شكل موقف جماعة العدل والإحسان مساء الأحد من حركة 20 فبراير، حدثا مهما سيثير بلاشك نقاشات واسعة في الأوساط السياسية والصحافية، ويمكن القول أن هذا الموقف/الحدث كاد يغطي على جلسة مجلس النواب لانتخاب رئيسه الجديد..في الواقع من الصعب استباق الأمور وتقديم قراءة وحيدة ونهائية لموقف الجماعة، خاصة أن مواقف الجماعة منذ عقود وهي تعرف تغييرات بدون مقدمات، والموقف الأخير لا ينفصل عن سلسلة المواقف التي دأبت عليها الجماعة في العشرية الأخيرة، والتي تعكس ما يذهب إليه مجموعة من المحللين، من أن مواقف الجماعة تعكس تباين الرؤى داخلها، وهي رؤى ووجهات نظر تحسن الجماعة التكتم عليها إلى الآن. جاء بيان الجماعة لا يسجل أي تراجع عن مواقفها السابقة، بل يحافظ على تحليلها لبنية النظام السياسي المغربي من خلال تكرار أفكارها التأسيسية التي صارت تقليدية منذ سنوات، ولا تتجاوب مع حجم التحولات التي عرفها المغرب طيلة السنوات الماضية والتي وإن كانت لا تحقق كل إنتظارات الديمقراطيين في الداخل والخارج، لكنها مع ذلك فتحت مجالا لتوسيع الهامش الديمقراطي بشهادة الجميع , وقد شكلت هذه التحولات في أكثر من مناسبة إحراجا للجماعة وأثرت بلاشك على جاذبية خطابها سواء الموجه إلى قواعدها أو ذلك الموجه إلى الرأي العام الوطني والدولي. الجماعة تستمر في مواقفها السابقة، لكن خطوة الانسحاب من حركة 20 فبراير، ستكون لها آثار كبيرة على هذه الأخيرة، فالجميع يعلم أن من أعطى زخما لهذه الحركة في عدد من المدن، هي جماعة العدل والإحسان التي التحقت بالحركة ولم تكن من بين مؤسسيها، هذا الانخراط شكل تحالفا لم يكن متوقعا بين اليسار المتطرف ممثلا خاصة في النهج الديمقراطي والجماعة، وهذا ما كان يشكل قبلة موت الحركة، فالصراعات الإيديولوجية كانت كبيرة بشكل لا يمكن غض الطرف عنها أو تجاهلها، وأن هذا التحالف والتنسيق سينفجر في الطريق بلاشك، وهذا الأمر ربما كان متوقعا بعد أشهر، لكن يبدوا أن الجماعة والتي كانت كلمتها مسموعة في الجموع العامة للحركة ، قامت بتقييم ذاتي لعشرة أشهر من الرهان على الشارع والذي لم يستطع كمنطق وإختيار وآلية أن يستقطب تلك الحشود التي كانت مثيلاتها تخرج في شوارع تونس والقاهرة وصنعاء والمنامة ودمشق وبنغازي، ويبدو أن الجماعة اكتشفت بأن خروجها للشارع بتلك الصورة ساهم في تعريتها تنظيميا أمام الجميع، خاصة الدولة التي كانت ترسم للجماعة صورة أسطورية على قدراتها التعبوية والتي بلاشك تظل مهمة، لكن حركة 20 فبراير كانت فرصة ذهبية بالنسبة للأجهزة الأمنية، للاحتكاك عن قرب بالجماعة خارج أسوار الجامعة ومجالس النصيحة. يبدو أن الجماعة فهمت بأن الاستمرار في الشارع، في ظل ما أفرزته الانتخابات التشريعية ل 25 نونبر من فوز كبير للعدالة والتنمية، يعد انتحارا سياسيا للجماعة، وبالتالي يمكن القول أن ما أفرزته الإنتخابات الأخيرة، ستشكل دعما لتيار المشاركة داخل الجماعة، مادامت الإنتخابات الأخيرة كان من رسائلها أن المواطنين يراهنون على المؤسسات وعلى المشروعية والشرعية للإبتعاد عن مخاطر ما يمكن أن يقود إليه الشارع من انزلاقات، تبين الآن بالملموس أن المغاربة ليست لهم نفس دوافع الشعوب الأخرى، خاصة في الجانب المتعلق بإسقاط النظام، وبالتالي فالأغلبية الساحقة تريد محاربة الفساد وإسقاط الاستبداد وتحسين الحكامة الاقتصادية والسياسية والتنزيل الديمقراطي للدستور الجديد. تبقى هذه قراءة أولية في إنتظار أن يتضح موقف الجماعة أكثر.