اختلفت القراءات وتنوعت التأويلات بشأن موقف جماعة العدل والإحسان التي قررت ودون سابق إعلان أو تمهيد الطلاق من حركة 20 فبراير، البلاغ الذي أصدرته الجماعة معلنة فيه توقفها عن الخروج إلى الشارع كان عموميا، وتحدث في أمور لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تبرر موقفا في هذه الظرفية الوليدة. وبين مرحب بالقرار ومتهكم، تعددت التحاليل. حزب العدالة والتنمية الذي يقود التحالف الحكومي اعتبر الأمر بأنه تعامل إيجابي مع الظرفية الحالية، فيما آخرون اعتبروه هدية مسمومة ألقتها الجماعة في طريق الحزب الأول في المغرب، أما حركة 20 فبراير، فقد أكدت أنها ارتاحت من وجود بُعبُع أفسد عليها خرجاتها الأسبوعية، لكن مع ذلك يبقى الأمر أكبر من ذلك بكثير، خاصة أن موقف الجماعة جاء مفاجئا وفي لجة الحراك السياسي الذي يعرفه الشارع المغربي. وذهب مراقبون إلى القول بأن فوز للعدالة والتنمية في انتخابات 25 نونبر الماضية وتكليف عبد الإلاه بنكيران برئاسة الحكومة المقبلة، كان بمثابة انتحار سياسي للجماعة، وبالتالي يمكن القول أن ما أفرزته الانتخابات الأخيرة قسم الجماعة إلى أشلاء متناثرة، بين داعم لتيار المشاركة السياسية، ومتشدد يراهن على الثورة للتغيير. لكن الواضح أن الانتخابات الأخيرة التي عرفت مشاركة 45 في المائة من الناخبين، حملت كثيرا من الرسائل إلى جماعة العدل والإحسان، لعل أهمها أن المواطنين يراهنون على المؤسسات وعلى المشروعية والشرعية للابتعاد عن مخاطر ما يمكن أن يقود إليه الشارع من انزلاقات، وأن الشعب الذي فرضت عليه كثير من الأطراف وصايتها دون الرجوع إليه، غير معني بتحركات هذه الأطراف، فهو وإن كان يريد التغيير وتحسين الأوضاع فهو يراهن على أن تكون هذه العملية إلى جانب الملك ومع الملك، فالأغلبية تريد محاربة الفساد وإسقاط الاستبداد وتحسين الحكامة الاقتصادية والسياسية والتنزيل الديمقراطي للدستور الجديد. ياسين يخيط كفن 20 فبراير يرى محللون وسياسيون أن خطوة الانسحاب من حركة 20 فبراير، ستكون لها آثار كبيرة عليها، ووصف هؤلاء حال الحركة بالمريض الذي يحتضر، وهي التي فقدت كثيرا من بريقها منذ شهور بسبب تداخل المصالح، وعدم وجود رؤية حقيقية، إلى جانب أنها خضعت بالكامل لتيارين راديكاليين لا رابط بينهما سوى التطرف، الأول هي جماعة العدل والإحسان التي ملت من تكرار أسطوانة مشروخة، والثانية النهج الديمقراطي الذي كان يريد العودة إلى الحياة من خلال 20 فبراير، قبل أن يغرق ما بقي من سفنه على شاطئ البحر. المحللون اعتبروا أن تحالف المتطرفين وإن لم يكن متوقعا، فقد بدا في كثير من الأوقات واضحا، قبل أن تقرر الجماعة فك الارتباط، جعل منها تقف يدا في يد مع من كانت تعتبرهم أولاد أعدائها خاصة في الحرم الجامعي، وكانت القطيعة هي الخلافات الأخيرة، والتي وصلت حد اتهام الجماعة لعدد من المتظاهرات بالعاهرات، هذا التحالف الذي كان غريبا من الوهلة الأولى، شكل في المقابل قبلة موت الحركة، فالصراعات الإيديولوجية كانت كبيرة بشكل لا يمكن غض الطرف عنها أو تجاهلها، وهو ما جعل هذا التحالف والتنسيق ينفجر في الطريق. حركة 20 فبراير، قالت إن خروج العدل والإحسان هو تنازل طوعي مؤكدة أنه ليس هناك ما يبرر الانسحاب، قبل