في الصورة مصطفى حيران وعلي لمرابط عقب إحدى جلسات محاكمة المشعل محاولة لإثارة انتباه الدولة في المغرب ما يجب أن تنتبه إليه الدولة في المغرب أن الإزعاج الإعلامي الحقيقي هو ذاك الآتي من الخارج، وليس من الداخل من خلال الصحافة الوطنية. وعوض أن تقتنع الدولة بأن جزءا من صحافتها يهدد النظام العام ويتطاول على الجميع، عليها أن تستبق الأحداث وتقر قوانين واضحة، بإشراك المهنيين وفقهاء القانون، خاصة بقضايا النشر والصحافة بشكل يتماشى مع تصريحات مسؤوليها الموجهة أساسا إلى الخارج، والقائلة بأن المغرب دولة الحق والقانون وحرية التعبير، ولا مجال فيه لقمع الصحافة والرغبة في القضاء عليها. إن التصريحات نفسها هي التي تستغلها صحافة الخارج لتنظم، من حين إلى آخر، هجوما ممنهجا على المغرب الذي يشهد هذه الأيام حملة "تطهيرية" على جزء من صحافته. ألا تنتبه الدولة عبر الحكومة إلى الفرق بين ما تعتبره تجاوزات الصحافة المغربية، وبين هجوم إعلام الخارج؟ فهذا الأخير، إما وراء أحزاب قوية أو مجتمع مدني صلب أو حكومات، ولوبيات سياسية واقتصادية مناوئة لمصالح المغرب، وحتى مافيات. فهل يكفي أمام كل هذا أن يصدر قرار بمنع جريدة أجنبية أو أكثر من التوزيع في المغرب، لأنها ارتكبت من وجهة نظر القانون المغربي جنحة الإساءة أو نشر خبر زائف؟ بالطبع لا، في زمن الإنترنت و"الفيس بوك" و"اليوتوب".
عين العقل هو تقوية الإعلام المغربي، و تقويته لا تعني جعله يردد أنشودة "العام زين" كل عهد، بل بوضع قوانين لا تتضمن بند الاعتقال والغرامات المالية الضخمة في قضايا النشر والصحافة، وأن تمارس هذه الأخيرة لتحقيق حقوق أساسية في أي مجتمع يريد يوصف بأنه ديمقراطي، وهي حق المواطن في الإخبار، وحق الحصول على المعلومة، وحتى حق حماية مصادر الخبر، حتى لا يضطر مدير نشر أو صحافي إلى الاعتراف بأنه أخطأ فقط لأنه يريد حماية مصدر خبره، وأن تمارس الصحافة لتحقيق التوعية والتسلية والتقييم والتقويم.
وعين العقل أيضا أن تستبعد، في المرحلة الحالية، مقتضيات القانون الجنائي كلما تعلق الأمر بمتابعة رجال الصحافة ونساؤها.
وعين العقل أخيرا أن يكف معشر الصحافيون والإعلاميون ومدراء النشر وأصحاب المقاولات الإعلامية "المستقلة" منها والحزبية، عن التطاحن في ما بينهم، وأن يذوب الصحافيون المغاربة ذلك الجليد المتراكم بين أولئك الذين يشتغلون في الصحافة الحزبية، والمنتمين إلى الصحافة التي توصف بأنها مستقلة، فصحافيو الإعلام الحزبي لا يقلون جرأة ولا تكوينا ولا قدرة على تحليل الأحداث، كل ما في الأمر أن الصحف الحزبية انصهرت مع أحزابها، ويزداد الانصهار حين تكون هذه الأحزاب أو تلك مشاركة في الحكومة. والواضح أن أغلب الأحزاب تعرضت للترويض إلى درجة أنها نسيت أن المغرب في حاجة لأن تسود فيه قيم الديمقراطية وحرية التعبير، ويوجد فيه إعلام قوي وجريء. ونسيت هذه الأحزاب أنه لا يجب اللجوء إلى القرارات السياسية لتحريك المتابعات القضائية في حق الصحافة.
غياب دور الأحزاب، وليونة المجتمع المدني، ودخول المفكرين المغاربة في غيبوبة اختيارية، وتشرذم الجسم الصحافي وضبابية القوانين، فتح المجال أمام اجتهادات صحافية اعتبرت كل الحواجز الموضوعة أمام حرية التعبير في المغرب وهمية.
المسؤولية في العمل الصحافي ملزمة حين لا تكون القوانين فضفاضة، وحين يمارس الحق في الحصول على المعلومة. والمسؤولية في مهنة الصحافة لا تعني ترك باب الاجتهاد للصحافيين في رسم الخطوط وتلوينها باللون الذي أرادوا، فبهذا الشكل تصبح كل الخطوط حمراء عند الكثيرين، وتصبح الرقابة الذاتية هي سيدة الموقف. وبهذا الشكل أيضا قد يوجد من الصحافيين من يتعمد ألا تتضمن مقلمته ملونا أحمرا، ولعل هؤلاء هم المقصودين بقول الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية "أقلية من الاستفزازيين الذين تسربوا للجسم الصحفي يحاولون ترويج بضاعة بئيسة لا علاقة لها بحرية الصحافة والحق في التعبير". هذا الكلام ورد على لسان الناطق باسم الحكومة وزير الاتصال، في تصريح كان أدلى به ل"قدس برس" يوم 21 أكتوبر الجاري. وأمام مثل هذا التصريح، ما على الصحافيين المعنيين سوى اقتراض بعض الملونات الحمراء من الناطق الرسمي باسم الحكومة، فيبدو أن حقيبته مملوءة بهذا النوع من الألوان، بما أنه لا يعلم "لا من قريب أو بعيد" الكثير مما يحدث في البلاد.