لما تولدت القناعة لإستجلاء بعض خبايا البحث عن الكنوز ، من خلال هذا التحقيق الصحفي ، يكاد كاتبه أن ينفصل عن قناعاته المنسجمة مع روح العقل وقوة المنطق ، ويكاد أن يكون ضرب من ضروب الخيال ، بشكل يسائل جمهور المثقفين٬ على اختلاف درجاتهم٬ لا يجدون صعوبة في إدراك ما جاء على لسان المفكرين العقلانيين من دعوة أفراد المجتمع إلى تجنب الأوهام وأمور الدجل والشعوذة٬ ومن ضمنها ما يرتبط باستخراج الكنوز. وبين الحقيقة والخيال ، أو صدقتم أو كذيتم ، فإن في هذا التحقيق حقائق عشناها مع " مرضى" الانسياق وراء حلم معانقة الثراء عن طريق استخراج الكنوز. فما حقيقة هذا الذي تحميه الدولة بترسانة من القوانين، ويرمي الجن الحارس إلى ما وراء الشمس كل من اقترب من مكانه في قصص الناس العاديين، أمنية الفقراء ومبتغى الأغنياء. "التربيع" بداية رحلة مطاردة خيط دخان الإغتناء ! أولى محطات رحلة البحث عن الكنوز ، تنطلق في عملية تدعى " التربيع" وهي التي يستعمل فيها إما الأطفال الزوهريين أو الدجاجة أو المرأة أو القمح ، حسب الموانع التي يضعها الجن على هذه الكنوز ، فالبنسبة للطفل الزوهري يكتب الفقيه طلاسيم على جبين الطفل الزوهري ليدلك ، بدون شعوره ، على مكان الكنز ، غير أن مثل هذه الطرق لم تعد تستعمل من طرف هؤلاء"الفقهاء" بالنظر لتوفر وسائل وأدوات للتنقيب عن المعادن" حسب فقيه التقته الجريدة. و تقنية التربيع ، الأنف ذكر تفاصيلها ، تستعمل كذلك في غياب" الوثيقة " ، هذه الأخيرة التي هي الوثيقة التي يكتبها صاحب الكنز المدفون في قرون خلت و مضمونها مكان تواجد الكنز و حدوده يكتبها صاحب الملك لأحفاده وورثته . ينبه محدثنا إلى أن بعض الأمراء والأعيان والوجهاء في القرون المنصرمة ، يعمل على إدخار أمواله في صندوق مصنوع من شجر" السنديال " نظرا لجودته ، ويتم وضع الصندوق في مخبأ تحت أرضي يصل عمقه متر ونصف و تلفيف الصندوق بخليط من البيض و مادة الجير والتبن ، نظرا لصمود هذا الخليط أمام العوامل الطبيعية و لصموده مئات السنين. و ذكر هذا المصدر ، ان العثور على كنز لا يتطلب بالضرورة فقيه متخصص ، إلا في حالة واحدة ووحيدة ، وهي في حالة كون الكنز المدفون يتعلق بالفضة ، لان – حسب إعتقاد مصدرنا – الجن بحاجة دائما لهذا المعدن ، لأنه يستعمله عشبا للتوالد و يستعمله الجن في التداوي لبعض الامراض المستعصية !! وصفات غريبة من أجل إخضاع الجن هناك معلومات تؤكد أن ثمة اعتقادات عدة للسحرة ولراغبي الحصول على الكنوز يستخدمونها في التحايل على الرصد وتجنبه ، ففي تقاليد الرصد المغربية اعتقاد جازم بأن تناول قلب طائر النورس نيئاً يساعد الباحث عن الكنز في رؤية كل ما هو غير مرئي ومن ذلك مخابئ الكنوز وأماكن تواجد الحراس الراصدة تحت الأرض! وكذلك يعتقدون أن الجن الراصدة مخلوقات ذميمة وقزمة ، تسكن في شقوق باطن