بقلم: نوراليقين بن سليمان من ذا الذي سيصدق صحوة فيصل العرايشي و سليم الشيخ ،ومن يدور في فلكهما، بخصوص مزاعم دفاعهما عن المهنة و المهنيين و عن الاستقلالية و الحرية و التعددية و الحكامة؟. على امتداد سنوات تربعهما على تسيير شركات السمعي البصري العمومي سادت كل مظاهر الرداءة و الفساد،و بسبب سوء تدبيرهما للإعلام العمومي كرسا ثقافة الانفراد بالقرار و تهميش المهنيين و إحباط الكفاءات و اعتماد أساليب الزبونية و التفرقة، و فبركة الكيانات التمثيلية على المقاس لضرب وحدة المهنيين و إجهاض مشاريع الإصلاح الحقيقية. الخرجات الإعلامية الأخيرة لفيصل العرايشي و سليم الشيخ، هي في الواقع محاولة لتبييض ماضيهم البئيس في التسيير ،و التغطية على فشلهم في تطوير ودمقرطة الإعلام العمومي،و بالتالي هي محاولة للهروب إلى الأمام من أجل تبرئة ذمتهم ،في الوقت الذي ينبغي فيه أن يخضع أمثالهم للمساءلة و المحاسبة حول أوجه صرف المال العام وضرائب الشعب التي رصدت للإعلام العمومي و مصيرها. أجل،إن إصلاح الإعلام العمومي ،و المشهد الإعلامي بصفة عامة، دخل اليوم في منعطف في ظل حكومة جديدة و دستور جديد.و مع السجال الحالي الذي أفرزته مبادرات و قرارات وزير الاتصال مصطفى الخلفي يحاول رموز الفساد الإعلامي استغلال هذه الظرفية الدقيقة لضمان مواقع لهم و الاستمرار في تسيير ما فشلوا فيه طيلة سنوات تربعهم على مؤسسات حيوية، عبر تعبئة فيالقهم بهدف تمييع النقاش الحقيقي و طمس انتظارات المغاربة ، التواقين لإعلام حر و تعددي ، وبالتالي تحريف المطالب الجوهرية للمهنيين. لقد فشل كل من تولى مسؤولية إصلاح قطاع الإعلام لعدة أسباب أهمها: 1 غياب الإرادة السياسية القاضية بإنهاء وصاية السلطة التي دأبت على استعمال الإعلام لخدمتها ،بدل خدمة الديمقراطية و التنمية و التعددية الفكرية و السياسية و الثقافية و كرامة الإنسان. 2 التنصل الدائم من وضع القوانين الديمقراطية و إرساء آليات الحكامة و الشفافية في تدبير الموارد البشرية والمالية. 3 الاعتماد على أساليب الارتجال و العشوائية في تدبير الشأن المهني، و على المشاورات السطحية و الكاذبة أحيانا عوض الحوار الممأسس. إن الدستور الجديد،بالرغم من المؤاخذات التي يمكن أن تسجل عليه،أتى بتوجهات و قواعد من شأن تفعيلها أن تعالج إلى حد ما ما عجزت عنه السياسات السابقة و العقليات التي تحكمت فيها أو نفذتها بشراسة. في هذا الإطار،جاء بلاغ المجلس الوطني الفيدرالي للنقابة الوطنية للصحافة المغربية واضحا،حيث أكد “أن الدستور الجديد ينص على احترام حرية التعبير والصحافة، و يعترف بالمرجعية الكونية لحقوق الإنسان، كما يعتبر أن من حق المهنة تنظيم نفسها بكل استقلالية وديمقراطية، وأن دور السلطات ينحصر في تشجيعها ووضع القوانين التي لا تناقض هذه المبادئ،و أن التطور الديمقراطي، الذي ينبغي أن تسير فيه بلادنا، يفرض استقلالية العمل المهني على مختلف المستويات، دون أن تتدخل السلطات، إلا بالشكل الذي يعزز هذه الاستقلالية”. لقد انتبه أعضاء المجلس الوطني للنقابة أثناء نقاشهم الغني، خلال اجتماع 14 أبريل الجاري، إلى ضرورة عدم السقوط في نقاش هامشي و توجيه كل الجهود صوب ما هو أساسي و حيوي بالنسبة للمهنة و المهنيين و لانشغالات المغاربة. في هذا المضمار كان بلاغ المجلس الفيدرالي للنقابة صريحا عندما اعتبر أن ” المدخل الحقيقي للإصلاح لا يكمن فقط في صياغة دفاتر تحملات تتضمن التزامات، كيفما كانت، بل في توفير الشروط الضرورية للصحافيين، ومختلف فئات العاملين، للعمل في إطار الحرية والاستقلالية، طبقا لقواعد الحكامة الجيدة وتكافؤ الفرص في إسناد المسؤوليات والشفافية في التسيير المهني والإداري والمالي …”. و سطر البلاغ المذكور على أن هذه الأولويات ما ينتظر الجسم الصحافي والمجتمع، و على أن الإصلاح لا يمكن أن يتم برموز الماضي، التي أوصلت