الدروس الخصوصية: التجارة التي لا تبور تجذرت الدروس الخصوصية في المجتمع بشكل لم تبلغه حتى الدروس النظامية بل تحولت الى مدرسة موازية قائمة بذاتها واحيانا يمكن اعتبارها المدرسة الاولى لأنها صارت تتحكم في مسار التلاميذ وفي كل الاطوار التعليمية من التعليم الاولي الى التعليم الجامعي مما شجع دخول اشخاص غرباء هذه الوظيفة بشواهدهم الجامعية العليا وحتى بتخصصات غير تربوية كالمهندسين والقانونيين وطلبة جامعيين عاطلين وغيرهم صاروا يمارسون هذه المهنة الممنوعة في شكلها ولكنها مباحة من طرف الجميع حتى المدرسين النظاميين لم يعودوا يجدون اي حرج بمزاولتهم للدروس الخصوصية والطلب عليها يتزايد اكثر فاكثر وسنة بعد اخرى لانهم وجدوا فيها سوقا تجارية رائجة مدرة للدخل وتضطر الاسر الى الاستدانة لتغطية تكاليف الساعات الخصوصية لأبنائهم وبناتهم بعد ان تغيرت نظرتهم الى المدرسة الحكومية جدوائيتها . تمثل ظاهرة الدروس الخصوصية مشكلة كبيرة في نظامنا التعليمي بل تعد من اهم المشكلات التي تواجه العملية التعليمية ويطلق عليها البعض (التعليم في السوق السوداء)او (التعليم في السوق الموازية) او (التعليم في الظل) وهو نظام تعليمي خفي يعتمد في عمله ووجوده على نظام التعليم الرسمي ويتأثر به من حيث الحجم ومستوى اداء الخدمة التعليمية، فكلما انخفض مستوى تقديم الخدمة التعليمية في النظام التعليمي كلما تزايد الاقبال على الدروس الخصوصية والعكس صحيح حتى اصبحت الدروس الخصوصية او الساعات الاضافية عادة وسلوكا عاما وظاهرة اجتماعية منتشرة في الاوساط التعليمية والاجتماعية منذ اكثر من ثلاثة عقود ويقبل التلاميذ على هذه الدروس والحصص الخصوصية (لأنها بحسب اعتقاد اولياء امورهم تدعم مكتسباتهم المعرفية وتعززها وترفع مستوى تحصيلهم وتساعد على انهاء واتمام البرامج والمقررات الدراسية وبدونها لا يمكن اجتياز الامتحانات بثقة وتفوق) !!! اذا كانت هذه الدروس الخصوصية قد اقتصرت في بداية ظهورها على المتعثرين وضعيفي المستوى في الجانب التحصيلي الا انه بعد فترة قصيرة اخذت تنتشر بصورة كبيرة وزاد اقبال كل فئات المجتمع على هذا النمط التعليمي نظرا لرغبة اولياء الامور في تحقيق مستقبل جيد لأبنائهم وان تسبب لها ذلك في ارهاق مادي واقتصادي واجتماعي. إنها ظاهرة لها أبعاد خطيرة بعضها مرتبط بالقضايا التربوية والتعليمية وأزمة المدرسة العمومية والبعض الآخر مرتبط بالمجتمع بشكل عام من حيث نشوء فئة جديدة من الأسر على علم تام بميكانيزمات المدرسة ولهم تصورات ومشاريع دراسية طموحة يحفزون بها أبناءهم ويساهمون بها في توجيههم الدراسي الملائم لهم، ويوفرون لهم كل السبل الممكنة لتفوقهم ونجاحهم بما في ذلك اللجوء للساعات الخصوصية وهذا تقليد جديد وسوق جديدة وطبقة جديدة من المنتفعين من هذه الظاهرة. الدروس الخصوصية في البدء كانت دعما … ثم سلعة وتجارة !!! غالبا ما يتم الخلط والدمج بين الدروس الخصوصية ودروس الدعم واذا كان تعريف الدروس الخصوصية لم يرد في معاجم اللغة العربية فان لفظة الدعم تعني لغة اسنده حتى لا يميل او يسقط ودعمه اي اعانه وقواه واصطلاحا الدعم التربوي هو تدخل بيداغوجي وظيفته تشخيص وضبط وتصحيح التعلمات من اجل تقليص الفارق بين مستوى المتعلمين لتحقيق الاهداف والكفايات المنشودة كما يهدف الدعم التربوي الى تجاوز تعثرات التعلم قبل تراكمها وتحولها الى عوائق للتعلم وهو من بين اهم المكونات الاساسية للعملية التعليمية التعلمية اما الدروس الخصوصية فيقصد بها ( كل جهد تعليمي يحصل عليه المتعلم خارج الفصل المدرسي ويكون هذا الجهد التعليمي منتظما ومتكررا وباجر