الأرض والمغارات والخرائب والحفر ، وهي لا تنام أبدا ، بل تغفو فقط فوق ركام الذهب والفضة والأشياء النفيسة الأخرى التي أوكلت إليها مهمة حراستها من طرف ملوك الجن، وفي بعض معتقدات السحر الخاصة بالتحايل على الرصد وخداعه لانتزاع الكنز يتم استخدام بعض الأطفال ذوي المواصفات الخاصة كأن تكون أيديهم ملفوقة أي مميزة بخط عرضي في اليد اعتقاداً بأن هؤلاء الأطفال المميزين كانوا في الحقيقة من أبناء الجن ولكن تم استبدالهم عند الميلاد بأبناء الآدميين ، ومن ثم فهم لا يخافون من الجن أمثالهم إذا اقتربوا من الكنز ولذلك يلجأ السحرة إلى خطف هذه النوعية من الأطفال لمساعدتهم في نقل محتويات الكنوز المدفونة ، في باطن الأرض تحت أنظار الجن العاجزة ومن أغرب الوصفات التي تدخل في عمليات رصد مواقع الكنوز، ما يسمى ب"تبيع الديك" حيث يكتب الساحر سورة الشعراء بماء الزعفران المخلوط بماء الورد يوم الاثنين والشمس في السماء, ثم يضع الورقة في جلد ضبع مع قليل من التراب المأخوذ من جحر هذا الضبع ، ويعلق كل ذلك في عنق ديك أبيض، ثم يخلي الساحر سبيله بعد ذلك في المكان الذي يشك في وجود الكنز في ، ويبخر بالقصبر، ولن يتوقف الديك عن البحث الا بعد العثور على الكنز، حيث سيشرع في نبش الأرض بمخالبه وهو يصيح وينتفض وهناك وصفة أخرى لنفس الهدف تتمثل في كتابة تراتيل الرصد على أربع بيضات حديثات بعدها تطلق البخور في حيز مربع الشكل حول المكان المشكوك في وجود الكنز به ثم يتلى ما يعرف لدى السحرة ب "قسم الطاعة" واحد وعشرين مرة ومن ثم ستجتمع البيضات على محل الكنز المقصود. كما أن هناك بعض مصادر السحر تزعم أن كشف الجن ورؤية الأرصاد منوط ببعض أنواع الكحل وأن ذلك مذكور في كتب الروحانيين القدماء، فهناك كحل القمر وكحل عطارد الذي يكشف الذخائر المكنونة يوم الأربعاء على وجه التحديد وهناك كحل الزهرة ليوم الجمعة حيث رؤية الكنوزعياناً والعمار أرصاداً ومخاطبة من تريد من الجن الراصدة ، أما كحل الشمس فهو ليوم الأحد وكحل المريخ ليوم الثلاثاء والسبت حيث رؤية الكنوز والكواكب السبعة نهاراً وهنا يجب تلاوة العزائم التي تقول : "أيها الكواكب السعيدة افتحوا لى أبواب الكنوز" ، وكذلك إطلاق البخور الصاعد وهو بخور السبعة كواكب السيارة ومخاطبتهم. ومن العجيب أنهم ينسبون لهذه الكحل قدرات عجيبة في رؤية غير المرئي، فيعتقدون بأنه يعلم الفلك ويري كل النجوم نهاراً ويهب القدرة على مخاطبة الجن نهارا وليلا ويكشف الحجب في كل السموات فيرى الإنسان ما هو طالع صاعد اليها وما هو نازل منها وما يعرج فيها. النصب بإسم البحث عن الكنوز !! شاب مغربي في الثلاثينيات من عمره، استطاع النصب على أثرياء عدد من الأثرياء ، بسلبهم ممتلكاتهم عن طيب خاطر، بعدما ادعى قدرته على استخراج ما تدخره الأرض من كنوز وثروات بمساعدة الجن ، كل من أجل