في خطوة أثارت موجة جدل واسع، قرر رئيس مجلس النواب رشيد الطالبي العلمي إحالة النائبة البرلمانية عن جبهة القوى الديمقراطية ريم شباط، إلى لجنة الأخلاقيات بالمجلس، استناداً إلى مؤاخذة اعتبرها المتابعون محاولة واضحة لتكميم أفواه المعارضة داخل البرلمان. جاء القرار على خلفية مداخلة النائبة التي انتقدت فيها سياسات الحكومة في مجال السياحة وضمنها قطاع النقل، حيث اعتبرت أن ضعف أسطول النقل الحضري يعيق تطوير القطاع السياحي، خاصة في ظل استعدادات المغرب لاستضافة كأس إفريقيا والمونديال. المداخلة التي اعتبرها البعض جريئة لم تخرج عن نطاق مناقشة السياسات العمومية التي ينص الدستور على إلزامية الحضور الشهري لرئيس الحكومة لمناقشتها تحت قبة البرلمان، إلا أن الطالبي العلمي رئيس المجلس رأى فيها خروجاً عن اختصاصات المجلس واعتداءا على اختصاصات مؤسسات دستورية أخرى هي الجماعات الترابية، معتبراً أن ملف النقل ينتمي إلى اختصاصات هذه الأخيرة ولا يحق لأي برلماني مناقشة الحكومة فيها. هذا الموقف المستغرب أثار علامات استفهام حول مدى فهم رئيس المجلس للعلاقة الدستورية بين الحكومة والجماعات الترابية، خصوصاً أن الدستور نفسه يؤكد أن هذه الجماعات تمثل المستوى القاعدي الذي تنفذ فيه السياسات العمومية للحكومة، كما ينص الدستور وقوانين تنظيمية وأخرى عادية على آليات الشراكة والتدبير المفوض وتحويل الاختصاصات والتنسيق والتعاون وما إلى ذلك في هذا المجال. النائبة ريم شباط، التي اشتهرت بخطابها النقدي الحاد الممزوج بالسخرية اللاذعة، والتي اعتادت إثارة الجدل بأسلوبها المباشر ولغتها الموصوفة "بالشعبوية"، لم تثر لدى رؤساء جلسات المجلس في السابق ردود فعل مشابهة، لكن هذه المرة، يبدو أن توقيت النازلة وقرب موعد الانتخابات، كان العامل الحاسم في رد الفعل الصارم الذي اتخذ بحقها. ويرى البعض أن قرار الإحالة لم يتوقف عند حد التأويل الضيق والمتعسف للدستور، بل كشف عن تناقض وقصور في فهم رئيس المؤسسة التشريعية الأولى للعلاقة بين الحكومة والجماعات الترابية في تنفيذ السياسات العمومية وفقا للدستور والقوانين التنظيمية، وما تفترضه من تنسيق مباشر بين الطرفين، خاصة في القطاعات الحيوية مثل النقل والصحة والتعليم. كما بدا من واقع النازلة أن رئيس الجلسة تجاهل هذا التشابك واعتبر أن النقاش حول النقل يتجاوز اختصاصات البرلمان، كما لو كانت وزارة الداخلية -الطرف الأساسي في الوصاية والتدبير لقطاع النقل الحضري -ليست وزارة ضمن الحكومة. كما ذهب كثيرون إلى أن قرار رئيس مجلس النواب في حق النائبة ريم شباط يطرح تساؤلات عميقة حول مستقبل حرية التعبير داخل المؤسسة التشريعية، وكون ذلك لا ينفصل عما طال الصحفيين والحقوقيين والمؤثرين من إجراءات التضييق، ويبدو أن الدور في ذلك قد جاء على النواب وممثلي الأمة في خطوة تعتبر مؤشراً خطيراً على محاولة إسكات الأصوات المعارضة، ويقول أصحاب هذا الرأي أنه إذا كان هذا حال البرلمان المنبر الأسمى للنقاش الحر، يشهد تقييداً بهذا الشكل، فما الذي ينتظر المشهد السياسي خارجه مستقبلاً؟ الأحداث الأخيرة تسلط الضوء على معضلة أعمق: هل البرلمان ما زال منبراً للنقاش الحر والمسؤول، أم أنه بصدد التحول إلى ساحة لتصفية الحسابات وتقييد الحريات؟ الأيام القادمة وحدها كفيلة بالكشف عن الإجابة.