في السنوات الأخيرة، لم يعد غريبًا أن نشهد معارك كلامية بين إعلاميين على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث يتبادلون التهم والانتقادات بأسلوب يخلو من المهنية، بل يصل أحيانًا إلى الإساءة الشخصية. هذه الظاهرة لم تعد مجرد حوادث معزولة، بل تحولت إلى نمط متكرر يسيء إلى صورة الصحافة ويُفقدها الكثير من مصداقيتها. قبل سنوات، كان الصحفي يُنظر إليه باعتباره صوت الحقيقة، شخصًا يتحرى الدقة، وينأى بنفسه عن المهاترات. لكن اليوم، تغير المشهد، وأصبح بعض الإعلاميين أكثر اهتمامًا بتصفية حساباتهم الشخصية من الاهتمام بقضايا الجمهور، لا يمر يوم دون أن نجد منشورات حادة على فيسبوك أو تغريدات لاذعة على تويتر، يهاجم فيها صحفي زميلًا له، أو يتهمه بالتحامل والانحياز، وأحيانًا يُلمّح إلى وجود "أجندات خفية" أو "تمويلات مشبوهة". هذا الانزلاق لا يُضعف فقط صورة الإعلامي المتورط فيه، بل يهز ثقة الجمهور في الإعلام ككل. لنأخذ مثالًا قريبًا.. قبل فترة قصيرة، تابع الرأي العام المغربي جدلًا محتدمًا بين إعلاميين معروفين، تحوّل من نقاش حول موضوع سياسي إلى حملة اتهامات شخصية متبادلة، تبعها كشف لمراسلات خاصة وتسريبات غير مهنية. لم يعد الخلاف يدور حول قضية تهم المجتمع، بل أصبح سباقًا نحو تشويه السمعة، هذه المشاهد لا تختلف كثيرًا عن المناوشات التي نشاهدها بين المؤثرين على مواقع التواصل الاجتماعي، لكنها أكثر خطورة حين تأتي من أشخاص يُفترض أنهم حراس الحقيقة. عندما يرى الجمهور هذه المشاهد، فإنه يفقد الثقة في الجميع، كيف يمكن أن نطلب من المتلقي أن يصدق الأخبار التي ينقلها الصحفي، وهو يرى هذا الصحفي نفسه منشغلًا بتصفية حساباته؟ كيف يمكن الحديث عن المهنية في ظل هذا السلوك؟ المشكلة الأكبر أن هذه الصراعات تفتح الباب أمام محاولات التضييق على حرية الإعلام، إذ تستغل بعض الجهات هذا الفوضى لتبرير فرض قيود جديدة على الصحافة، بحجة ضبط المجال ومنع "الإساءة والتشهير". إنقاذ ما يمكن إنقاذه يتطلب وقفة حقيقية، قبل أن تتحول المهنة إلى فوضى لا يمكن السيطرة عليها. الالتزام بأخلاقيات العمل الصحفي لم يعد مجرد خيار، بل ضرورة لضمان استمرار الصحافة في أداء دورها بجدية. الحل يبدأ من التمسك بميثاق الشرف الإعلامي، واحترام زملاء المهنة حتى في حالة الاختلاف، لا أحد يطلب من الصحفيين أن يكونوا متفقين دائمًا، فالاختلاف في الرأي طبيعي، بل ضروري، لكنه يجب أن يظل في إطاره المهني، دون أن يتحول إلى صراع شخصي يفقد الجميع احترامهم. كما أن على الجمهور دورًا في هذه المعادلة، عندما يرفض المتابعون التفاعل مع هذه المعارك، وعندما يتوقفون عن تداول المنشورات التي تحرض على الكراهية بين الإعلاميين، فإن هذه السلوكيات ستتراجع تلقائيًا. الصحافة ليست حلبة صراع، بل هي مهنة تقوم على نقل الحقيقة وخدمة المصلحة العامة، وكلما ابتعد الإعلامي عن هذا الهدف، كلما اقترب من أن يصبح مجرد شخصية مثيرة للجدل، دون قيمة حقيقية تُذكر.