النصب على ضحية بمبلغ 122 مليون سنتيم. ففي أحد أيام الصيف التقى الضحية بالنصاب ، هذا الأخير الذي حدثه عن وجود كنز بممتلكات عمه ، وأن جلبه يتطلب ذبح دجاجة وتسليمه 30 مليون سنتيم، فلم يكترث بالأمر، وبعد مدة عاود الاتصال به ، مدعيا هذه المرة أن الكنز موجود بحقوله، و اتفقا على موعد للتوجه إلى مكان وجود الكنز بمعية شخص آخر قدمه للضحية على أنه فقيه . وعند وصولهم أخذ الثلاثة يبحثون عن حجر ادعوا معرفة مواصفاته، وأخذ الفقيه يهمس بكلمات للحجر، وشرع "النصاب" يدور جريا حول المكان مدعيا أنه يرسم دائرة الثقاف، فاندلعت النار تحت رجلي الفقيه وأطفأها ثم خرج عليهم جنيان يرتديان الأبيض أحدهما له قرون-حسب تعبير الضحية في محضر للضابطة القضائية ، الذي أضاف ، أن هذا الكائن الجني قال لهم: «حنا بالله وبالشرع» «اذهبوا عنا»، فلما رأى الضحية هذا المشهد حاول الهروب، غير أن النصاب منعنه مدعيا أن خروجه من دائرة الثقاف ستؤدي إلى اختطافه من قبل الجن»، وبعد حديث دار بين الفقيه والجنيين، أكدا للضحية أن كل واحد منهم سيتسلم نصيبه من الكنز، و من شروط الحصول على الكنز الكتمان، فالكاف: كتمان، والنون: نية، والزاي: زكاة، وأن من كشف السر سوف يؤذيه الجن» ، قبل أن تنكشف خيوط النصب وملامحها وانسحب الضحية من العملية بالمرة. ما رأي الشريعة و القانون ؟ أجمع مصادر التشريع الإسلامي على أن وهم البحث عن الكنوز يدخل ضمن الدجل والشعودة ، و حكمه هو حكم الشعودة. و بالنسبة للقانون المنضم للمجال فهو القانون رقم 22.80 المتعلق بالمحافظة على المباني التاريخية والمناظر والكتابات المنقوشة والتحف الفنية. غير ان الفصل 45 من ظهير شريف رقم 1.80.341 الذي ينص على انه لا يجوز لأي كان القيام دون رخصة بأعمال الحفر والبحث في الأرض والبحر قصد استكشاف مبان أو منقولات تكون فيها بالنسبة للمغرب فوائد تاريخية أو أثرية أو أنتروبولوجية أو تهم العلوم التي تعنى بالماضي والعلوم الإنسانية بوحه عام. ليبين الفصل 49من نفس القانون ان التحف الفنية أو العاديات المنقولة المكتشفة خلال عمليات حفر مأذون فيها، أو خلال أعمال ما تصبح ملكا للدولة. وفي هذه الحالة يدفع تعويض إلى حائزها، ويحدد مقدار هذا التعويض بالمراضاة أو على يد المحاكم. ولعل المادة 16 من القانون ظهير شريف رقم 1.11.178 تحدد حصة الدولة من هذا الكنز والذي ينص على ان الكنز الذي يعثر عليه في عقار معين يكون ملكا لصاحبه وعليه الخمس للدولة. و منه نصل لمرحلة التجريم والعقاب حيث جاء فى الفصل 52 من قانون رقم 1.80.341 انه يعاقب على المخالفات لأحكام هذا القانون والنصوص الصادرة بتطبيقه بغرامة من ألفين إلى عشرين ألف درهم (2.000 إلى 20.000). وفي حالة العود يعاقب المخالف بغرامة لا يمكن أن تقل عن ضعف الغرامة المحكوم بها سابقا من غير أن تتجاوز أربعين ألف درهم.