في ظل طوفان المحتوى السطحي الذي غزا منصات التواصل الاجتماعي، ظهر بودكاست "كلام في السياسة" لتوفيق بوعشرين كنسمة أمل تعيد للأذهان دور الصحافة الجادة في التوعية والتنوير. فمنذ إطلاقه، حقق هذا البرنامج أرقامًا لافتة على منصة اليوتيوب، ليؤكد تعطش المتابعين لمحتوى يلامس قضاياهم بموضوعية وجدية بعيدًا عن الإثارة الرخيصة والتفاهة المهيمنة. لم يكن النجاح الذي حققه "كلام في السياسة" مجرد صدفة، بل جاء نتيجة محتوى مدروس يطرح قضايا تمس المواطن المغربي بشكل مباشر. الأرقام التي حققتها الحلقات الأولى من البودكاست على يوتيوب تتحدث عن نفسها، حيث وصلت نسبة المشاهدات إلى مستويات مرتفعة، مع تفاعل كبير في التعليقات والمشاركات. هذا النجاح يشير إلى تحول نسبي في اهتمامات الجمهور، الذي يبدو أنه بدأ يبحث عن محتوى ينير العقول ويثير النقاشات الهادفة. هذا، ويمتاز بودكاست بوعشرين بتركيزه على قضايا سياسية واجتماعية تهم المواطن المغربي، من قبيل دور الأحزاب السياسية في الحياة العامة، وعلاقة المواطن بالسلطة، والمشاكل الاقتصادية التي تواجه الفئات المتوسطة والفقيرة. هذه المواضيع لم تأتِ بمعزل عن واقع الشارع المغربي، بل كانت انعكاسًا لهموم المواطن اليومية. التفاعل الكبير مع بودكاست "كلام في السياسة" يثير سؤالًا جوهريًا: هل نحن بصدد بداية تحول اجتماعي نحو وعي أكبر بالقضايا الجادة؟ يبدو أن هناك شرائح من المجتمع بدأت تدرك الحاجة إلى محتوى يبتعد عن السطحية ويسلط الضوء على القضايا المحورية. هذا التحول قد يكون مؤشرًا على نضج نسبي في أوساط المتابعين، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي جعلت المواطن أكثر حاجة لفهم واقعه بدل الهروب منه عبر التفاهة. وعلى الرغم من إشراقات مثل بودكاست بوعشرين، فإن التحديات ما زالت قائمة أمام الصحافة الجادة. المحتوى الهادف غالبًا ما يجد نفسه محاصرًا بين عائق التمويل وغياب الدعم، في وقت تتصدر فيه التفاهة عناوين منصات التواصل الاجتماعي بسبب سهولة الانتشار وقلة التكلفة. و يبقى "كلام في السياسة" نموذجًا حيًا لقدرة الصحافة الجادة على تحقيق صدى واسع حتى وسط بيئة إعلامية متخمة بالمحتوى التافه. ربما تكون هذه المبادرة بداية لمرحلة جديدة من الوعي الاجتماعي، حيث يعود المواطن المغربي للبحث عن الحقيقة وتحليل الواقع بدل الوقوع في فخ الإثارة الزائفة. هذا التحول يتطلب دعمًا أكبر للمبادرات الإعلامية الهادفة، وتشجيعًا للإعلاميين الذين يختارون طريق الجودة على حساب الكم. فالمجتمع بحاجة إلى أصوات عاقلة، تقوده نحو مستقبل أكثر وعيًا وإدراكًا. عبدالله بن عيسى – أكادير24