الصحافة ليس لها وجه واحد ولا تخصص فريد. تتطور الممارسة الصحافية مع تطور حرية التعبير. كلما توسعت دائرة هذه الحرية، كلما توسعت تخصصات الصحافة، حتى بلغت مستوى تقسيمها إلى أجناس صحفية. فأضحى الصحفي يتخصص في مجال من مجالات هذه الأجناس. وفي المقابل، كلما ضاقت مساحة حرية التعبير، كلما انتشرت سلوكيات محاربة الصحافة وضاقت تخصصات الفعل والعمل الصحفي. حين تتوسع دائرة حرية التعبير، تصبح للصحافة تخصصات في أجناس كثيرة ومتنوعة من قبيل: صحافة الخبر-صحافة المشاهير-صحافة التربص-الصحافة الاستقصائية-صحافة الرياضة-صحافة العلوم وغيرها من التخصصات. هذه الأجناس الصحافية، تجعل مجال الفعل الصحفي يشمل كل مناحي الحياة المجتمعية بمؤسساتها وعلاقات بعضها ببعض. وهو ما يعكس تصنيف الصحافة كسلطة رابعة، لها دور المراقبة، وليس دور وصف الأحداث فقط، أو التمجيد في بعض الأفعال. ما يهم الصحفي هو تلك النواقص التي يتوصل إليها، بطرق صحفية مشروعة، وذلك بالاستعانة بمصادره الخاصة. فيقوم بإخراج تلك الفضائح إلى الرأي العام. هذه الممارسة الصحفية، هي التي تساعد على تدعيم الحكامة في التسيير، والحفاظ على حقوق عموم الناس. لذلك تعتبر سلطة رابعة. وليس دور الصحفي تمجيد المنجزات، وتبجيل الأشخاص، لأن المنجزات هي من صميم مسؤولية كل من يدبر مرفقا عموميا بالمال العام، وليس مِنَّة منه للمواطنين. تلك هي فلسفة الممارسة الصحفية. هذه المفاهيم نجدها في المجتمعات التي تحكمها مؤسسات تقدر الصحافة وحرية التعبير. لكن مع حكومة السيد عزيز أخنوش، ظهرت فلسفة أخرى، تريد أن تدعم جنسا صحفيا جديدا، غير معروف لدى المتخصصين في الأجناس الصحفية. إنه جنس الصحفي الذي يتحول إلى ناطق رسمي باسم الوزراء والحكومة. فتجد هذا الجنس الصحفي، لا يعرف سوى المديح، ولا يقول إلا ما قيل له. وحين تتحرك الصحافة المستقلة في موضوع ما، تجده يتجند للرد عليها في مشهد سريالي لا يمت للصحافة بصلة. فالصحفي المستقل، يتحدث عن فضيحة تخص وزير أو حكومة، ومن المفروض أن يخرج الوزير أو الناطق الرسمي للرد، أو إصدار بيان حقيقة. لكننا نجد في الحكومة الحالية، جنسا صحفيا يقوم بهذه المهمة، لذلك نتحدث عن جنس جديد من الصحفيين في حكومة السيد أخنوش اسمه "صحفي ناطق رسمي". في حكومة السيد أخنوش، تجد مؤسسات إعلامية وصحفيين، يخوضون في موضوع هو في الأصل بين صحفي مستقل ووزير أو عضو في الحكومة. وحين تبحث عن طبيعة المهام الموكولة للناطق الرسمي باسم الحكومة، تجدها تنطبق على هؤلاء الصحفيين الذين تخلوا عن رسالتهم الصحفية، وتحولوا إلى جنس جديد في الصحافة ابتكرته حكومة أخنوش. إنه الصحفي من جنس الناطق الرسمي. حين تتمعن في جنس الصحافة التي ينتمي إليها الصحفي حميد المهدوي، وجنس الصحافة التي تمارسه مجموعة تصف نفسها بالعصابة، تُدرك أننا أمام صحافة مستقلة وأخرى من جنس ناطق رسمي. سعيد الغماز