خروج قيادة العدل والإحسان وعقدها لندوة صحفية في الرباط للحديث في مواضيع دخلت ثلاجة العمل السياسي، منذ أكثر من ثلاث سنوات يعتبر في نظر العديد من المراقبين خطوة غير مفهومة. ماذا أرادت العدل والإحسان أن تبلغه للرأي العام الحاكم والشعبي؟ إنه السؤال الذي تباينت الأجوبة حوله، لكن هناك شبه إجماع على أن العدل والإحسان وصلت إلى المأزق، مأزق اختيارها لخط سياسي هامشي جعلها تهدر طاقاتها التنظيمية والسياسية في "الخوا الخاوي". الندوة الصحفية لقيادة العدل والإحسان كانت بكل المقاييس جلدا للذات، الذات السياسية والذات التنظيمية للجماعة لأن الجماعة أصبحت أسيرة لخطها الذي يدور في حلقة مفرغة. انتظرت الجماعة ثلاث سنوات لتقول للناس أنها خرجت من حركة عشرين فبراير بعد أن استهلكت وبالكامل الممكن المتاح لها، الجماعة اعترفت أنها كانت واعية أن حركة 20 فبراير لن تحقق شيئا ومع ذلك تقول الجماعة أنها دعمتها. ما لم تقله الجماعة أنها نزلت بكل تقلها في شارع 20 فبراير وعبأت كل إمكانياتها التنظيمية والإعلامية من أجل النفخ في حركة ولدت ميتة، ولم تستثني من حصيصها التنظيمي الذي أعفته من النزول إلى الشارع إلا المرضى والحوامل من سواد الجماعة وظلت تطوف شوارع المغرب ليل نهار إلى أن علمها الشارع أن الشعب لا يريد ما تريد الجماعة وأن للمغرب وقواه تراكم نضالي لا تستقيم معه القطيعة وأن المغاربة لفظوا منذ زمان كل التجارب الانقلابية والفوضوية وأنهم لا يؤمنون إلا بالنضال المتدرج من داخل المؤسسات، وما على الجماعة إلا الرجوع إلى بياناتها وذاكرة براح الجماعة حسن بنخاسر، الذي كان يكذب صباح مساء حول الأرقام والأعداد المشاركة وعدد النقط التي تشهد التيه في شوارع المغرب، الآن تقول الجماعة على لسان قيادتها أن 20 فبراير كانت جثة هامدة فلماذا لم تكن هامدة في تصريحات قادة الجماعة وفي مقدمتهم كبيرة هوانم دار الخلافة التي كانت تتصور أن الجماعة أصبحت قاب قوسين أو أدنى من الذي تريد، لأنهم لم يكونوا متلصقين بالشعب ويعيشون على نبضه، كانوا منقطعين عن الشارع و كانوا يظنون أن بالشعارات البراقة و صعاليك الأحياء سوف يسودون. الآن الجماعة تجلد ذاتها وتجلد تقييمها للأوضاع الذي جانب الصواب و كان محكوما بمنطق العاطفة و التيه و لم يكن مبنيا على قراءة حقيقية للواقع، الجماعة الآن تقوم بنقدها الذاتي وهو نقديجب أن ينسحب على الخط السياسي للجماعة بالكامل عوض أن ينصب على بعض التفاصيل التكتيكية. قيادة الجماعة تعترف اليوم أنها لا تملك تصريحا أو ترخيصا لممارسة العمل السياسي و أنها تعيش بمؤسساتها و تنظيماتها خارج القانون، فلأول مرة يعترف قادتها أنهم كتنظيم سياسي لا يملكون و لا ورقة واحدة تعطيهم المشروعية القانونية و يبحثون عمن يضمن لهم الحصول على المشروعية القانونية... المشروعية القانونية لا يمكن أن يحصل عليها إلا من يحترم قوانين و تشريعات البلد و العمل السياسي في بلد له ضوابط و قوانين و لا يمكن أن ينال المشروعية القانونية إلا التنظيمات التي تؤهل نفسها لاحترام قوانين البلد، فلا يمكن لأي كان أن يضمن للجماعة تأسيس حزب أو إعطائها التغطية القانونية لممارسة العمل السياسي المشروع إلا في إطار القانون ، و الجماعة إذا كانت جادة في طلب الحصول على المشروعية القانونية فما عليها إلا أن تؤهل مشروعها المجتمعي و السياسي حتى ينضبط لقانون الحريات، فلا استغلال بعد اليوم للدين في العمل السياسي و المشروع السياسي لجماعات الإسلام السياسي الذي رأى النور في أكثر من بلد عربي راجع نفسه و من لم يراجع نفسه و سعى إلى الاستمرار بنفس هيمني و إقصائي محكوم عليه بالتعثر و الاندثار كما حصل لمشروع جماعة الإخوان المسلمين في مصر. جماعة العدل والإحسان لا زالت أسيرة التراث النظري لمؤسسها ومنظرها الراحل عبد السلام ياسين، فمشروع الخلافة الإسلامية الذي تحمله الجماعة بخلفيته الإيرانية لا