مع اقتراب الاستحقاقات الانتخابية في المغرب، تبرز ظاهرة الترحال السياسي بشكل لافت، مثيرة جدلًا واسعًا بين المواطنين. الظاهرة، التي تتجلى في انتقال سياسيين بين الأحزاب بشكل متكرر، أضحت علامة فارقة في المشهد السياسي المغربي، لكنها في الوقت نفسه تثير تساؤلات عميقة حول الالتزام بالمبادئ الحزبية وأخلاقيات العمل السياسي. سياسيون ينتقلون من أحزاب ذات توجهات متناقضة، كمن يتحول من حزب يساري ينادي بالعدالة الاجتماعية إلى حزب يميني يدافع عن اقتصاد السوق، أو من صفوف المعارضة إلى الموالاة، دون تبرير واضح سوى السعي وراء المصالح الشخصية. هذا السلوك يضع المواطن أمام تناقض صارخ؛ إذ يجد أن السياسي الذي كان يهاجم حزبًا بالأمس، أصبح اليوم واحدًا من قياداته، دون اعتبار للخطابات أو المبادئ التي رفعها سابقًا. هذا التحول السريع يعكس ظاهرة أعمق، غياب الالتزام بالمبادئ السياسية لدى بعض السياسيين، وسعيهم وراء المناصب والمكاسب الانتخابية. فالترحال السياسي يرسل رسالة صريحة بأن الولاء ليس للأفكار أو الناخبين، بل للمصالح الآنية، وهو ما يزيد من إحباط المواطن المغربي الذي بات يرى في هذه الظاهرة تعبيرًا عن أزمة أخلاقية تضرب قلب العملية الديمقراطية. من جانب آخر، تتحمل الأحزاب السياسية المسؤولية عن هذا الوضع، فهي التي تفتح أبوابها للمنتمين الجدد دون مساءلتهم عن خلفياتهم أو تقييم مدى انسجامهم مع توجهاتها. هذه الأحزاب، في سعيها لتحقيق مكاسب انتخابية قصيرة الأمد، تفقد مصداقيتها لدى الناخبين، مما يزيد من ضعف ثقة المواطنين بالمؤسسات السياسية. هذه الفوضى السياسية تنعكس بشكل مباشر على الشارع المغربي، حيث يعاني المواطن من اختلاط المشهد الحزبي وتشابه الخطابات، حيث أصبح من الصعب التمييز بين ما يقدمه حزب وما يعارضه آخر، خاصة مع التغير السريع في ولاءات السياسيين وتصريحاتهم. النتيجة هي انعدام الثقة في العملية السياسية بأكملها، حيث يتبدد الأمل في أن تكون الأحزاب أدوات للتغيير وخدمة المواطن. الحل لهذه الظاهرة يتطلب تدخلًا قانونيًا حازمًا، يضع حدًا للترحال السياسي من خلال سن تشريعات تمنع الانتقال غير المبرر بين الأحزاب، كما يستدعي دورًا أكبر للمواطن في اختيار ممثليه بناءً على الكفاءة والمصداقية، وليس فقط على أساس الشعارات الرنانة التي سرعان ما تتلاشى مع تغير الولاءات. هذا، ويبقى الرهان على وعي الشعب المغربي في محاسبة السياسيين الذين يتعاملون مع السياسة كفرصة للانتهازية، لا كمسؤولية وطنية. معالجة هذه الظاهرة تتطلب إصلاحًا شاملًا يعيد الاعتبار للعمل السياسي، ليكون منسجمًا مع تطلعات المغاربة وطموحاتهم في بناء ديمقراطية حقيقية. الترحال السياسي ليس مجرد حركة بين الأحزاب، بل هو مؤشر على أزمة أعمق تحتاج إلى مواجهة جذرية لضمان مستقبل سياسي أكثر شفافية ومصداقية.