبة الحواجز ودقّة المراقبات شبرا بشبر، ولم يبق لهما أدنى شك ّ في إيصال حمولة الكمية الهائلة من حشيش مخدّر، ثمنه يفوق المسك الحرّ والعنبر، لم يكونا يظنان أنّ الطريق السيّار الرقم 12Aمن (جينوفا إلى ليفورنو)، والذي سلكاه من وراء ظهر رجال الدرك، سيكون فخّا موضوعا لهما وفرقة المصيدة في انتظارهما بعدما تبعتهما من ميناء جينوفا. كانا متيقّنان كل اليقين من مخبأ السلعة بين الغلاف وسطح السيارة وتحت موضع الأقدام بشكل رهيب، سرّ لن يطّلع عليه لا مفتّش رزين أو باحث رقيب. لم تكتمل فرحتهما بعد وهما يسابقان الريح بسرعة متقطّعة بين انعراجات طريق الشمال واليمين، وفجأة ضغط القائد برجله على المكبح وهدأت روعة المحرّك لتسرع نبضات قلبيهما لرؤية جنود الخفاء من شرطة المرور الذين استقبلوهما بزغاريد المنبهات وعناق الأنوار الزرقاء المنبعثة من فوق سياراتهم المرحّبات بقدومهم. فرحة عارمة باللقاء من بعد طول غياب، وحفاوة وهناء بلقاء الأحباب، حتى استفاقا من حلم وأحلام. كم تمنيا أن لا يستيقظا من عذوبتما وطلاوتها على الدوام. وكيف لا، وهما قاب قوسين أو أدنى من “ضرب ضربتهما الأخيرة ربّما”، لتنتهي القصة كما خطّطا ورسما، لكن للأسف دائما في كل نهاية قصّة أو حكاية، تنتصر الشرطة على البطل ولا تنفعه معها لا قوّة ولا حيلة ولا حماية، لتنتهي النهاية وتكون حماقة أو قصة ما، مشرفة من جديد على البداية. وهكذا انتهى مصير المغامرين اللذين غامرا بتهريب حمولة 336 كيلو من الحشيش تغادر حدود المغرب رغم شدّة المراقبة وصعوبة التفتيش. اجتازا كل مراحل الخوف والفزع، لتنتهي فصول القصّة بمعانقة قضبان السجون بالرّجْف والهلع. خاب أملهما في الصناعة وضاعت من بين أيديهما ما سَوْمَتُه في سوق “طوسكانة” و”وسط إيطاليا”، وما كان سيُدِر عليهما خمسة (ملايين أورُو) أرباحا من تلك البضاعة، التي كانت حسرة وعسر عوض فرصة عمر. وتنتهي القصّة بحجز الكمية المليونية ويودع كلاهما في السجن، وأنهي فنجان قهوة الصباح دون معرفة بيانات عن هذين البطلين، وفي قلبي مرارة وأحزان على مستقبل أناس يجْرون عكس التيار لا يعرفون راحة ولا أمان.