في لحظة تحمل أبعادًا تاريخية ومأساوية في آنٍ واحد، تتسابق الأنفاس وتتوحد الجهود لفك شيفرة أبواب زنازين سجن صيدنايا العسكري، هذا المكان الذي أصبح رمزًا للقهر والاستبداد في ظل نظام بشار الأسد. ومع سقوط النظام فجر الأحد الماضي، بات السجن ثقبًا أسودًا يعج بالأسرار التي لم تنكشف بعد. سجن صيدنايا، الذي لطالما كان محط أنظار المنظمات الحقوقية بوصفه مسرحًا لجرائم ضد الإنسانية، يتحول اليوم إلى مسرح جديد من نوع آخر، حيث يهرع الثوار ورجال الأعمال السوريون لرصد مكافآت سخية لمن يملك الشيفرة أو يستطيع فكها. إحدى هذه المكافآت بلغت 100 ألف دولار، في مؤشر على حجم الأهمية التي يوليها السوريون لهذا السجن وما يمكن أن يكشف عنه من حقائق وأدلة عن سنوات طويلة من الانتهاكات. يبدو أن هذا التحدي لا يتعلق فقط بفتح الأبواب الحديدية، بل هو معركة رمزية لفك قيود الماضي وكشف المستور. فزنازين صيدنايا لم تكن مجرد أماكن احتجاز، بل كانت مقابر للأحياء، وصندوقًا مغلقًا لكل ما يثبت الجرائم التي ارتكبها النظام. لكن التحدي التقني في فك شيفرة الأبواب الإلكترونية ليس بالأمر البسيط. هذه الأبواب المزودة بأنظمة أمنية معقدة صُممت لتكون حصنًا منيعًا. ولذا، فإن كل محاولة لفكها ليست مجرد عملية تقنية، بل هي صرخة في وجه الظلم وتحدٍّ للقيود التي طالما خنقت أحلام الحرية. رصد هذه المكافآت يبرز الإصرار السوري على تجاوز العقبات، مهما كانت صعبة. إنه انعكاس للروح الجماعية التي توحدت حول هدف نبيل: معرفة الحقيقة وإنصاف الضحايا. وقد تكون عملية فتح الأبواب البداية فقط، فالمسألة تتعدى مجرد إخراج من تبقى داخل الزنازين، لتصل إلى مرحلة التوثيق والمحاسبة. هذا الحراك الشعبي الذي يشهده الملف، يعكس أيضًا وعيًا بأهمية استغلال هذه اللحظة التاريخية لإحقاق العدالة. فالسجون كانت واحدة من الأدوات الأكثر وحشية للنظام، وإذا ما فُتحت زنازين صيدنايا، فإنها قد تتحول إلى أدلة دامغة في محاكمات المستقبل، سواء داخل سوريا أو في المحافل الدولية. ولكن، يبقى السؤال الأكبر: هل ستتمكن هذه الجهود من فك الشيفرة وكشف المستور؟ أم أن العقبات التقنية قد تُضاف إلى سلسلة العوائق التي لطالما واجهها السوريون في طريقهم نحو الحرية؟ ما يحدث اليوم في صيدنايا ليس مجرد لحظة في مسار الثورة السورية، بل هو مشهد يحمل في طياته رمزية عميقة عن النضال ضد الظلم. وإذا ما نجح الثوار ورجال الأعمال في فك شيفرة الأبواب، فإن هذا الإنجاز سيكون شهادة حية على قوة الإرادة في وجه أعقد التحديات.