الإعلام العمومي إلى الإفلاس التام. تلك هي رؤية النقابة الوطنية للصحافة المغربية، و هي مستمدة من تجارب أطرها المهنية و النضالية ومن تراكماتها الفكرية و الميدانية كإطار نقابي صمد أمام العواصف طيلة عقود. انطلاقا مما ذكر ،لم يتردد بلاغ المجلس الفيدرالي في تسجيل ملاحظات تتعلق بمنهجية ومضمون دفاتر التحملات، سواء بالنسبة للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة أو القناة الثانية،و اعتبر أن التشاور الذي تم في هذا المضمار يعتبر مبادرة إيجابية، لكن لم يرق إلى فلسفة الحوار المؤسساتي للوصول إلى خلاصات مشتركة،وفق مضامين الدستور الجديد ،و بهدف الاستجابة لمطالب المجتمع والمهنيين.و دعا البلاغ إلى تجاوز ما حصل. و برأي مختلف تدخلات أعضاء المجلس الوطني الفيدرالي،التي عكسها البلاغ،فإن التطبيق الأمثل للالتزامات و دفاتر التحملات الخاصة بالقنوات والمحطات العمومية لن يكتب له النجاح في غياب بعض الشروط الأساسية :1 تطوير المضمون ،احترام التعددية الفكرية وحرية الإبداع والانفتاح اللغوي والثقافي.2 إعادة النظر في تنظيم الموارد المادية والبشرية وفي العلاقات مع القطاعات الثقافية و الفنية.3 إشراك المهنيين و المجتمع في مراقبة و تقييم تنفيذ هذه الدفاتر. و مهما تكن درجة جاذبية خطاب الترويج ل”مبادئ الجودة والتعددية والإبداع وأولوية الإنتاج الوطني والشفافية وغيرها من شروط الحكامة”،و تضمين هذه المبادئ في دفاتر التحملات، فإن ذلك لن يحل الإشكاليات المطروحة، في إطار استمرار القوانين والهياكل التنظيمية والمهنية الحالية و في ظل علاقات الزبونية والمحسوبية و تمييع العمل النقابي . من هنا،تظل المعركة الكبرى،وفق تصور النقابة التي أنتمي إليها، تكمن في “توفير شروط الحكامة الجيدة، في التسيير الداخلي لمؤسسات الإعلام العمومي، التي تتحكم فيها عقلية تسلطية، لم تقطع مع أسلوب الدول الشمولية، التي تعتبر وسائل الإعلام العمومية، أداة دعاية للأجهزة الرسمية”. طبعا،إن حلقات إصلاح قطاع الإعلام لم تكتمل بدون أن يشمل الإصلاح وكالة المغرب العربي للأنباء و الصحافة المكتوبة و الصحافة الالكترونية،عبر إرساء القوانين و الاتفاقيات التي من مهامها مراجعة العلاقات الداخلية في هذه المؤسسات،و فرض احترام آليات الحكامة و ديمقراطية التحرير وسلم الترقيات ، و ربط الدعم العمومي و تولي المسؤوليات بالمحاسبة ، وبمدى التزام المقاولات بهذه القواعد و الاتفاقيات. إصلاح من هذا الطراز سيؤدي حتما إلى بلورة المفهوم الديمقراطي للتنظيم الذاتي للصحافة ،إلى حماية أخلاقيات المهنة و إلى إخراج قوانين تحمي الحق في الولوج للمعلومة وتضمن حرية الصحافة والنقد والفكر، وتلغي العقوبات السالبة للحرية و العبارات الفضفاضة والمفاهيم التحكمية . الجدل الحالي حول موضوع دفاتر التحملات،لا ينبغي أن يحجب الجدل الحقيقي الذي ينبغي أن يقود بالضرورة إلى المراجعة الشاملة للتوجهات التي سادت لحد الآن في التعامل مع الإعلام العمومي،و إلى تنحية رموز الفساد الذين يتحملون مسؤولية هذه التوجهات و نتائجها .من جانبه، الجسم الإعلامي ،ومن مختلف المواقع ،مطالب بأن يتوحد ويتصدى لجيوب مقاومة الإصلاح الحقيقي و لرموز الفساد.هؤلاء،همهم من خرجاتهم الإعلامية هو الهروب من المحاسبة،و إخضاع أي إصلاح لمشيئة أوساط ترى أن الإصلاح الجذري يتعارض مع مصالحها و امتيازاتها،و لذلك من الأفضل لها خلط الأوراق و تشجيع نظام الريع الإعلامي. لقد سطر المجلس الوطني الفيدرالي ،في بلاغ دورته العادية ليوم 14 أبريل الجاري وبقوة ،على أن السبيل لتفعيل المبادئ الواردة في الدستور الجديد ومطالب الحراك السياسي الشعبي، لا يمكن أن تتم إلا بعمل جدي من طرف الجسم الصحافي، الذي يعتبر هو الجسر الرئيسي لحرية الصحافة وأخلاقيات المهنة وتحديث القطاع وتقديم منتوج جيد من منطلق أن الإعلام ملكية عمومية للمجتمع.