في مدينة الازدحام الأولى في المغرب، حيث يعيش ملايين البيضاويين في ضوضاء وتلوث، يبقى منفذ الأطلسي متنفسا للاستجمام "لكل كازا" في صيف ساخن، قضم شهر الصيام نصف مدته. بين شواطئ خاصة وشواطئ الفقراء، ومسابح "في أي بي"، كيف يعيش البيضاويون عطلتهم الصيفية، وكيف لم يعد البحر متاحا للجميع؟ في عاصمة المال والأعمال انتقلت الطبقية لتحط على رمال الشواطئ المحيطة بجهة الدارالبيضاء الكبرى. "شكرا ترام، قربت البحر للفقراء" هو شاطئ البسطاء بامتياز، "عين الذئاب" باسمه المرعب والمثير للريبة على الأقل لدى الغرباء عن كازا، يفتح فضاءه الواسع بسخاء لكل الطامعين في معانقة أمواج الأطلسي. زاد وصول الترامواي إلى ساحل البيضاء من حركية الوافدين على عين الذئاب، وصار بإمكان قاطنين كثر في الأطراف المتباعدة عن الساحل، كسيدي مومن وسباتة أو السالمية. تحت حرارة شمس لا ترحم، تبدو الهرولة إلى شاطئ الفقراء كسباق للانعتاق من الجحيم، لذا كلما اقتربت الأرجل من الأمواج رسمت البهجة على كثيرين من الوافدين. وقف أربعة شبان من عمر الثلاثين يستطلعون المكان كرحل على أهبة حط رحال الاستيطان، كان العثور على مكان هادئ، وهو أمر مستبعد في شاطئ عين الذئاب، هو مطلب للشبان الأربعة. يقول أنس وهو مهندس في الأتمتة الميكانيكية، صحيح أن بيضاويين كثر يفضلون الهروب، بتعبير أصح، إلى شواطئ جنوبالمدينة كطاماريس ودار بوعزة أو سيدي بوزيد أو سيدي رحال، وهناك من يفضل شمالا أي المحمديةوبوزنيقة، لذا فسكان البيضاء لو قدموا إلى عين الذئاب فأكيد لن يكفيهم"، ويضيف لكن يبقى لعين الذئاب طعم خاص، ربما لأن به كل ما تريد، تنوع في البنية التحتية، وتنوع بشري، الكل موجود هنا. كل الطرق تؤدي إلى عين الذئاب، الترامواي قالب المعادلات الجديد، والحافلة الشهيرة لخط رقم 9، أما مواقف السيارات فتكاد تلفظ السيارات من كثرة الزوار. ثبت أسامة ويوسف مظلتهما في مكان وقع عليه الإجماع من الشباب الأربعة، يقول سعيد وهو شاب هاجر إلى سويسرا منذ أزيد من عقد، "نأتي إلى عين الذئاب خصيصا، لأن لنا معه ذكريات طفولة، في الصغر كان القدوم إلى هنا كالحلم، وأيضا في سن المراهقة كان متنفسا للعب الكرة الطائرة. بالنسبة لسعيد فإن تسمية شاطئ الفقراء تبقى مغالطة نوعا ما، إذ أن عين الذئاب هو مكان للأغنياء، أيضا فهناك من يقصد مسابح يتراوح ثمن الدخول لها ب350 درهم، ويقول "الأجمل في عين الذئاب هو هذا الخليط بين كل شيء، الفقير والغني والمهندس والعاطل والسائح وابن البلد، هذا المزيج هو ما يعطي لهذا المكان سحرا من نوع خاص". في البحر البيضاويون يضحكون أيضا في عين الذئاب تسلم اليابسة للبحر حشودا غفيرة، وتستسلم هي، لتهدأ المدينة من صخبها اليومي، على الشاطئ تبدو ملامح البيضاويين مختلفة بشكل راديكالي عما تكون عليه عادة في الأرصفة وملتقيات الشوارع، لا تجهم على الوجوه، ولا "ستريس"، وكأن عقارب الساعة توقفت عن الدوران، ونمط الحياة البيضاوي المتسم بالسرعة والتوتر، ذاب بين كثبان الرمل وجرته أمواج الأطلسي إلى الأعماق. بين أجساد مستلقية تحت شمسيات منتشرة كالفطر، وأفراد يلهون بالكرة، ترسم البهجة على أسارير الجميع. أمام الهجوم البشري على سواحل البيضاء خلال كل صيف، يستمر نجاح الشواطئ الخاصة، خاصة جنوبالبيضاء، كطماريس، حيث تفضل بعض الأسر، اللجوء إلى دفع المال، مقابل الحصول على هدوء أكبر و"لوكس" بحري، إن صح التعبير. هي فضاءات أجرتها الجماعات المحلية لمسيرين خاصين، يوفرون البنية التحتية، من كراسي وشمسيات، وحمامات إضافة إلى التغذية، والأهم وهو الحصان الرابح الذي تراهن عليه هذه الفضاءات المباغتة للشواطئ، هو الأمن والترفيه. أما في عين الذئاب فالتناقضات وإن كانت تثير امتعاض البعض، فإنها كملح الطعام، هنا الحضور الأمني ظاهر، وهو ما يهدأ الأمور، على اعتبار أن عين الذئاب متاح للجميع. في البيضاء، هناك شبه تقطيع طبقي لشواطئ المدينة الغول، للعزاب بوزنيقةوالمحمدية، للبسطاء عين الذئاب، أما العائلات فإن أرادوا دفع ثمن مقابل الاستفراد بالرمل وماء الموج، فعليهم التوجه صوب طماريس.