يمكن أن ينجح في مجتمع تعددي من طينة المجتمع المغربي لأن زمن استغفال القوى الديمقراطية في تحالف مرحلي تصل به الجماعة إلى هدفها قبل أن تدير ظهرها للجميع قد ولى، ولقد نجح مرة واحدة في إيران ولا يمكن له أن ينجح كل مرة و قد أعاد تجريبه الإخوان المسلمون في مصر و النتيجة يعرفها الجميع من عودة الأمور 50 سنة إلى الوراء و عودة العسكر إلى العمل السياسي بمشروعية جديدة و مجددة قبلها المجتمع الدولي و المحيط الإقليمي لمصر و كانت أكثر من ضرورية لضمان استقرار مصر و محيطها الإقليمي. الجماعة تجلد ذاتها من خلال انتقاد تكتيكها في 20 فبراير لكنها تصم آذانها عن تقييم خطها السياسي العام الذي لا زال مغرقا في الماضوية و يترصد المجتمع الديمقراطي من أجل الانقضاض عليه. جماعة الخلافة خرجت في الناس لتقول لهم خلافتنا غير خلافة أبو بكر البغدادي و أن الجماعة لا تقطع الرؤوس و لا تكفر و لا تقتل الناس، خرجت جماعة الخلافة بعدما طال فكر الخلافة لدى الرأي العام العربي والإسلامي ما طاله بعدما عات أصحاب الخلافة عبثا و ظلما في الصف الإسلامي ولم يسلم من طغيانهم حتى أقرب الحلفاء الذين يحملون نفس الفكر التكفيري الخارجي و استحلوا دماءهم، فكيف للرأي العام المغربي أن يقبل جماعة جوهر فكرها السياسي يقوم على فكر الخلافة الذي يعني الفكر الأحادي و رفض الآخر و رفض التعدد و رفض الديمقراطية، الجماعة في مأزق و مشروعها السياسي في مأزق، فالرأي العام لا الداخلي و لا الخارجي لم يعد يقبل فكرا يتقاطع مع الفصائل الدكتاتورية في الصف الإسلامي. الجماعة تتطلع للحوار كما حدث في بعض المدن عندما نظمت الجماعة حفلات إفطار جماعي رمضاني لفائدة الشباب و المضحك أن من بين المدعوين شباب لا يصومون، في مسعى انتهازي للجماعة من أجل الترويج لانفتاحها حتى على نشطاء حركة مالي و غيرهم من وكالين رمضان. الجماعة الآن في حاجة إلى حوار لكنه حوار داخلي، تراجع فيه ذاتها بعدما وصل مشروعها السياسي و الاجتماعي إلى محطته الأخيرة و أن تختار طريق الوضوح من خلال التصالح مع محيطها القانوني و الدستوري و التسليم بمكتسبات الشعب المغربي من خلال الحفاظ على دولته الوطنية الموحدة و الديمقراطية عوض السعي الانتهازي إلى التربص بالمكتسبات و التستر على مشروعها الدكتاتوري الإقصائي الذي يسعى إلى الاستئثار بالسلطة بعد حين كما حدث في إيران و غيرها من الأمصار التي استطاع الإسلام الإقصائي فيها الوصول إلى سدة الحكم بطرق ديمقراطية قبل الانقلاب على الجميع من أجل وضع أسس نظام دكتاتوري شمولي لا يسمح إلا بالفكر الواحد الذي لا ينتج إلا التسلط و الشمولية. الآن و قد جربت الجماعة محدوديتها الجماهيرية و اكْتَوت برفض الشعب لها و هي التي سَيَّجَتْ نفسها في ثوب الزاوية و الخرافة من خلال نسج علاقات اجتماعية زبونية تربط بين قاعدة الجماعة و قيادتها و تحول المريدين إلى ماكينة لجمع الأموال و خلق اقتصاد تعاضدي داخلي باسم الإسلام لصالح أوليغارشية تستفيد ماديا و ماليا من النسق الاجتماعي الذي اختطته الجماعة، لا يملك فيها المريد إلا هامش الطاعة المطلق، في الوقت الذي وصلت فيه العلاقات الاجتماعات لأفراد المجتمع إلى درجة من الانفتاح لم تعد تسمح بالأنساق الاجتماعية و الدينية المغلقة، فإن هامش إصرار الجماعة على إعادة إنتاج النموذج التنظيمي و السياسي الذي اختطه لها الراحل ياسين لم يعد قابلا للحياة و الجماعة مطالبة بإعلان ثورة تنظيمية داخلية حتى تضمن لنفسها الاستمرار في الساحة السياسية و هي ثورة تفرض القطيعة مع ثراثها المغرق في الماضوية و تبني فكر سياسي يضمن لها الحياة. فهل تستطيع الجماعة أن تقوم بنقد ذاتي شامل وتتصالح مع محيطها وتخلق شروط اندماجها في المجتمع الديمقراطي، إنه سؤال لن تجيب عنه إلا الجماعة وطاقمها الذي انتظر سنوات قبل أن يخرج في الناس معلنا توبة ناقصة في خرجة تظل غير مفهومة فلننتظر الآتي.