توفي ستيف جوب، واحد من اثنين أسسا شركة أبل للكمبيوتر، ومخترع «آي بود» (المخزن الذكي) و«آي فون» (الهاتف الذكي) و«آي باد» (الدفتر الذكي)، عن عمر 56 سنة. كان ولد يوم 24 فبراير 1955 في سان فرانسيسكو. والده مسلم سوري هو عبد الفتاح الجندلي الذي كان هاجر إلى الولاياتالمتحدة قبل ذلك بخمس سنة. ووالدته هي الأميركية من أصل ألماني جوان شيبل، وكان والدها هاجر إلى الولاياتالمتحدة قبل ذلك بخمسين سنة. كانا طالبين في جامعة ويسكونسن عندما تقابلا. كانا يريدان الزواج لكن، اعترضت عائلتها لأنه عربي. ولكنها هي هربت وهي حامل إلى سان فرانسيسكو، حيث وضعت «سمير» (ستيف فيما بعد)، وتركته في منزل للتبني. في وقت لاحق، قالت: «لو كنت ولدت بنتا، لم تكن هناك مشكلة. ربما كنت سأسميها منى. وكان الاسم سهلا على اللسان الأميركي. لكن، عندما ولدت ولدا، وفيه ملامح والده العربية، خفت من أسئلة الناس، ومضايقاتهم. أعرف فضول الأميركيين، وأكره أسئلة مثل: هل هذا طفلك؟». وقالت إنها سمته «سمير» لفترة قصيرة لأن جندلي كان يتحدث عن حلم أن يكون له طفل وأن يسميه «سمير»، إشارة إلى اسم شخصية سوريا (لم تقل من هي)). لكن، في وقت لاحق، عادت إلى الشاب السوري. وتزوجا. وأنجبا «منى». وهذه المرة، قررا الاحتفاظ بها. لكن، استمرت المشكلات بين الزوجين، ربما بسبب مضايقات العائلة، والاختلافات بين العربي الأصل والألمانية الأصل، وتطلق الزوجان. وأيضا، لأن الزوجة لم تحب سوريا بعد أن زارتها مع الزوج لفترة قصيرة. بعد الطلاق، عندما تزوجت الأميركية من الأميركي هنري سمبسون، غيرت اسمها الأخير من «جندلي» إلى «سمبسون». وغيرت اسم البنت لتصير «منى سمبسون». في نفس الوقت، تبنى بول حقوبيان، الأرمني الذي كان هاجر إلى أميركا قبل ذلك بثلاثين سنة، وزوجته كلارا الطفل «سمير». وصار اسمه «سمير حقوبيان». غير أن «سمير» تحول إلى «ستيف». وتحول الاسم الأرمني المعقد «حقوبيان» إلى «حقوب» (جوب) ليكون سهلا على اللسان الأميركي. وصار اسم الطفل «ستيف جوبز». الآن، باتت منى سمبسون كاتبة روايات مشهورة في الولاياتالمتحدة. والأم الحقيقية أستاذة جامعية في علم اللغات. والأب الحقيقي (ثمانون سنة) مدير شركة تملك كازينوهات قمار في رينو، بالقرب من لاس فيغاس (ولاية نيفادا). في الشهر الماضي، قال «عبد الفتاح جون جندلي» لصحيفة «نيويورك بوست» إنه لم يكن يعرف، حتى قبل سنوات قليلة، أن ابنه هو «ستيف جوبز». وقال إنه، بعد أن عرف ذلك، أرسل خطابات إلى ابنه، لكنه لم يتسلم ردودا. ولهذا، قرر ألا يستمر في المحاولة خوفا من الاعتقاد بأنه يريد نصيبا من ثروة ابنه. وقال جندلي إنه لا يزال يتمنى أن يتصل به ابنه الحقيقي. لكن يبدو أن ذلك لم يحدث حتى توفي الابن. وأن جندلي كان تيقن أن ستيف لن يتصل به. لكن، لم يعرف جندلي سبب ذلك: هل هو تهرب من خلفيته العربية الإسلامية؟ أو مجرد عدم اهتمام، ولا مبالاة من جانب شاب ولد وتربى في أميركا. أو لأن ستيف، في صدق، لم يعرف والده ووالدته الحقيقيين خلال جزء كبير من حياته. وقال الأب إنه، لهذه الأسباب، أهمل، بل نسى، علاقته بابنه الحقيقي. وفي مقابلة «نيويورك بوست»، قال جندلي: «شيء واحد نتفق عليه: لا هو ولا أنا نريد حقيقة فتح صفحة قديمة. ربما يبدو هذا غريبا. لكن، أنا غير مستعد، حتى لو كان كل واحد منا على سرير الموت، أن اتصل به. واعتقد أنه يعتقد نفس الشيء». وأضاف: «في الوقت الحالي (قبل وفاة ستيف)، يتعين عليه هو الاتصال بي. كرامتي كسوري لا تسمح لي حتى أن أفكر في أني أريد ثروته». لكنه أضاف: «أعيش على أمل، قبل أن يفوت الأوان، أن أصل إليه. وأن أشرب معه فنجان قهوة. مرة واحدة فقط، ستجعلني رجلا سعيدا جدا». واعترف الوالد بالإحساس بالذنب لأنه لم يحتفظ بالابن. وقال: «سوف أكون كاذبا إذا قلت إنه لا يحزنني أنني لم أكن جزءا من حياة ابني التي لا تصدق. أي أب يقول غير ذلك؟ كنت سأقول ذلك حتى إذا لم يكن رئيسا لشركة عملاقة وعالمية وناجحة». وتذكر جندلي حبه وزواجه بوالدة ستيف، واعتراض عائلتها. وقال: «أحببت جوان. لكن من المحزن أن والدها كان طاغية. ومنعها من الزواج بسوري». وعن وضع زوجته السابقة للابن في منزل تبنٍ، قال: «ربما لأنها لا تريد وصمة عار على الأسرة. ربما لأنها اعتقدت أن ذلك أفضل للجميع». وأضاف: «بصراحة، لا أعرف حتى يومنا هذا إذا كان ستيف يعرف أنه لو كان الأمر بيدي، كنت سأحتفظ به». وقال إنه، قبل طلاق والدة ستيف، أخذها وابنتهما «منى» إلى سوريا لفترة قصيرة. لكن، كانت الزوجة غير سعيدة هناك. مثلما تزوجت والدة ستيف الحقيقية، تزوج جندلي. ثم طلق، ثم تزوج مرة ثالثة. لكنه لم ينجب بعد «سمير» و«منى». ورغم أن عمره ثمانون سنة، يبدو في صحة جيدة. وربما ورث ستيف حب العمل من جندلي، لأن جندلي لا يزال يعمل (قال: «المعاش من أسوأ مظاهر المجتمع الغربي»). ويستيقظ كل صباح في الخامسة، ويتريض، ثم يقود سيارته لمسافة 25 كيلومترا إلى مكان عمله مديرا لشركة فنادق وقمار. وقال إنه يحتفظ في مكتبه بصورة لابنه الحقيقي. وأيضا، هو لاحظ الشبه، خاصة الوجه المستدير (قبل مرض ونحافة ستيف). وإن عنده «آي بود» و«آي فون» و«آي باد". غير أن عائلة جوبز الأرمنية لم تهمل الطفل الذي تبنته، وحرصت على تربيته تربية جيدة، وعلى تشجيعه ليتعلم إلى أعلى مراحل التعليم. أولا، درس في مدرسة كوبيرتينو الإبتدائية. ثم مدرسة هومستيد الثانوية، بالقرب من بالو التو (ولاية كاليفورنيا). بالو التو هي من مراكز تكنولوجيا الكمبيوتر والإنترنت في كاليفورنيا. وكانت المدرسة الثانوية قريبة من رئاسة شركة «هيوليت باكارد» للكومبيوتر. وكانت الشركة تقدم دروسا مسائية للراغبين في علم الكومبيوتر. خلال سنوات الثانوية، حضر ستيف بعض هذه الدروس، وأحبها. وصار الكومبيوتر هو شغله الشاغل. وفي إجازات المدرسة الصيفية، التحق بالشركة مؤقتا. وعمل مع ستيف وزنياك (كان فنيا في الكومبيوتر، وفي وقت لاحق صار من مشاهيره). في سنة 1972، أكمل ستيف الثانوية، وانتقل إلى كلية ريد (ولاية أوريغون). لكن، دون الكومبيوتر الذي أحبه، لم يطق الدراسة التقليدية في الكلية. وتركها. لا ليترك الدراسة نهائيا، ولكن ليختار من مقررات الكلية ما له صلة بالكومبيوتر (كارها الجغرافيا والتاريخ والفلسفة والآداب). لأن والديه غضبا عليه لتركه الكلية، أوقفا عنه المصروفات المدرسية. لكنه ظل يحضر مقررات الكومبيوتر، ويصرف على نفسه بأن يبيع زجاجات «كوكاكولا» الفارغة. وينام على الأرض في غرف بعض الأصدقاء. ويأكل وجبات مجانية في معبد «هاري كريشنا» (الهندوسي). في وقت لاحق، قال ستيف: «لو ما كنت تركت الكلية، ما كان موديل (ماك) ظهر بصورته التي ظهر بها»". في خريف عام 1974، عاد ستيف إلى ولاية كاليفورنيا، إلى «جنة» تكنولوجيا الكومبيوتر. وهذه المرة التحق ب«نادي كمبيوتر هومبرو» مع أستاذه القديم وزنياك. وبعد أن نال دبلوما من النادي، التحق مع شركة «هاتاري» للكمبيوتر في ولاية كاليفورنيا. وكانت اشتهرت في ذلك الوقت باختراعات «خيالية» في مجال الألعاب الإلكترونية. كانت اختراعاتها عبارة عن صناديق بسيطة، لكل صندوق شاشة صغيرة. ثم تطورت وأصدرت «اللعبة المعجزة»، وهي عبارة عن توصيل «هاتاري» مع جهاز تلفزيون، لممارسة اللعبة على شاشة التلفزيون. قبل أن ينتقل ستيف من شركة «هاتاري» إلى شركة «أبل»، وكان عمره عشرين سنة، دخل في متاهات نفسية