لطالما كان الإبداع مفهومًا يتجاوز مجرد الخروج عن المألوف؛ فهو عملية ديناميكية تعتمد على استنبات الأفكار وإعادة صياغتها بمنطق جديد يتناسب مع الحاضر ويتطلع إلى المستقبل. الإبداع الحقيقي لا ينفصل عن الذاكرة الجماعية، بل يعيد تشكيلها بطرق مبتكرة تحافظ على الجذور مع انفتاحها على التطور. في هذا السياق، تثير احتفالات رأس السنة الأمازيغية في مدينة أكادير تساؤلات حول مدى انسجامها مع القيم والتقاليد الأمازيغية الأصيلة، خاصة مع إدخال عناصر مثل الألعاب النارية التي تبدو منفصلة عن الهوية الثقافية الأمازيغية. الألعاب النارية: عنصر دخيل أم إبداع جديد؟ في احتفالات أكادير الأخيرة، لفتت الألعاب النارية الأنظار بجاذبيتها البصرية، لكنها أثارت تساؤلات حول مدى توافقها مع الروح الثقافية الأمازيغية. فرغم إبهارها، لا تحمل الألعاب النارية نفس القيمة الرمزية التي تجسدها تقاليد أمازيغية أصيلة مثل التبوريدة، التي تعكس قيم الفروسية والشجاعة، أو الرقصات الشعبية والمأكولات التراثية التي تعبر عن ارتباط عميق بالأرض والتاريخ. هذه التقاليد ليست مجرد مظاهر احتفالية، بل هي تعبيرات حية عن تاريخ وثقافة شعب متجذّر في أرضه. إدخال عناصر دخيلة مثل الألعاب النارية قد يُفقد الاحتفالات رمزيتها الثقافية ويُهدد بتحويلها إلى فعاليات تفتقر إلى العمق الثقافي الذي يميز الاحتفالات الأمازيغية التقليدية. هذا الانزياح الثقافي يطرح تساؤلات حول مدى الحفاظ على أصالة الاحتفالات في ظل إدخال مظاهر قد تُضعف الهوية الثقافية. نحو احتفالات أكثر أصالة في مواجهة هذا الانزياح، تبرز الحاجة الملحّة لإعادة تصميم احتفالات رأس السنة الأمازيغية بحيث تُعزز الهوية الثقافية بدلًا من طمسها. يمكن تحقيق ذلك من خلال التركيز على العناصر التقليدية الأصيلة، مثل عروض التبوريدة، والموسيقى الأمازيغية، والرقصات الشعبية، والمأكولات التراثية التي تعكس التنوع الثقافي للمنطقة. هذه الأنشطة ليست مجرد مظاهر احتفالية، بل هي رسائل ثقافية تُبرز غنى التراث الأمازيغي ورمزيته العميقة. الإبداع الحقيقي لا يعني التخلي عن الماضي، بل هو عملية توظيف للذاكرة الجماعية بطرق مبتكرة تُعزز الحاضر وتستشرف المستقبل. لذلك، يجب أن تكون احتفالات رأس السنة الأمازيغية فرصة لإعادة تأكيد الهوية الثقافية وترسيخها، بدلًا من تقليد مظاهر دخيلة قد تُضعفها. دعوة للتأمل والعمل من هذا المنطلق، ندعو المهتمين بالشأن الثقافي الأمازيغي إلى التفكير بوعي في كيفية صون هذه الهوية والاحتفاء بها. الحفاظ على التراث الأمازيغي مسؤولية جماعية تتطلب وعيًا ثقافيًا عميقًا وإبداعًا مستدامًا. الإبداع ليس مجرد خروج عن المألوف، بل هو رحلة في ذاكرة المجتمع ومفرداته نحو آفاق جديدة.