متفق عليه.. ويقوم بإنجازها احد الاشخاص قد يكون نفس المدرس او مدرسون اخرون خارج مبنى المدرسة) وعرفها Putkiewicz بانها(مجموعة الدروس التي يتلقاها التلميذ بمفرده او ضمن مجموعة خارج المدرسة والتي يدفع ثمنها من قبل الاباء او التلاميذ انفسهم بهدف استكمال المواد الدراسية)كما عرفت بانها(تدريس خفي باجر معلوم خارج نطاق المدرسة وبعيدا عن نظام التعليم الرسمي ويمارس بشكل غير نظامي ويدفع للقائم به مبالغ مالية) والمغرب شانه في ذلك شان باقي دول العالم اخذت تنتشر به ظاهرة الدروس الخصوصية بصورة كبيرة مع انتشار واتساع التعليم النظامي وزيادة اقبال كل فئات المجتمع على التعليم ورغبة الاسر في تحقيق مستقبل جيد لأبنائها ورغم عدم وجود احصائيات رسمية حول تمددها وانتشارها الا ان الكتابات والتقارير الصحفية تشير الى انتشارها بل تغولها في المجتمع المغربي وهكذا يمكن القول ان الدروس الخصوصية قد اخلت بمبدأ تكافؤ الفرص التعليمية وجعلت التفوق في الامتحان وكانه سلعة تربوية تقتنى باللجوء الى الساعات الخصوصية وهو ما يشكل تهديدا حقيقيا للتعليم النظامي. برزت الدروس الخصوصية في البداية كمشروع لمساعدة المتعلم على مواصلة تعليمه وخاصة تلاميذ الاقسام النهاية (السادسة ابتدائي- الثالثة اعدادي – الثانية باكالوريا) الى درجة انها اصبحت "ضرورية" خصوصا في المواد الاساسية وفي كل الشعب سواء كانت شعبا علمية (الرياضيات والفيزياء وعلوم الحياة والارض) او شعبا ادبية ( اللغة الاجنبية الثانية -الفلسفة واللغة العربية) والهدف منها "مساعدة" التلميذ على النجاح في الامتحانات لان هذا النجاح بالنسبة للأسر يعتبر اداة لتحسين الوضع الثقافي والاجتماعي والاقتصادي لذا تركز هذه الدروس الخصوصية على اتقان المهارات في الامتحانات دون بقية الاهداف التربوية. قد يختلف عدد كبير منا في تقييم ظاهرة الدروس الخصوصية اذ يعدها البعض ظاهرة سلبية لا تعبر الا عن "طمع" المدرسين وسعيهم الى الكسب غير المشروع فيقصرون في اداء واجبهم في الفصول الدراسية اما البعض الاخر فيجد انها ليست نتاج تقصير من قبل المدرسين بقدر ماهي نتاج لطبيعة النظام التعليمي وحجم المنهاج الدراسي الطويل وبالتالي يضطر المدرس الى تكييف الزمن المدرسي مع المقرر والمنهاج الدراسي مما لا يسمح بمراعاة اختلاف قدرات ومؤهلات التلاميذ.. مثلا مادة الرياضيات هي من المقررات التي تحتاج الى تطبيقات من جانب المدرس والمتعلمين ونظرا لضيق زمن الحصة الدراسية وكثرة اعداد التلاميذ بالفصل الدراسي يقل نصيب التلميذ من التطبيقات والتمارين والتقييم الشخصي للمادة الامر الذي يدفع الى اللجوء للدروس الخصوصية وقد يذهب اخرون الى وصف ظاهرة الدروس الخصوصية المتنامية في السنوات الاخيرة بانها نتاج السمة الاستهلاكية المتصاعدة للمجتمع اذ ينشغل الاباء والامهات في واجباتهم اليومية سواء في البيت او العمل لتامين حاجيات ابنائهم لتوفير المال اللازم للدروس الخصوصية مقابل التنازل عن كثير من المتطلبات والاحتياجات اليومية. وعن الاثار السلبية المترتبة عن الدروس الخصوصية : بالنسبة للنظام التعليمي فان للدروس الخصوصية اثارا سلبية كثيرة على المنظومة التعليمية واهمها انها تحد من مبدا مجانية التعليم ومبدا المساواة وتكافؤ الفرص التعليمية والتحصيلية والتقويمية بين المتعلمين وقد كشف وزير التربية الوطنية من خلال تعقيبه على تدخلات المستشارين خلال مناقشة الميزانية الفرعية لوزارته بلجنة التعليم في الغرفة الثانية ان اغلب الوافدين على كليات الطب في المغرب هم من ابناء التعليم الخاص بنسبة تصل الى 75 في المائة فهل يمكننا الحديث عن تكافؤ الفرص في منظومتنا التعليمية امام هذا الاختراق الماحق للتعليم الخاص وللساعات الخصوصية والميز التربوي والاجتماعي بين ابناء الوطن الواحد؟؟؟ بالنسبة للمدرسة تتسبب الدروس الخصوصية في انتشار ثقافة عدم الانضباط بين المدرسين وتلامذتهم وبين المؤسسة التعليمية و(سانتر) بسبب تضارب اوقات الدروس الخصوصية مع الزمن المدرسي النظامي مما يخلق فوضى تنظيمية وتدبيرية وتربوية وهو ما يزيد من حالات الغياب بالمدرسة بسبب تضارب مواعيد الدروس الخصوصية مع مواعيد المدرسة ويؤدي ذلك الى ارتفاع وتيرة العنف والشغب وتدني قيمة المدرسة العمومية في نظر التلاميذ واسرهم. بالنسبة للمتعلم تجعل الدروس الخصوصية التلميذ يعتمد على عدة الامتحانات فقط ولا غير وهو يعتمد على غيره في الفهم والاستيعاب دون قيمة للمدرس النظامي وتفقده الدروس الخصوصية القدرة على التعلم الذاتي كما تسبب له الكثير من الاضرار النفسية والفكرية مثل: الارهاق وانهاك قدراته الفكرية والجسمية واصابته بالتعب وتشتت الافكار والتبعية والاتكالية والقلق والاحباط وعدم الشعور بالأمن والراحة الى جانب الخوف من الامتحانات. بالنسبة للمدرس تسبب الارهاق البدني والذهني للمدرس وتضعف التفاعل الايجابي بينه وبين التلميذ اثناء الحصة الدراسية الحضورية في الفصل وتقلل من هيبته واحترامه وان كانت تحسن من دخله المادي. بالنسبة للآسر فان الدروس الخصوصية تكلفها مبالغ مالية كثيرة تفوق قدرة الاسر المتوسطة والصغيرة ومحدودة الدخل ولها اثار اقتصادية ضاغطة على ميزانية الاسرة وما يترتب عليه من مشكلات اجتماعية داخل الاسرة بين الاب والام وبينهما وبين الابناء لتوفير تلك النفقات واضطرار الاسر للتنازل عن كثير من المتطلبات والاحتياجات لتوفير المال اللازم للدروس الخصوصية لأبنائهم وماذا عن الاجراءات الادارية والقانونية لمحاصرة الظاهرة ؟ قامت الوزارة الوصية للقطاع باستصدار قوانين ومذكرات تنظيمية تحاول تقنين الدروس الخصوصية.. لكن هل يجوز تقنين الاخطاء؟؟؟ ان وجود ظاهرة قوية مثل الدروس الخصوصية لا يمكن السيطرة عليها ولا يعني ان نقوم بتقنينها لأنها نظام تعليمي يعيش في الظل وخفي، يزدهر في ظل تراجع وحجم مستوى اداء الخدمة التعليمية ويقتل مبدا الانصاف والمساواة وتكافؤ الفرص ومن بين المذكرات التنظيمية في هذا الشأن : – المذكرة رقم 9 الصادرة في 12 يناير 1981 في شان تنظيم الدروس الاضافية والتي تعني في منطوق المذكرة (الدروس الاضافية الخاصة التي يجبر الاساتذة التلاميذ عليها بمقابل وداخل المؤسسات التعليمية). – المذكرة رقم 237 في شان تنظيم الدروس الخصوصية الصادرة في 19 دجنبر 1991 في شان الدروس الخاصة. – المذكرة 138الصادرة في 20 اكتوبر 1997 في شان الدعم التربوي وهي مثل المذكرة السالفة الذكر بخصوص الدعم التربوي وتشرح اهمية الدعم في جميع المستويات وتوصي بوضع خطة لتنظيم دروس الدعم طيلة السنة ويقوم بها المدرسون الاحتياطيون او الذين لا يستوفون حصصهم الاسبوعية الواجبة. – المذكرة الوزارية رقم 109 الصادرة بتاريخ 3 شتنبر2008 في شان الترخيص لأطر هيئة التدريس بالقيام بالساعات الاضافية بمؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي. – القانون رقم 00.06 بشان النظام الاساسي للتعليم المدرسي الخصوصي. – المذكرة رقم 01الصادرة في 17 يناير 2002 بخصوص القيام بساعات اضافية بمؤسسات التعليم الخصوصي. – وتعتبر المذكرة 233 شاذة بحيث لا تشير في المرجع للمذكرات السالفة وانما تشير في الموضوع الى المنشور رقم 99 /30 المتعلق بالجمع بين الوظيفة والانشطة الحرة – المذكرة 382-10 بشان الترخيص لأطر هيئة