أن يشدد أعضاء في الحركة أن الانسحاب الفعلي للعدل والإحسان من حركة 20 فبراير تم مباشرة بعد إعلان وزارة الداخلية عن فوز حزب العدالة والتنمية يوم 25 نونبر، وشهدت المظاهرات التي عرفتها كثير من المدن وخاصة الرباط والدارالبيضاء وطنجة خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، تراجع المنتمين لجماعة ياسين عن المشاركة ضمن التظاهرات التي عرفتها الشوارع. وهو ما جعل كثيرا من المراقبين يؤكدون على أن ياسين خاط كفن الحركة قبل أن يدفنها دون صلاة. مرض الشيخ ياسين وضربت القومة الجماعة تقول جماعة ياسين أنها قامت بتقديم نقد ذاتي لعشرة أشهر من الرهان على الشارع والذي لم يستطع كمنطق واختيار وآلية أن يستقطب تلك الحشود التي كانت مثيلاتها تخرج في شوارع تونس والقاهرة وصنعاء والمنامة ودمشق وبنغازي، وإذا كان هذا الاعتراف كاف لنقول إن الحركة ولدت ميتة، لأنها لم تنبثق من الشعب، فإن ما وصلت إليه الجماعة دليل آخر على أنها كانت تعتبر الحركة مجرد حطب تستعمله عند الحاجة، وعندما اكتشفت متأخرة أن الرهان كان فاشلا عرجت قافلة إلى بيتها وكأن شيئا لم يكمن. لكن الواقع أن الجماعة اكتشفت بأن خروجها للشارع بتلك الصورة ساهم في تعريتها تنظيميا أمام الجميع بعدما فشلت في تهييج الشارع المغربي، وهي التي ظلت ترسم لنفسها هالة كبيرة حول قدراتها التعبوية. يبدو أن الجماعة فهمت بأن الاستمرار في الشارع، في ظل ما أفرزته الانتخابات التشريعية ل25 نونبر هو نهاية لها، لذلك كان لابد من العودة إلى الوراء. في المقابل تؤكد كثير من المصادر أن السبب الرئيسي وراء الخروج المنهزم للجماعة من حركة 20 فبراير، تقف وراءه أسباب داخلية مرتنبطة بالحالة الصحية لزعيم الجماعة، والذي وصفت حالته بالحرجة، وبأنه في حالة احتضار، وقالت المصادر إن صراع الخلافة انطلق بقوة، بين عدد من صقور الجماعة، والذي يسعى كل طرف إلى إحجام الطرف الآخر، على الأقل تنظيميا، لذلك شددت المصادر ذاتها على أن قرار الانسحاب لم يلق الإجماع، وإن تم الانضباط إليه. مرض الشيخ ياسين لم تكن نتائجه فقط الخروج من حركة 20 فبراير، بل أكثر من ذلك يهدد الجماعة برمتها، خصوصا في ظل الخلافات العميقة بين عدد من المرشحين لوضع اليد على بركة الزعيم، الذي سيكون موته بمثابة نهاية أطماع الخلافة، ونهاية أحلام القومة التي ظل ينادي بها ياسين على مدار أربعة عقود. نادية ياسين : خلافة بصيغة المؤنث لم تخف نادية ياسين التي لاحقتها كثير من الفضائح الأخلاقية في الشهور الماضية، طموحاتها التي وصلت حد الطمع، في وراثة أبيها، ليس كما ينص فقط الشرع، ولكن أيضا ورثة تركة الجماعة وأملاكها المتناثرة، أطماع تصطدم منذ الوهلة الأولى بكثير من المطبات، خصوصا أن الإبنة لا تتوفر على ما يؤهلها لإمامة شيوخ الجماعة، إلا نسَبها، وضع سيثير كثيرا من العواصف داخل الجماعة بين كثير من الأطراف التي تعتبر أنها الأحق بالخلافة. البنت البكر التي تقدم نفسها على أنها هي المؤسسة والمشرفة على العمل النسائي داخل الجماعة لا تنفي رغبتها الجامحة في الجلوس على كرسي أبيها الذي لازال يحلم بالقومة، وتعتبر أنها الأحق بهذا الشرف، وربما لذلك السبب، ساعدها الأب في الانخراط الفعلي في الحقل السياسي لكي تحصل على