قرار جماعة العدل و الإحسان بتوقيف مشاركتها في المسيرات التي تنظمها حركة 20 فبراير جاء مفاجئا في التوقيت ، لكنه ليس غريبا في السياق السياسي الذي أفرزه الفوز الكاسح لحزب العدالة والتنمية في الإنتخابات وتنصيب بنكيران رئيسا للحكومة. من المجازفة والتجني أن نتحدث عن وجود صفقة بين قياديي العدل والإحسان و نظرائهم في حزب العدالة والتنمية، او عن رغبة دفينة للجماعة الإسلامية في الرفع من حدة الصراع مع النظام وإيصال سقف المطالب إلى مالم تستطع حركة 20 فبراير الوصول إليه، أو التكهن بمآل جماعة الشيخ ياسين ومستقبلها السياسي.
لكن بيان العدل والإحسان الذي عللت فيه قرارها يضم إشارات وأسباب كافية للتحليل و الفهم.
عندما نزلت الجماعة بكل قوتها وثقلها إلى الشارع ووضعت إمكانياتها المادية والبشرية لدعم حركة 20 فبراير، فهي كانت تراهن على كيل وتوجيه أقصى الضربات إلى الدولة وعلى رأسها المؤسسة الملكية. خلال الأشهر العشرة الأخيرة كان هناك صراع مباشر بين الدولة والعدل والإحسان، حاول فيه كل واحد قصم ظهر غريمه، كان فيها الإثنان كلاعبي شطرنج بارعين، ينوعان الخطط، و يجيدان الإلتفاف والمناورة، ويستفيدان من أي خطأ أو هفوة يرتكبها الخصم.
العدل والإحسان كانت تراوغ دائما لكي لا يصبح مطلب "الملكية البرلمانية" سقفا للمسيرات، كما كانت تنادي بذلك بعض الأحزاب والهيئات الداعمة لحركة 20 فبراير، التي كانت تظن بسذاجة غريبة أنها ستحمل جماعة الشيخ ياسين على تبني هذا المطلب.
وهن حركة 20 فبراير و ضعفها المتزايد وعدم قدرتها على تعبئة المغاربة بالشكل الجماهيري والمكثف كالذي وقع في دول عربية أخرى، كان نتيجة الإنقسام و التنازع بين نظرتين متباينتين ولا تلتقيان لأفق الحركة و سقف احتجاجاتها. خلال كل هذا الزمن، كان على العدل و الإحسان أن تبقي شعلة 20 فبراير متوقدة ، فأصبحت العمود الفقري للحركة و سندها الرئيسي، الذي لولاه، لتوقفت المسيرات أو نقص عدد المشاركين فيها.
وجدت الجماعة نفسها أمام تناقضات تخترق جسد 20 فبراير تزايدت وتفاقمت مع مرور الوقت خصوصا مع توالي المبادرات التي قامت بها الدولة والتي عزلت تماما حركة 20 فبراير و افقدتها العديد من المتعاطفين معها والداعمين لها. فشل التعبئة لمقاطعة الدستور وتنظيم الدولة لإنتخابات نزيهة بنسبة مشاركة أعلى من إنتخابات 2007، إضافة إلى النجاح الكبير لحزب العدالة والتنمية، كانت كلها ضربات متتالية وخيبات أمل لجماعة العدل والإحسان ، التي أدركت أن حركة 20 فبراير وصلت إلى حدود ادائها و أن تناقضات الحركة و تنافر مكوناتها لا يمكن أن تصل إلى أكثر ما وصلت إليه الآن.
هنا، ربما، يمكن الحديث عن احتمال إتباع نهج جديد من قبل جماعة العدل والإحسان يقوم على المشاركة السياسية عبر خلق حزب إسلامي، له قاعدة تنظيمية منسجمة وامتداد شعبي كبير، كما هو حال جماعة الإخوان المسلمين في مصر. فالعدل والإحسان لم توصد أبدا باب المشاركة السياسية بل كانت تتركه دائما مواربا عبر تصريحات قادتها الذين كانوا يعلنون دوما أنهم ليسوا ضد فكرة إنشاء حزب، و لكن بشروط.
فالعدل والإحسان ليست في جوهرها حلقة تربوية أو زاوية صوفية بل هي أساسا جماعة سياسية ذات مشروع مجتمعي وثقافي لايمكن تحقيقه إلا عبر قنوات سياسية خالصة. مراهنة العدل والإحسان على سقوط الدولة كما تسقط الفاكهة العفنة من شجرتها بدون عنف ثوري للإطاحة بها وبدون العمل داخل مؤسساتها لمحاولة إصلاحها، هو رهان أثبت الزمن خطأه و قلة جدواه. فالدولة في المغرب تجيد لعبة استنزاف وإعياء معارضيها وهي خير من يجيد سباق المسافات السياسية الطويلة.
مأزق العدل و الإحسان يضعها عرضة لتناقضات عديدة لعل أهمها هو التباعد ما بين ما يستلزمه موقف العصيان والمعارضة من قبول التهميش والقمع والتضييق وبين ماتعيشه الجماعة من تحولات اجتماعية وعمرية. فاعضاء الجماعة و المتعاطفون هم كثر، فيهم موظفون وتجار وأطباء ومحامون ومهندسون. من كان شابا طالبا في الثمانينات والتسعينات، معتبرا الضرب والاعتقال مفخرة وثمنا للنضال، لن يبحث عن ذلك بعد أن بدأ الشيب يغزو مفرقيه و تبدل وضعه الإجتماعي.
وصول قياديي و مناضلي العدالة و التنمية إلى التدبير الحكومي والسياسي وتحولهم إلى رجال دولة، سيكون ربما نموذجا لأقرانهم في العدل والإحسان، الذين ينتمون إلى نفس الجيل، ونفس الشرائح المهنية والإجتماعية ونفس التكوين السياسي. لهذا لن يكون غريبا أن نرى قطاعا كبيرا من هذه الأطر تقود عملية تحول داخل العدل والإحسان من أجل المشاركة السياسية على شاكلة حزب العدالة و التنمية. تحول سيتبلور ويتسارع في حالة رحيل مرشد الجماعة الشيخ عبد السلام ياسين، وظهور تيارات تتنازع أمر خلافته وتأويل فكره.