دق إحصاء 2024 ناقوس الخطر بشأن العديد من التحولات التي تهدد المجتمع، وعلى رأسها زحف الشيخوخة، وما يفرضه من تحديات، سواء على مستوى الحماية الاجتماعية أو تكاليف الرعاية الصحية، فضلاً عن التركيز السكاني في جهات دون أخرى وغلبة التمدن. وفي السياق نفسه يرى يونس التايب، الخبير في الحكامة الترابية وسياسات الإدماج، أن التحول الذي تعرفه تركيبة الهرم الديمغرافي، وتميزه بارتفاع نسبة الشيخوخة في البنية السكانية وانحسار فئة الشباب بسبب تراجع الولادات، يفرض الإجابة عن عدة أسئلة حول مدى مساهمة هذا الواقع في توفير اليد العاملة الضرورية في عدد من المجالات الجغرافية، والحفاظ على التوازن والاستدامة في تمويل صناديق التقاعد، وقدرة المجتمع على التعاطي مع أشكال جديدة من الهشاشة الصحية التي تميز الأشخاص كبار السن وتحتاج إلى خدمات طبية واجتماعية وإلى خبرات مختلفة للمواكبة الملائمة. وأشار التايب في حوار مع "الأيام" إلى أن هذا الواقع يدق ناقوس الخطر من أجل التصحيح والتصويب والمعالجة، لمواجهة الاختلالات التي تهدد التوازن الديمغرافي، وبالتالي تهدد أمننا القومي الإستراتيجي، مع العمل على وضع أفق زمني واقعي لبلوغ توازن ديمغرافي في الحد المعقول، وهو ما يتطلب وضع إستراتيجية وطنية لتدبير التطور الديمغرافي، ووضع سياسات عمومية لتنزيل اختياراتنا الإستراتيجية بشكل يضمن تحقيق التوازن الديمغرافي المطلوب. وأفاد منير الغزوي، رئيس الشبكة المغربية للاقتصاد الاجتماعي والتضامني، بأن نتائج الإحصاء العام الأخير تطرح تحدياً كبيراً أمام السلطات والمؤسسات الجهوية وكذا الحكومة، من أجل التجاوب السريع مع المعطيات التي جاءت بها، خاصة بعد أن أكدت أن الوسط القروي عرف زيادة ضعيفة في عدد السكان بمعدل نمو سنوي بلغ 0.22 بالمائة فقط، وهو معدل أقل بكثير مقارنة بالنمو في الوسط الحضري. وأكد الغزوي أن ما كشفته هذه النتائج يقتضي ضرورة مراجعة السياسات العمومية الوطنية والجهوية، وتعزيز السياسات الاقتصادية بالوسط القروي، بهدف خلق فرص الشغل محلياً لتعزيز استقرار الساكنة في مناطقها، خاصة في ظل سير المجتمع نحو الشيخوخة، ما سيزيد الضغط على نظم الحماية الاجتماعية ويضعف الاقتصاد الاجتماعي والتضامني. وأكد عياد أبلال، الباحث في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا الثقافية، أن الإحصاء العام للسكان أظهر، كما كان متوقعاً، انخفاضاً ملموساً ومتواصلاً للنمو الديمغرافي، ناتجاً بشكل أساسي عن تحولات قيمية وثقافية عرفها المجتمع المغربي نتيجة عوامل اقتصادية وسياسية، حددها في ارتفاع نسبة العنوسة، وارتفاع نسبة الإعالة، وارتفاع نسبة الطلاق، وانخفاض نسبة الزواج، وارتفاع معدل سن الزواج، وغيرها من الأسباب، مشيراً إلى أن هناك تحولات ثقافية ارتبطت بموجات الحداثة الشكلية المرتبطة بالأسرة النواتية وارتباطاتها القيمية المرتبطة بدورها بتحولات الجسد والجنسانية؛ فضلاً عن أن أكبر مشكل يرتبط بتحول الهرم السكاني من هرم شبابي إلى هرم شيخوخي، بحيث تصبح قمته قاعدته وتصبح قاعدته قمته.