ليس في العنوان أية مبالغة أو تمويه ؛ لكن ساتفهّم استغراب البعض في الرهان على إقامة نشاط ثقافي بالقرية وخاصة الفن السابع وما يتطلب ذلك من إمكانيات لوجستيكية وبشرية قد يتعذر وجودها بالمدينة فكيف بالقرية.. فهو نفس الإستغراب الذي انتابني وانا اتلقى دعوة الحضور إلى مناقشة شريط وثائقي حول الفنان الفوتغرافي العالمي سعيد اوبراييم كإحدى فقرات برنامج مهرجان سنيما الشباب ببيوگرى والحال أن كل من عاش تجربة أمس بقرية ايت ميمون سيعرف ان الطريق الثانوية نحو تيفنيت لا توصلك إلى البحر وقرية الصيّادين هناك بل هي أيضاً سبيل للعابرين نحو معلمة ثقافية تمّ إستنباتها وسقيها بكل الهدوء عبر الرّي بالتنقيط.. قد لا يحتاج الزائر إلى بوصلة للوصول إليها رغم كثرة الدروب والازقة الملتوية.. فاصغر واحد من ساكنة المدشر يعرف بحدسه أنّك ضيف الزاوية او المعرض او دار الثقافة هي اسماء وعناوين لمسمّى واحد.. تستوقفك هالة الباب تعرف من خلال التوضيح أنّه عمّر أكثر من قرن.. وقد يكون الجدّ الثالث قد حصّن به أفراد عائلته ليكون الحفيد اليوم قد حصّن هذا الثرات من الإتلاف والإندثار.. تدفعه بكل الهدوء كأنّك تفتح صفحة من تاريخ المنطقة فتقرأ عبر المعروضات تطور وسائل الإضاءة قبل وصول الكهرباء إلى القرية.. وتقلب الصفحة نحو أدوات الطبخ القديمة وبين كل ثنايا هذه المعلمة تجد نفسك بين زمنين بكثير من الحيرة والتأمل بين عسر الحياة لمن سبقونا وبين يسرها الآن..!! يخرجك من هذه الحيرة صوت آذان لصلاة المغرب لتنخرط من جديد في هذه الدردشة الجماعية حول فكرة تأسيس هذا الصّرح الثقافي وسط البادية لتقف بكل تقدير واحترام لصاحب الفكرة والسهر على أجرأتها وتنفيذها وبقناعة صوفية جعلته يسموا على مغريات الحياة ويقتنع بأن تحوّل دار الأجداد إلى مزار ثقافي وملتقى للمبدعين والفنّانين.. هو فعل استثنائي.. فبقدر ما انتصر الدكتور خالد العيوض إلى قناعاته الفكرية الوجدانية بقدر ما جسّد فكرة المثقف المبادربإشعال الشمعة عوض لعنة الظلام.. هي الشمعة التى أضاءت طريق منظمي مهرجان سنيما الشباب ببيوگرى ببرمجة وتنشيط إحدى فقراتها بقرية ايت ميمون وهي تستقبل هذه الوجوه السنيمائية من ممثلين ومخرجين ورواد الفن السابع بالإقليم والجهة عموما.. ولعل حرارة النقاش بعد مشاهدة الشريط الوثائقي وعمق المدخلات والتساؤلات أنستنا لعسات هذا البرد القارس الذي كان يعمّ الفضاء.. زاد من مقاومته وجبة العشاء بالأسلوب التقليدي لأكثر من مئة مشارك وباختتام فني موسيقى أمازيغي.. أكثر من أربع ساعات ونحن وسط هذه الرمزيات ببعدها الروحاني واسلوبها البسيط تخرج بقناعة أن كل ما هو حقيقي وصادر عن القلب يكون دائما عفويّاً وتلقائيا.. ورائعاً.. شكرا الأخ خالد العيوض.. فكما ساهمت يوماً ضمن نضالاتك المدنية في عودة المهاجرين إلى الاستثمار في قراهم.. ها أنت الآن تفاجئنا باستنبات الثقافة والفن بقريتك.. هو ما يبقى حين ينتهي الحكي.. هنيئا لكل الارواح التي سبقتنا لهذه الدار المعلمة.. فعودة الحياة وقراءة القرآن او الشعر وغيره هو صدقة جارية لأرواحهم الطاهرة.. هنيئا لك.. بأن كنت خير خلف لخير سلف يوسف غريب كاتب إعلاميّ