وروحية. ومثل كثيرين غيره من أبناء وبنات السبعينات (وجيل الهيبيز)، مال نحو الروحانيات الشرقية، وخاصة الهندوسية والبوذية. وفي وقت لاحق، قال: «في الحقيقة، أحببت العمل في (هاتاري) من أجل التكنولوجيا، ولكن أيضا لأوفر مالا أسافر به إلى الهند، وأتتلمذ على يد قديس بوذي (بسبب التشابه بين الهندوسية والبوذية"). قضى ستيف شهورا في الهند، وعاد بعد أن حلق رأسه (على الطريقة البوذية)، وارتدى ملابس رجال الدين الهندوسية الصفراء. وانضم إلى فرقة تشبه فرق «هيبيز»، واستعمل مخدرات مثل الماريغوانا والحشيش و«إل إس دي». وكان ثائرا ومتمردا. في وقت لاحق، بعد أن اشتهر، لم ينكر ماضيه. وقال: «كانت فترة خاصة في حياتي وفي حياة أميركا. كانت السبعينات فترة خاصة، ولها نكهة خاصة». وأضاف: «لا أقول إن الذين كانوا حولي والذين كانوا أصدقائي شاركوني هذه الفلسفات والممارسات. أنا فعلت ما أردت أن افعل. وأنا مسؤول عما فعلت. لكن، أنا مسؤول أيضا عما أفعل الآن». كان قال ذلك بعد أن أصدر «آي بود»، وكان قصده أنه سئم مطاردة الصحافيين له بحثا عن «شيء قذر في حياتي». وأضاف في حالة غضب (وكان، على أي حال، قليل الكلام مع الصحافيين): «احكموا علي بما أفعل الآن، لا بما فعلت قبل ثلاثين سنة". بعد فترة قصيرة في شركة «هاتاري»، وفي عام 1976، أسس ستيف جوبز، مع أستاذه القديم ستيف وزنياك وزميله القديم وين رونالد، شركة «أبل». وخلال العشر سنوات التالية، تطورت «أبل»، وتخطت أم شركات الكمبيوتر: «آي بي إم». وجذبت إليها عقولا إلكترونية كثيرة، وأغلبيتها من الشباب، وأغلبيتها من زملاء قدامى عرفهم ستيف. سواء في فصول التكنولوجيا، أو معابد الهندوس والبوذيين، أو جلسات الماريغوانا و«إل إس دي". في عام 1983، استدرج ستيف جوبز صديقه القديم جون سكالي من شركة «بيبسي كولا» ليكون الرئيس التنفيذي لشركة «أبل». وذلك بعد أن سأله: «هل تريد بيع المياه بالسكر والكاراميلا بقية حياتك؟ أو هل تريد أن تأتي معي وتغيير العالم؟». وبعد ذلك بعام، في عام 1984، ظهر أول إعلان، خلال مباراة «سوبربول» (النهائي السنوي لمنافسات كرة القدم الأميركية)، عن كومبيوتر «ماك» (إشارة إلى «ماكنتوش"). في وقت لاحق، في موضوع غلاف عن ستيف جوبز، كتبت مجلة «تايم»: «كان نجاح جوبز في (ماكنتوش) من العنب المر. كان نجاحا رائعا، لكن قال بعض زملائه إنه شخص يصعب جدا التعامل معه». وهكذا، بدأ صحافيون وناقدون يتحدثون عن «الجانب الآخر» لشخصية ستيف جوبز. في عام 1986، بدأ صراع داخلي على السلطة في شركة «أبل». وأعلنت الشركة فصل عدد كبير من المهندسين والموظفين والعمال، نظرا لأن اختراع «ماكنتوش» لم يقدر على الفوز على اختراعات منافسة (خاصة اختراعات «مايكروسوفت» التي كان يقودها «صديق لدود» هو بيل غيتس). وأمر سكالي، رئيس مجلس الإدارة بعزل صديقه القديم (الذي كان أقنعه بترك العمل مع شركة «بيبسي كولا»). في وقت لاحق، قال ستيف إنه لم يغضب على عزله. وقال: «كان عزلي هو أفضل شيء يمكن أن يحدث لي". وقال كلمة صارت مثلا ربما ستتناقله الأجيال: «بدلا من العبء الثقيل بسبب النجاح، جاء العبء الخفيف بالبداية من نقطة الصفر». وقال: «طردوني، وجعلوني أحس بأني صرت حرا أكثر من أي وقت مضى". أسس ستيف شركة «بكسار»، وفتح أمام نفسه، وأمام العالم، مجالات لا حدود لها: «آي بود» و«آي باد» و«آي فون». وتطور الأخير من «آي فون 1» إلى «آي فون 2»، إلى «آي فون 3». ويوم وفاته، وعكس عادته بتقديم اختراع جديد، كان ستيف يواجه الموت. أعلن مدير الشركة الجديد اختراع «آي فون 4 إس» (الذي يخاطب بالكتابة، واللمس، والصوت). محمد علي صالح، الشرق الأوسط اللندنية، عدد 10 أكتوبر 2011.