علم الجماعة من بعده. مع أنها ما فتئت تؤكد أنها بلا أطماع في الخلافة، وأنها تجد نفسها كمدافعة عن البعد الكوني للمدرسة الفكرية التي أسسها والدها، والتي يعتبر التنظيم أحد تجلياتها ليس إلا. خلافاتها المتعددة مع عدد من القياديين داخل الجماعة قد يجعل فكرة خلافاتها لأبيها بمثابة آخر مسمار يدق في نعش الجماعة، وإن بذل أعضاء الجماعة أنفسهم جهدا كبيرا في التأكيد على أن مسألة الخلافة سابقة لأوانها، وأن أي حديث عنها اليوم ستكون له انزلاقات كبيرة مستقبلا. عبد الواحد المتوكل : حزب العدل والإحسان يعتبر الأمين العام للدائرة السياسية بجماعة العدل والإحسان، وأحد الوجوه السياسية داخل الجماعة، رغم انخراطه في المشروع العام للجماعة الداعي إلى الانغلاق، وعدم محاورة الآخر، إلا أن كثيرين يصفونه بالرجل العاقل وسط جماعة مجانين، المتوكل يعتبر أن الشأن السياسي هو جزء من مشروع الجماعة، وقد ساهم في تأسيس الدائرة السياسية لتتولى تصريف وتحقيق رؤية الجماعة، وهو من الداعين إلى توسيع دور الجماعة في العمل السياسي الحزبي، خصومه يؤكدون أن أي انحراف لمسار الجماعة، سيكون بداية نهايتها، لكنه يصر على تحقيق الهدف الأساسي هو إنشاء حزب سياسي يشتغل في إطار المشروعية. وتبدو حظوظه في خلافة ياسين قائمة بقوة، على الأقل في انتظار معرفة ما ستؤول إليه الأمور، لكن مصادر مطلعة تؤكد أن اختيارات المتوكل قد تقف حائلا أمامه للوصول إلى السلطة داخل الجماعة. محمد عبادي : زاوية العدل والإحسان يقدم على أنه الخليفة الشرعي لياسين، كونه من المؤسسين للجماعة سنة 1981، إلى جانبه إلمامه بأمور الدين، إذ يعتبر عضوا في التجمع العالمي لعلماء المسلمين الذي يضم علماء من مختلف أقطار العالم، لكن تصوفه قد يكون حائلا أمام اختياره زعيما للجماعة، بالنظر إلى التغيرات السياسية التي يعرفها المغرب، ظل منذ سنوات مهتما بالزوايا مما جعله ينخرط في سلك الدعاة تاركا أمور السياسة لأناس آخرين، يوصف بالغلو، في كثير من مواقفه، قبل خمس سنوات تم إغلاق بيته في مدينة وجدة، بسبب عقده اجتماعات سرية، وتم تشميعه، حاليا هو المسؤول القطري عن لجنة التربية في الجماعة، ومسؤول عن استقطاب مزيد من الشباب على وجه الخصوص. فتح الله أرسلان : ناطق خارج النص ظل فتح الله أٍسلان يقوم بدور الناطق الرسمي لجماعة العدل والإحسان، لكن مواقفه جرت كثيرا من المتاعب، تعرض في الآونة الأخيرة لنوع من الحصار داخل الجماعة، ربما لأنه أبان عن طموحاته في الخلافة مبكرا، يقول مقربون إنه على خلاف دائم مع ندية ياسين، وإن كان هذا النوع من الخلاف لا يخرج إلى العلن، والواضح أنه ممن احترقت أوراقهم بعد 20 فيراير، كما أنه من الداعمين لخروج الحركة إلى الشارع وعدوتها إلى القواعد. حسن بناجح : تلميذ منحرف يقال إنه أحد تلامذة عبد السلام ياسين، وأحد المقربين منه، خرج إلى العلن بمناسبة حركة 20 فبراير قبل أن يتحول إلى ناطق باسم الجماعة، شغوف بالظهور في القنوات العربية، لكن لديه شغف آخر تم اكتشافه مؤخرا وهو ميوله لقنوات ما بعد منتصف الليل، يقول كثيرون إنه سحب البساط من تحت أرجل أرسلان، لكن قيمته السياسية لن تظهر إلا بعد سنوات من الآن، فهو لازال مندفعا ويفتقد لشروط ممارسة السياسية.عبد المجيد أشرف