" الدين يُفسر للعقل ما هو عاجز عن تفسيره أو فوق طاقته كالقضايا الغيبية. بالمقابل الفلسفة باعتمادها على العقل تساعد على توضيح ما هو غامض من الشريعة وتُدعم بالأدلة العقلية ما أتى به الدين" الفيلسوف الكندي سنجيب على سؤال لماذا الاهتمام بالفلسفة؟ ليس بأفكار فلسفية ولا براهين منطقية، وإنما سنجعل الجواب منسجما مع روح سلسلة مقالات "فسحة الصيف مع الفلسفة"، ونعرض الجواب عل شكل قصة نسردها بأسلوب بسيط وسلس. عنوان القصة هو: القصر الكبير والكهف الصغير. يُحكى أن رجلا غنيا كان يسكن في قصر كبير وبجانبه رجل فقير يسكن في كهف صغير. بدأ الرجل الغني يشعر بالملل في قَصره ويريد خوض تجربة السكن المتواضع لعله يكتشف حياة جديدة في هذه التجربة الفريدة، فقرر أن يعرض على جاره الفقير تبادل المساكن لمدة وجيزة. بطبيعة الحال قَبِل الرجل الفقير عرض جاره الغني بدون تردد ولا تفكير. هكذا صار الغني يسكن كهفا والفقير يسكن قصرا. دخل الرجل الغني كهف الفقير، فلم يجد وسائل الراحة التي كان ينعم بها، فشرع في إصلاح كل ما هو معطوب في أدوات الكهف وقام بإضافة الكثير من الأشياء الجديدة. فحين أراد حلق لحيته وجد المرآة مكسرة فاستبدلها بأخرى جيدة. وحين أراد طهي طعامه لم يجد لا طاولة ولا كراسي فقام بتأثيث الكهف بكل لوازم المطبخ. وهكذا استمر الرجل الغني في إصلاح كل ما هو معطوب في أدوات الكهف وقام بإضافة الكثير من الأشياء الجديدة، فسار الكهف يتحول تدريجيا ليصبح كالقصر. دخل الرجل الفقير قصر الرجل الغني، وجد كل وسائل الراحة متوفرة، فشرع يستعمل جميع مرافق القصر. كان يقوم يوميا بحلاقة لحيته لكنه ذات يوم كسر المرآة وتركها على حالها حتى أصبح لا يستطيع حلق لحيته. استعمل أدوات المطبخ وكلما تكسرت الأواني أو أُتلفت التجهيزات يتركها على حالها دون إصلاحها أو صيانتها. هكذا استمر الرجل الفقير في إتلاف جميع مرافق القصر ولا يقوم بصيانتها ولم يُضف أي شيء جديد لقصر الرجل الغني، فصار القصر يتحول تدريجيا ليصبح كالكهف. هي قصة تدفعنا لطرح العديد من الأسئلة من قبيل:لماذا شعُر الرجل الغني بالملل في قصره الكبير؟ لماذا قبِل الرجل الفقير استبدال كهفه بقصر جاره الغني؟ لماذا تحول القصر إلى كهف والكهف إلى قصر؟
الالمام بمغزى القصة يمر عبر الجواب على هذه الأسئلة، وجواب هذه الأسئلة يحتاج إلى الفلسفة، والفلسفة ليست بالضرورة تخصصا وإنما هي آليات يشتغل بها العقل الإنساني ليُنتج المعرفة. المعرفة الصحيحة والصائبة بطبيعة الحال. هكذا نفهم مغزى السؤال: لماذا الاهتمام بالفلسفة؟ وهكذا نفهم أن الفلسفة هي في الأصل فن يُعَوِّد العقل البشري على طرح الأسئلة. والفيلسوف إنما يُعبر عن أفكاره، قد يصيب كما قد يخطئ. وكم من فيلسوف فنَّد فيلسوفا آخر وانتقد أفكاره. فإذا كانت فلسفة أرسطو تُعتبر أم الفلسفات لدى الكثير من الفلاسفة كما أنها أثرت على الفكر البشري لمدة قرون من الزمان، جاء الفيلسوف فرانسيس بيكون في القرن 16 ليفند فلسفة أرسطو ثم قام بطرح فلسفة جديدة. كما أنه اعتبر فلسفة أريسطو عقيمة وغير ذي فائدة ولن يتقدم الإنسان أي خطوة فيما يخص العلم الطبيعي، حسب قوله.
الفلسفة اهتمت بالكثير من المواضيع والمباحث، لكن موضوع الميتافيزيقيا أو ما بعد الطبيعة حسب التعبير الفلسفي، هو الذي أخذ حيزا من الاهتمام في العالم العربي والإسلامي. هذا الواقع جعل المجتمعات العربية تبتعد عن الفلسفة بدعوى وهمية أنها ضد الدين، ففوتت على مجتمعاتنا علما ساهم في تطوير الكثير من المعارف المرتبطة بآليات التفكير وطرق تطوير السلوك المجتمعي ومعالجة السلوكيات النفسية. لذلك نقول إن الاهتمام بالفلسفة ضرورة مجتمعية، وأن نجاح أي طموح تنموي يمر عبر الاهتمام بالفلسفة.