بداية القصة كانت في 1972 حين اجتمع الصديقان ستيف دجوبس (عمره 17 سنة) وستيف ووزنياك (عمره 22 سنة) لإنجاز مشروع مستوحى من معلومات تطرقت لها إحدى المجلات العلمية. في 1975 سيشارك الصديقان في نادي الكمبيوتر، وهو ملتقى يجتمع فيه المهتمون بالإعلاميات لتبادل الأفكار حول أجهزة الكمبيوتر، وستكون علاقتهم بالنادي حاسمة في مرحلة قادمة من سيرورة مشروعهم. في 1976 سينتهي الصديقان من إنجاز كمبيوتر متطور قابل للربط بجهاز التلفاز، لكن ضيق ذات اليد لم تساعدهم على الشروع في الإنتاج فتوجه ووزناك لمشغله شركة HP لعرض مشروعه. إلا أن الشركة اعتبرته دون جدوى ولا قيمة له، ونفس الرد سيلقاه دجوبس من مُشغله. هنا سيتضح الإصرار والمثابرة والإيمان بالفكرة لدى الصديقين، وهي عناصر أساسية في نجاح أي مشروع. قرر الاثنان المضي لوحدهما في المشروع بإيعاز وإصرار كبير من ستيف دجوبس الذي قام ببيع سيارته ب 1500 دولارا، فيما عرض صديقه للبيع آلة للحساب ب 250 دولارا. لضمان نجاح المشروع اقتنع دجوبس بأن شخصا ثالثا ستكون له قيمة مضافة، فالتجأ إلى معارفه في الشركة التي يشتغل فيها. هكذا حصل على موافقة رونالد واين الذي وافق على الاشتغال مع دجوبس دون التخلي عن عمله الأصلي. كان الرجل يشتغل ساعاته القانونية في عمله ويشتغل ليلا في شركة آيبل بعد أن وقَّع مع زميليه اتفاقية التعاون في فاتح أبريل 1976. بعد الانتهاء من صنع الرقائق الإلكترونية، شرع دجوبس في اختبار مهاراته في بيع المنتوج. هنا سيبرز دور نادي الكمبيوتر الذي يشارك فيه الصديقان حيث سيلتقي دجوبس في أحد لقاءاته بمسير لمحل بيع أجهزة الكمبيوتر. هذا الأخير سيعطي موافقته بشراء 50 وحدة شريطة تجميعها وليس تسليمها على شكل رقائق إلكترونية كما كان يريد دجوبس. تجميع الكمبيوتر يتطلب اعتمادات مالية إضافية اضطر بسببها دجوبس إلى الاقتراض لمدة 3 أشهر، وأقنع المزودين بإمداده بالعينات الإلكترونية مع مهلة شهر للأداء. هذه الديون جعلت الشريك الثالث ينتابه الخوف والقلق، لكونه مسؤول هو أيضا عن هذه الديون بحكم الاتفاقية التي تجمع الأصدقاء الثلاثة. فانسحب من المشروع وهو لا يعي أنه ينسحب من عالم سيزن بعد مدة مليارات الدولارات وشهرة عالمية. المهلة المحددة لأول صفقة جد ضيقة وانسحاب واين عمق الأزمة، ولكي يحترم دجوبس الأجل المتفق عليه، استعان بأخته وصديق له في الدراسة لتسريع الإنتاج. في الوقت المحدد زود دجوبس زبونه الأول برقائق إلكترونية في حين الاتفاق ينص على جهاز كمبيوتر مُكتمل. سيستعمل دجوبس مهاراته التجارية، وسيُقنع الزبون بأخذ البضاعة كمت هي، ويؤدي الثمن المتفق عليه. دجوبس في أول عملية تجارية سيتمكن من أداء ديونه ويحقق ربحا من 8000 دولارا. بعد نجاح التجربة الأولى لكومبيوتر آيبل الذي أصبح اسمه آيبل 1، شرعت الشركة في تصنيع آيبل 2، لكن هذه المرة باعتماد طريقة محترفة في التسويق. كان دجوبس لا تعجبه العلبة الحديدية للكمبيوتر الجديد، فقام باستبدالها بعلبة من البلاستيك، وتعامل مع شركة متخصصة لتحديد العلامة التجارية للمنتوج. وقع الاختيار على التفاحة المعروفة حاليا على الصعيد العالمي. النسخة الثانية من كمبيوتر آيبل عرفت ابتكارا هو الأول من نوعه آنذاك، متمثل في جدول ذكي على غرار جدول "إيكسيل" الذي اعتمدته فيما بعد مايكروسوفت. لقد كان هذا الجدول الذكي لوحده محفزا لشراء الكمبيوتر الجديد. بعد بضعة أشهر فقط ستتمكن شركة آيبل من بيع أكثر من 200.000 وحدة من كمبيوتر آيبل 2، لتنطلق سلسلة الإنجازات ب آيبل 3 ثم ماكنتوش الذي ما زال يحتفظ بحصته في السوق لحد الآن. وفي 12 دجنبر 1980، ستدخل الشركة للبورصة. وسيُشكل الحدث أكبر عملية مالية في البورصة بعد شركة فورد في 1956. قيمة الشركة في البورصة بلغت 1,7 مليار دولار يملك منها ستيف جوبس 217 مليون دولار. كانت هذه قصة شركة جمعت كل معاني التشويق والمثابرة والإبداع وروح التحدي والقتالية في مواجهة المخاطر والقرارات الحاسمة. بطل القصة اسمه ستيف دجوبس الذي عرف النور في 24 فبراير 1955، لينطفئ في 5 أكتوبر 2011 بعد أن أوقد شمعة آيبل التي ما زالت شعلتها تكبر حتى وقتنا الحاضر. وهاتف الآيفون حاضر بقوة في السوق المغربية كما هو أمر كومبيوتر ماكنتوش ورقيقة الآيباد والشباب المغربي يتذكر ذكرياته مع الآيبود. دجوبس وصديقه ووزنياك انضما لعالم المليارديرات والعالَم يتحدث عنهما، فيما صديقهم رونالد واين الذي انسحب لخوفه من ركوب سفينة المخاطرة، بقي أجيرا في شركته ولا يتحدث عنه أحد. هكذا هو العالم، يوفر الفرص، والذكي من يعرف كيف يقتنصها على حد تعبير عالم الاجتماع محمد كسوس رحمه الله. سعيد الغماز