التدريس بالقيام بساعات اضافية بمؤسسات التعليم المدرسي الخصوصي. واخيرا وليس اخرا جاءت المذكرة 225-24الصادرة عن الوزارة بتاريخ11 نونبر 2024 وتسمح للراغبين في الاشتغال لساعات اضافية بمؤسسات التعليم الخصوصي تقديم طلب للحصول على ترخيص اولي في نهاية شهر يونيو من كل سنة دراسية كحد اقصى ويتم تجديده بترخيص نهائي قبل نهاية شهر شتنبر. وهذه المذكرة استندت الى مقتضيات المادتين 13و14 من القانون رقم 00.06المنظم للتعليم الخصوصي وبما يتماشى مع القانون الاطار رقم 17.51 الخاص بمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي ووفق منشور الوزير الاول رقم 2952 المؤرخ في 30 نونبر 2000 بشان الجمع بين الوظيفة والانشطة الحرة المذكرة اثارت انتقادات واسعة واعتبرها البعض شهادة وفاة للتعليم النظامي والمدارس العمومية لان التقنين هو شرعنة للدروس الخصوصية مما سيجعل هذا التعليم مجالا للتمييز الطبقي وهو ما يرفضه الراي العام المجتمعي. وعوض القضاء على الدروس الخصوصية ومعالجة اسبابها فلا يجوز تقنين الاخطاء أيا كانت والدروس الخصوصية خطا من اخطاء التربية والتعليم وليست حلا من الحلول لإصلاح التعليم وانما مرض افرزته ازمة التعليم في بلادنا كما ان الدروس الخصوصية لم تحسن الحالة المادية للمدرسين ولم تحسن من المستوى العام للتلاميذ ولم تضع حدا لانقطاع عشرات الالاف من التلاميذ سنويا بل عمقت التفاوت الاجتماعي بين الفئات والطبقات والجهات. ويقدم العديد من الباحثين مجموعة من الاجراءات الاولية منها ضرورة إنجاز دراسات ميدانية واستخدام المنهج الوصفي وغيره لمعرفة اسباب انتشار ظاهرة الدروس الخصوصية واثارها التربوية والاجتماعية والنفسية على المتعلمين واسرهم من قبيل : 1- القيام بإجراء دراسات وبحوث حول الاثار النفسية والاجتماعية للدروس الخصوصية على الاسر المغربية. 2- القيام بإجراء دراسات وبحوث حول الاثار الاقتصادية للدروس الخصوصية على الاسرة المغربية. 3- القيام بإجراء دراسات حول الاسباب التي تؤدي الى انخراط العاملين في القطاع في اعطاء الدروس الخصوصية واثر ذلك على ادائهم المهني في المؤسسة النظامية. 4- اجراء دراسات حول نظم المباريات واختبارات القبول في المدارس العليا والمعاهد والجامعات ذات الاستقطاب المحدود وعلاقة ذلك بانتشار الدروس الخصوصية وخصوصا للراغبين في تحصيل درجات اعلى للالتحاق بالمدارس والجامعات ذات الاستقطاب المحدود (الطب…) كما يوصي العديد من الباحثين ب: – ضرورة الاسراع بتشكيل لجنة وطنية مشكلة من كل الفئات والهيئات التربوية والادارية التابعة لقطاع التربية والتكوين والبحث العلمي للنظر في المناهج وطرق التدريس ومراجعة المقررات من حيث مستويات الصعوبة وتنظيم محتوى مقررات جميع المواد وفي كل الشعب قصد تحقيق الترابط والتتابع المنطقي لمحتواها عبر السنوات الدراسية المتتالية حتى لا تكون هناك فجوات معرفية وتربوية ومهاراتية. – الاستمرار في القيام بالتكوينات المستمرة والتدريبات المتكاملة اكاديميا وتربويا للمدرسين واطر المراقبة التربوية مع التشجيع على استخدام وتوظيف التقنيات الحديثة في تعليم وتعلم المواد الدراسية كالسبورة الذكية واستخدام الحاسوب مع ترسيم وترسيخ التعليم عن بعد. – اعطاء الفرصة للتلاميذ لاختيار المسار الدراسي المستقبلي الذي يناسب قدراتهم وذكائهم مع تقديم التوجيه والدعم لهم في عملية الاختيار وقيام المستشارين في التوجيه بتوضيح قدرات التلاميذ مع مسارهم العلمي والدراسي الى الاباء واولياء الامور حتى لا يجبروا ابناءهم على الدخول في مسار تعليمي او مهني لا يستطيعون السير فيه اثناء الدراسة.